مقالات مجلة المنار/إسلام اللورد هدلي وما قاله وكتبه في سببه
خاضت جرائد العالم في إسلام اللورد ( هدلي ) الإنكليزي، فكتب بعضها ما عليه كما هو على سبيل الخبر، وزعم بعضهم أن إسلامه إسلام سياسي ليمثل المسلمين في مجلس اللوردات! وأبى بعض المتعصبين من النصارى إلا أن يشوب الخبر بشوائب التلبيس وإيهام القارئ أن اللورد لا يزال نصرانيًّا يؤمن بالثالوث ويجمع بين الضدين أو النقيضين ( التوحيد والتثليث ).
وكأن هذا التلبيس والإيهام قد استنبط من كلمة عُزيت إلى اللورد. وإننا ننشر ما نقلته جريدة مسيحية إنكليزية عن اللورد وما كتبه هو عن إسلامه؛ فتقول:
جاء في جريدة الديلي ميل الصدارة في 17 نوفمبر سنة 1913 تحت عنوان ( إسلام اللورد هدلي ) ما يأتي:
اللورد هدلي هو البارون الخامس في بيته ( عائلته ) وقد ارتقى إلى هذه الرتبة في يناير الماضي بعد وفاة ابن عمه. وقد أسلم هذا اللورد الآن وأعلن إسلامه في حفلة للجمعية الإسلامية بلندن، وكان هو نفسه حاضرًا في وليمة الجمعية السنوية.
قال في اجتماع البارحة: ( إنني بإعلان إسلامي الآن لم أَحِد مطلقًا عما اعتقدته منذ عشرين سنة، ولما دعتني الجمعية الإسلامية لوليمتها سررت جدًّا لأتمكن من الذهاب إليهم وإخبارهم بالتصاقي الشديد بدينهم. وأنا لم أهتم بعمل أي شيء لإظهار نبذي لعلاقتي بالكنيسة الإنكليزية التي نشأت في حجرها، كما أني لم أحفل بالرسميات في إعلان إسلامي، وإن كان هو الدين الذي أتمسك به الآن.
إن عدم تسامح المتمسكين بالنصرانية كان أكبر سبب في خروجي عن جامعتهم، فإنك لا تسمع أحدًا من المسلمين يذم أحدًا من أتباع الأديان الأخرى كما تسمع ذلك من النصارى بعضهم في بعض، فإن المسلمين وإن كان يحزنهم عدم اهتداء الناس إلى دينهم إلا أنهم لا يحكمون على كل من خالفهم بالهلاك الأبدي.
إن طهارة الإسلام وسهولته وبعده عن الأهواء والمذاهب الكهنوتية ووضوح حجته كانت كل هذه الأشياء أكبر ما أثر في نفسي. وقد رأيت في المسلمين من الاهتمام بدينهم والإخلاص ما لم أر مثله بين النصارى، فإن النصراني يحترم دينه عادة يوم الأحد حتى إذا ما مضى الأحد نسي دينه طول الأسبوع. وأما المسلم فبعكس ذلك، يحب دينه دائمًا، وسواءٌ عنده أكانَ اليوم يوم الجمعة أو غيره، ولا يفتر لحظة عن التفكر في كل عمل يكون فيه عبادة الله.
وإني وإن كنت اعتنقت الإسلام إلا أني لا زلت نصرانيًّا، بمعنى أني لا زلت مؤمنًا بالمسيح ومتبعًا تعاليم المسيح، فإن الإسلام يصدق بتعاليم جميع الأنبياء على حدٍ سواء فلا يفرق بين موسى والمسيح ومحمد ( ولكن أ كثر الناس لا يعلمون ). اهـ كلام هدلي.
ثم قالت الجريدة المذكورة: إن اللورد هدلي هو مهندس. وفي المسابقة الرياضية التي جرت في كمبردج حاز قَصَبَ السَّبْق في الملاكمة مثل المستر ألنسون وين ( Winn Allanson ).
