مقالات مجلة المنار/الرد على كتاب لورد كرومر
( 3 )
صاحب الحق لا يسكت عنه وإن طال عليه الأمد، وإننا سننشر في المنار بعض ما نكتبه في دفع هجمات اللورد فيما كتبه عن الإسلام ونودع جميع ما نكتبه في مصنف خاص ونعتمد في أقواله على ترجمة المؤيد ( مع تنقيح ما في العبارة ) فنبدأ بعبارته، ثم نقسم القول، ونرد على كل قسم منه بالتفصيل. القسم الثاني
( كلامه في الإسلام والمسلمين )
عدلقال اللورد في سياق الكلام في المقابلة بين الإنكليزي والمصري ما ترجمته:
قلت فيما تقدم: إن التقاليد الدينية هي من جملة الموانع الكائنة بين الإنكليزي والمصري، فإن الإنكليزي على كونه أحد أفراد العائلة الأوربية من جهة التمدّن العمومي. يحاول أكثر من كل أوربي آخر أن يصل إلى أسمى درجات الرقي من التمدن المسيحي، أي: إنه يحاول أن يدخل نظام آداب مسيحي صريح ( في المعاملة) ويجعله قاعدة للعلاقات بين الرجل والآخر. يحمله على ذلك تلك المبادئ القديمة التي جاءته من أسلافه، والدم البيوريتاني الذي لا يزال يجري في عروقه.
ومن الجهة الأخرى نرى المصري متمسكًا كثيرًا بدين الإسلام، وهو التوحيد الشريف الذي ينوب فيه الإيمان إلى درجة قصوى عن الوطنية في البلدان الشرقية، وهو وسيلة للاتحاد العام بين جميع المسلمين من دلهي إلى فارس، ومن الآستانة إلى زنجبار؛ إذ يتحولون للصلاة نحو منبع دينهم وهو قبلتهم.
فما هي القواعد الأساسية لهذا الدين الذي أثر تأثيرًا عظيمًا في الجنس البشري؟ إنها مبينة في القرآن الشريف، وقد شرحها العلماء من جميع الأمم بلغات كثيرة، ولكن عظمتها الأصلية وسهولتها لم يبينا بأكثر بلاغة مما بينها به أتباع النبي الأولين الذين انطرحوا عند قدمي ملك الحبشة المسيحي يطلبون حمايته له من اعتداء عرب قريش؛ إذ قالوا: أيها الملك، كنا قومًا أهلَ جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيفَ، فكنا على ذلك حتى بعث الله لنا رسولا كما بعث الرسل إلى مَن قَبْلَنا، وذلك الرسول منا نعرف نسبَه، وصِدْقَه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله تعالى لِنعبدَه ونوحدَه ونخلعَ ( أي: نترك ) ما كان يعبدُ آباؤنا مِن دونِه مِن الأحجار والأوثان، وأمرنا أن نعبدَ اللهَ وحدَه، أمَرَنَا بالصلاة والزكاة والصيام، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الأرحام، وحسن الجوار، والكَفّ عن المحارم والدماء، ونهانا عن الفواحش، وقول الزور، وأكل مال اليتيم، وقَذْف المحصنة، فصدَّقْناه، وآمنا به، واتبعناه على ما جاء به.
هذه هي قواعد الدين الإسلامي، إن العمل بهذه القواعد قد أفاد مِئات الملايين من الذين اعتنقوا الإسلام - وخصوصًا الفقراء بينهم - عزاء روحيًّا فضلا عن النعم المادية من خيرات هذا العالم وأمل الخلود في العالم الآتي، ولا ريْبَ أن الهيئة الاجتماعية الأصلية تستفيد كثيرًا من اعتناق الدين الإسلامي، وقد قال السير جون سيلي عما عرفه بقوله: ( قوة الدين التي تنشئ الممالك ) ما يأتي:
( أينما وجدت قبيلة بربرية قد رفعت نفسها يومًا ما حتى ارتقت عن حالها الهمجية، ونالت بعض التقدم تجد أنها فعلت ذلك عادة بواسطة اعتناقها الدين الإسلامي ). ا هـ
ولسوء الحظ نرى أن المصلح العربي العظيم الذي قام في القرن السابع ( يريد به محمدا ﷺ ) قد اضطرته دواعي مركزه يومئذ إلى القيام بأكثر من تأسيس دين، إنه حاول أن يوجد نظامًا اجتماعيًّا، فكانت النتائج لهذا النظام هي التي وصفها المستر ستانلي لاين بول - وهو الرجل الذي راقب مراقبةً دقيقةً ما في الإسلام من وجوه القوة والضعف - إذ قال: ( إن الإسلام عظيم من حيث كونه دينًا، وقد علم الناس أن يعبدوا إلهًا واحدًا عبادة طاهرة، وقد كانوا مِن قبلُ يعبدون آلهةً كثيرةً عبادةً غيرَ طاهرة، ولكن الإسلام أخفق إخفاقًا كاملا بصفته نظامًا اجتماعيًّا ).
قال لورد كرومر: إنّ الأسباب التي أوجبتْ فشلَ الإسلام من حيثُ هو نظامٌ اجتماعي متعددة.
