مجموع الفتاوى/المجلد الثامن/فصل تكليف ما لا يطاق
فصل تكليف ما لا يطاق
تكليف ما لا يطاق وهو على ضربين:
أحدهما: تكليف ما لا يطاق لوجود ضده من العجز، وذلك مثل أن يكلف المقعد القيام، والأعمى الخط ونقط الكتاب، وأمثال ذلك، فهذا مما لا يجوز تكليفه وهو مما انعقد الإجماع عليه، وذلك لأن عدم الطاقة فيه ملحقة بالممتنع والمستحيل، وذلك يوجب خروجه عن المقدور فامتنع تكليف مثله.
والثاني: تكليف مالا يطاق لا لوجود ضده من العجز مثل أن يكلف الكافر الذي سبق في علمه أنه لا يستحب التكليف كفرعون وأبى جهل وأمثالهم، فهذا جائز، وذهبت المعتزلة إلى أن تكليف مالا يطاق غير جائز، قال: وهذه المسألة كالأصل لهذه.
قلت: وهذا الإجماع هو إجماع الفقهاء وأهل العلم، فإنه قد ذهب طائفة من أهل الكلام إلى أن تكليف الممتنع لذاته واقع في الشريعة، وهذا قول الرازي وطائفة قبله، وزعموا أن تكليف أبي لهب وغيره من هذا الباب حيث كلف أن يصدق بالأخبار التي من جملتها الإخبار بأنه لا يؤمن، وهذا غلط، فإنه من أخبر الله أنه لا يؤمن وأنه يصلي النار بعد دعاء النبي ﷺ له إلى الإيمان فقد حقت عليه كلمة العذاب، كالذي يعاين الملائكة وقت الموت لم يبق بعد هذا مخاطبًا من جهة الرسول بهذين الأمرين المتناقضين.
وكذلك من قال: تكليف العاجز واقع محتمًا بقوله: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ} 1، فإنه يناقض هذا الإجماع، ومضمون الإجماع نفي وقوع ذلك في الشريعة، وأيضا فإن مثل هذا الخطاب إنما هو خطاب تعجيز على وجه العقوبة لهم لتركهم السجود وهم سالمون يعاقبون على ترك العبادة في حال قدرتهم بأن أمروا بها حال عجزهم على سبيل العقوبة لهم، وخطاب العقوبة والجزاء من جنس خطاب التكوين، لا يشترط فيه قدرة المخاطب إذ ليس المطلوب فعله، وإذا تبينت الأنواع والأقسام زال الاشتباه والإبهام.
هامش
- ↑ [القلم: 42]