لماذا أسلمت؟
وجاء في جريدة الأبزيرفر الأسبوعية ( observer the ) في عددها الصادر في 23 نوفمبر الماضي تحت عنوان ( لماذا أسلمت ) بقلم اللورد هدلي ( Headley ) ما ترجمته حرفيًّا:
( عقيدة الإسلام )
أخذت صحف عديدة تخوض في معتقدي الديني، ويسرني أن أرى أن جميع الانتقادات التي وجهت إليّ للآن، كانت بلهجة لطيفة، وما كان ينتظر أن الخروج عمّا ألفه الناس واعتادوه لا يلفت الأنظار إليه، وذلك ممّا يسرني، إني أحب مهنتي ومولع بالألعاب الرياضية، ولم يكن لي في ذلك غرض لطلب الشهرة وبعد الصيت، ولكن لو كان عملي في هذه الحالة سببًا في جعل الناس كبيري المدارك سمحاء فأنا في غاية الاستعداد لأن أتحمل بكل صبر أي نوع من الإساءة والاستهزاء.
أتاني في يوم كتاب من نصراني متمسك بدينه يقول لي فيه: إن الإسلام هو دين شهوات، وإنه كان لنبيه عدة زوجات. فما أعجبها من فكرة عن الإسلام!! ولكنها هي الفكرة السائدة على عقول تسعة وتسعين من كل مائة بريطاني، فإنهم لا يتعبون أنفسهم في البحث عن حقائق دين يدين به مائة مليون من إخوانهم الخاضعين لهم.
نبيّ العرب المقدس كان على الأخص حصورًا عن الشهوات طاهرًا، فكان مخلصًا لزوجته الوحيدة خديجة التي كانت أكبر منه بخمس عشرة سنة، وكانت أول من آمنت ببعثته. وبعد موتها تزوج عائشة ثم تزوج أيضا عدة أرامل لأصحابه الذين قتلوا في الحرب، لا لأنه كان له أدنى رغبة فيهن بل ليعولهن ويقوم بكفالتهن ويرفع مقامهن إلى منزلة ما كن يصلن إليها بغير ذلك. وكان عمله هذا ملتئمًا مع بعده عن الأنانية، ومع حياته الشريفة العالية. وكان من شدة زهده في هذه الحياة أنه ما كان يملك ما يكفيه من العيش.
نحن البريطانيين تعودنا أن نفخر بحبنا للإنصاف والعدل، ولكن أي ظلم أعظم من أن نحكم - كما يفعل أكثرنا - بفساد الإسلام قبل أن نلم بشيء من عقائده، بل قبل أن نفهم معنى كلمة الإسلام؟
القرآن والدعوة
من المحتمل أن بعض أصدقائي يتوهم أن المسلمين هم الذين أثَّروا فيّ، ولكن هذا الوهم لا حقيقة له، فإن اعتقاداتي الحاضرة ليست إلا نتيجة تفكير قضيت فيه عدة سنين. أما مذاكراتي الفعلية مع المتعلمين من المسلمين في موضوع الدين فلم تبدأ إلا منذ أسابيع قليلة، ولا حاجة بي إلى القول بأني ملئت سرورًا حينما وجدت نظرياتي ونتائجي متفقة تمام الاتفاق مع الدين الإسلامي. وأمّا صديقي الخوجة كمال الدين فلم يحاول قط أن يكون له فيّ أقل تأثير، ولكنه كان حقيقة كقاموس حيّ يفسر ويترجم لي - مع الصبر - ما لم يتضح لي من آيات القرآن. وكان سلوكه هذا مسلك المبشر الإسلامي الحقيقي الذي لا يحاول إرغام سامعيه أو التأثير فيهم. فإن الدخول في الإسلام يجب - كما يقول القرآن - أن يكون بإرادة الإنسان الحرة وبرأيه الذاتي بدون أي وسيلة من وسائل الإكراه. وكذلك أراد عيسى أيضا حينما قال: ( مر 6: 11 وكل من لا يقبلكم ولا يسمع لكم فأخرجوه من هناك …. ).
إني أعرف حوادث عديدة جدًّا لبعض البروتستانت المتحمسين الذين يظنون أنه يجب أن يزوروا بيوت الكاثوليك ليحولوهم إلى مذهبهم، ومثل هذا التعدي الجارح قبيح طبعًا. وقد أدى - في الأكثر - إلى إثارة الأحقاد التي نشأت عنها مشاحنات وجعلت الدين يزدري. وإني ليحزنني أن أرى أن دعاة النصرانية قد سلكوا هذا الطريق عينه مع إخوانهم المسلمين، ولا يمكنني أن أفهم كيف يريدون أن يدعوا إلى النصرانية من هم في الحقيقة أفضل منهم نصرانية ( أو قال: نصارى أفضل منهم ) لم أقل: ( نصارى أفضل منهم ) جزافًا فإن ما في الإسلام من الخير والتسامح وسعة المدارك أقرب إلى ما دعا إليه المسيح من تلك العقائد الضيقة التي أخذت بها فرق النصارى المختلفة.
عقيدة أثناسيوس 1
أذكر مثلا واحدًا وهو عقيدة أثناسيوس التي تشرح الثالوث شرحًا في غاية التعقيد. في هذه العقيدة - وهي كبيرة الأهمية جدًّا وتنص على إحدى العقائد الأساسية للكنائس المسيحية - ترى جليًّا أنها عقيدة الجمهور، وأننا إذا لم نأخذ بها نهلك هلاكًا أبديًّا. ثم يقال لنا إنه: ( يجب علينا أن لا نفكر في الثالوث بغير ذلك ) وبعبارة أخرى: إن الإله الذي نَصِفُه في لحظة بالرحمة والقدرة، نصفه في اللحظة الثانية بالظلم والقسوة، وهو ما نتحامى أن نصف بها أقسى البشر السفاكين، فكأن الله تعالى القديم الذي فوق كل شيء يكون خاضعًا لما يذهب إليه الهالك المسكين (يريد الإنسان ) في أمر الثالوث.
وهاك مثلا آخر من أمثلة بعدهم عن الخير: أتاني كتاب بمناسبة ميلي للإسلام يقول لي فيه كاتبه: إنني إن لم أومن بلاهوت المسيح فلا سبيل لي إلى الخلاص. أما مسألة ألوهية المسيح هذه فلم يظهر لي أنها تقرب في أهميتها من تلك المسألة الأخرى وهي: هل بلغ رسالة ربه للبشر؟ فلو كان عندي الآن أي شك في هذه المسألة الأخيرة لضايقني كثيرًا، ولكني - ولله الحمد - لا أشك فيها، وأرجو أن يكون إيماني بالمسيح - وبما أوحاه الله إليه - ثابتًا كإيمان أي مسلم أو أي نصراني به. وكما قلت من قبل مرارًا إن الإسلام والنصرانية التي أتى بها المسيح نفسه هما توأمان لم يفرق بينهما إلا الأهواء والاصطلاحات التي يحسن أن تنبذ ظهريا في هذه الأيام. يميل الناس إلى الإلحاد حينما يطالبون بالأخذ بعقائد جامدة لا تتحمل التسامح، وإن كانوا ولا شك لفي شوق إلى دين يذعن لحكم العقل كما يذعن الوجدان. من سمع بمسلم انقلب ملحدًا؟ يجوز أن يوجد أحوال قلائل كهذه ولكنني مع ذلك أشك في وجودها كل الشك.
خوف الانتقاد
إني أعتقد أنه يوجد ألوف من الرجال والنساء الذين يدينون بالإسلام في قلوبهم، ولكن مخالفة الإجماع وخوف الانتقاد العدائي والرغبة في اجتناب كل ضيق أو تغيير يحملهم على عدم الجهر بما في قلوبهم، قد سلكت الآن نفس هذا المسلك. على أني أعلم أن كثيرًا من أصدقائي وأقربائي ينظرون إليّ كأي روح ضالة تستحق الدعاء لها، مع أن عقيدتي الآن هي عين عقيدتي منذ عشرين سنة؛ ولكن جهري بها هو الذي أفقدني حسن ظنهم بي؛ لأن الخوف هو السبب في وجود أحوال لا تحصى من الشقاء والشر في هذا العالم، ولو اتبع الناس الصراحة في القول لقل سوء التفاهم بينهم، ولزاد احترامهم، ولنقتبس هنا كلمة المستر ( بلفور ) الحكيمة وهي قوله: ( لا ناصح أضر من الفزع إلا اليأس ) ولكن أفضل أن أقول في هذه الحالة ( هناك ناصح أضر وأشد خطرًا من الشك أو الكفر ألا وهو الخوف ).
وحيث إني قد أتيت هنا بملخص بعض الأسباب التي حملتني على اعتناق الإسلام وقد بينت أني أعتبر نفسي بهذا العمل نصرانيًّا أكمل بكثير مما كنت من قبل، فلذا أرجو أن يقتدي بي غيري في ذلك، فإنه خير لا شك فيه. وفيه السعادة لكل من يرى أن عملي هذا ارتقاء لا يراد به أي عداء للنصرانية الصحيحة. اهـ.
( المنار )
في كلام أخينا اللورد هدلي كلمتان جديرتان بالاعتبار:
( إحداهما ) قوله: إن الإسلام هو النصرانية التي كان عليها ودعا إليها المسيح عليه السلام. وهذا حق فإن دين جميع رسل الله ( عليهم السلام ) واحد في أصوله وجوهره، وإنما كان بيان خاتمهم ( محمد ﷺ ) أتم وأكمل على سنة الارتقاء في الحياة، وقد حفظه الله من التحريف والتبديل والزيادة والنقصان. وقد سبق لحكيمنا الكبير السيد جمال الدين الأفغاني - رحمه الله تعالى كلمة مثل كلمة أخينا اللورد هدلي. ذلك أن سائلا سأله عن سبب الدعوة إلى المذهب النيشري المادي في الهند فقال: إن الذين أرادوا حل رابطة المسلمين في الهند دعوهم أولا إلى النصرانية فلم تنجح دعوتهم لأن الإسلام مسيحية وزيادة، فإنه يقرر الإيمان بالمسيح وبما جاء به من التوحيد والفضائل ويبطل ما زاده النصارى في دينه من الخرافات - أي مع زيادة في المعارف الإلهية والآداب والفضائل والهدي الكامل - فلما خابت هذه الدعوة رأوا أن يشككوكهم في الدين المطلق... إلخ ما قاله، وقد ذكرناه بالمعنى. ولولا العصبيات المذهبية، والأحقاد السياسية، وسوء حال مسلمي هذه الأزمنة وبعدهم عن حقيقة الديانة الإسلامية، وجهل الإفرنج بها وبلغتها العربية، ثم هذا الحجاب الذي أسدلته العلوم والأعمال المادية، ومقت الدين الذي أثارته الخرافات الكنيسية، وما كان قبل من قسوة السلطة البابوية، لكان هؤلاء الإفرنج أجدر الناس في هذا العصر بالإسلام، دين العقل والعلم والحضارة والسلام، الذي كشف ما غشي كتب الأنبياء من الخرافات والأوهام، ورفع امتيازات الأجناس والأصناف والأقوام، ودعا الناس كافة إلى الإخاء والوحدة والاعتصام. ولا بد أن يتجلى حقه لهم بعد أحقاب إن لم يكن بعد أعوام، وقد ظهرت بوادر ذلك بما يكتشفون في هذه الأيام، من غرائب آياته تعالى في الأنفس والعقول والقوى والأجسام، وقد قال في كتابه المجيد: { سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الحَقُّ أَوَ لَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * أَلاَ إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلاَ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ } ( فصلت: 53-54 ).
وأما الكلمة الثانية من كلمتي ( اللورد هدلي ) فهي إخباره بأن كثيرًا من قومه مسلمون، أي قد ظهر لهم نور الإسلام، فانقشعت به ظلمات الأوهام، وتلك الظلمة الوثنية التي غشيت تعليم المسيح النورانية، فعلموا أن دين محمد هو دين المسيح عليهما السلام، ولكنه غير أديان الكنائس المنسوبة إلى المسيح. بيّن أنهم مسلمون في باطنهم ولكنهم يخافون أن يظهروا إسلامهم كما كان يخاف هو مدة عشرين سنة، إنما يخافون أن يحتقرهم قومهم، ويمتعض منهم أهلهم؛ لأن تعصبهم للدين والمذهب شديد جدًّا، وإن خفي هذا عن سفهاء المتفرنجين منّا الذين يزعمون أن جميع الإفرنج مارقون من الدين؛ لأنهم لميلهم إلى الإلحاد لا ينجذبون إلا إلى أهله، وقد يحملون من الكلام عليه ما لا يراد به منه، كما أنهم لافتتانهم بالفسق يظنون أن جميع نساء الإفرنج بغايا، وأنهم لا همّ لهم من حياتهم ولا اشتغال لهم إلا بالشهوات البهيمية، وسبب ذلك أنهم لا يبحثون إلا عن ذلك، ولو كان همّ الذين يذهبون إلى أوربة منهم موجهًا إلى علم من العلوم أو فن من الفنون أو صناعة من الصناعات، لبدا لهم من اهتمام الإفرنج به ما يحملهم على الظن بأنه لا همّ لهم في غيره، على أن في الإفرنج من يهتم بإفساد دين الشرقي لإفساد جامعته التي يعتصم بها.
وهذا وإننا كنا منذ ميزنا وعقلنا نسمع من أهلنا وأصحابنا أن كثيرًا من نصارى بلادنا يوقنون بحقية الإسلام ويتجرؤون على إظهار ذلك لقومهم، ومنهم من يدخل في الإسلام ويؤدي فرائضه كلها أو بعضها في الخفاء، حتى اتفق ذلك لبعض رؤساء الأديار. وأخبرنا والدي - رحمه الله تعالى - أنه عاد فلانًا القائمقام في أحد أقضية جبل لبنان في مرض موته - وكان صديقًا له - فخلا به فأشهده على نفسه أنه مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. وأذكر أنني رأيت ذلك الرجل وكنت طالب علم فسألني عن بعض الأحاديث النبوية وكان يذكر النبي - ﷺ - بتعظيم فوق المعتاد في مجاملة أدباء النصارى للمسلمين فحملت ذلك على المبالغة في المجاملة.
وإنني أعرف أفرادًا من فضلاء النصارى المستقلين يودّون لو كان في البلاد حرية دينية يعذرهم بها أهلهم إذا هم أسلموا، منهم من يود لو كان مسلمًا اعتقادًا منه بأفضلية الإسلام ورجحانه على جميع الأديان، ومنهم من يود ذلك لغرض سياسي اجتماعي وهو التمكن من التأثير في إصلاح بلاده التي يجزم بأنها لا تصلح إلا إذا صلح المسلمون وجاروا الأمم القوية في أسباب العزة والحضارة. وهذا الصنف كثير جدًّا. ولو كان للإسلام حكومة تقيم بنيانه وتنفذ أحكامه، وتحمل الأمة على فضائله، وتظهر للناس حقيقة عدله وسماحته، لرأيت الناس يدخلون فيه أفواجًا، ولكن رؤساء المسلمين هم أشد تنفيرًا عن الإسلام من دعاة الأديان الأخرى ورؤسائها، ومن كل أحد. وما هذه إلا عوارض لا تدوم، إذ وعد الله تعالى بأن يظهره على الدين كله وكان الله قويًّا عزيزًا.
هامش
- ↑ حاشية للمترجم: عاش هذا الرجل بين سنة 296 - 373 م.