( أولها ) وأعظمها مكانةً أن الإسلام يجعل المرأةَ في مركز منحطّ جِدًّا.
( ثانيها ) أن الإسلام بمراعاته التقاليد المحيطة بالقرآن أكثر من القرآن نفسه جمع بين الدين والشرع، فجعلهما جزءًا واحدًا غيرَ قابِل للتفريق أو التغيير، فنتج عن ذلك أن تلاشى من النظام الاجتماعي ما فيه من المرونة. فإن المصري حتّى الآن إذا لجأ إلى الشرع في أمور الوصاية فإن قضيته يحكم بها بمقتضى المبادئ الضيقة، التي وضعت لما يوافق أحوال الهيئة الاجتماعية الأولى في شبه جزيرة العرب في القرن السابع.
ومنذ سنوات قليلة أي: سنة 1890 أوضح مُفتي الديار المصرية الأكبر كيف تعاقب عصابات اللصوص التي يثبت ارتكابها لجريمة الاعتداء بالسلاح ليلا على إحدى القرى، فقال: إنه يمكن أن يعاقب المجرم على سِتّة وُجُوهٍ مختلفة: فإما أن تقطع يده اليمنى ورجله اليسرى، ثم يقطع رأسه، أو يشوه جسمه كما تقدم، ثم يصلب بعد ذلك، أو أن يقطع رأسه فقط، أو أن يصلب فقط، أو أن يقطع رأسه أولا ثم يصلب بَعْدئذ. وأفاض المفتي في تقريره عن كيفية صَلْب المجرم، وهو أن يربط الرجل إلى صليب في شكل معين، ثم يوخز بِحَرْبَة في الجانب الأيسر، وتبقى الحَرْبَة وهي تحز في محل الجرح إلى أن يموت.
ثم إن بعض المسلمين قد عمدوا بنية حسنة إلى تشويه الشرع المقدس؛ إذ أقلقوا خواطرهم في اختراع وسائل يريدون فيها أن يبينوا أن مبادئ القرن السابع الشرعية، ونظامه الاجتماعي يمكن تطبيقها على مجرّبات القرن العشرين المدنية، ولكن العادة المبنية على القانون الديني مؤيدة بالمغالاة في إكرام الشارع الأصلي قد قيدت جميع المتعلقين بالإسلام بقيد من حديد لا سبيلَ إلى النجاة منه. ولقد قيل: ( إن الإنسان عاش في القرون الوسطى ملفوفًا بِقَلَنْسُوَةِ الكاهن ) فالمسلم الصحيح في الأيام الحاضرة ملتف بالشرع أكثر من الْتِفَاف الناس بِالقَلَنْسُوَةِ في القرون الوسطى.
( ثالثها ) أن الإسلام لا يشجّع على الرِّقِّ، ولكنه يتساهل في الاسترقاق، فقد قال السيد ( أمير علي ): ( إن محمدا وجد تلك العادة سارية بين الوثنيين من العرب، فخفض من هذا الشر ) ولكنه عجز عن إلغائِهِ تمامًا، أما أتباعه فقد تناسَوْا عدم تشجيعه، وأجمعوا على إباحة الرق، وجعله عنوانًا لسلوكهم.
ويليق بنا أن نقول في هذا المقام: إن من الأمور التي تُوجب الخجل على المسيحي أنه لم يَكْتَفِ قَبْل الآن بأن يستعبد العبيد بَلِ ارتكب أقبح من ذلك، فكان يتخطفهم، على أن الديانة المسيحية لم توافق مطلقًا على الرق.
وقد اشتهر أخيرًا أن الإسلام دين خالٍ من التسامح، وهي شهرة صحيحة من بعض الوُجُوه، ولكن لا بُدَّ من تحديد وإيضاح لهذه التُّهْمَة العامّة. نعم، إن أتباع النبي شهروا الحرب على الذين اعتبروهم مِن الكافرين، وقد علمهم دينهم أنه يجوز استرقاق غير المؤمن مَتَى أخذوه أسيرًا في الحرب، وزِدْ على ذلك أنّ الخصام الطائفي كان كثيرًا، فقام السُّنِّيُّونَ في وَجْه الشيعيين، واضطهد السنيون الوهابيين بدون شفقة - على أن الخروج عن الإسلام يعاقب عليه بالموت، وقد كان هذا العقاب ينفذ فعلا منذ سنوات غير كثيرة. ونَرَى مِن الجِهَة الأُخْرى أن تواريخ الإسلام لم يشوهها شيء من مثل تاريخ ديوان التفتيش، وزِدْ على ذلك أيضا أن المسلم إذا لم تؤثر في نفسه طوارئ خاصة مثيرة لعواطفه فهو لا يتأخر عن أن يعامل اليهودي والمسيحي بتساهل يَشُوبُهُ شيء من الاحتقار. ففي قُرَى الصعيد لبث الهلال والصليب والجامع والكنيسة جَنْبًا إلى جَنْب سنوات كثيرة.
ومع ذلك نرى الإسلامَ يميل إلى بَثّ رُوح عدم التساهل، وإنماء الحقد والاحتقار لا للمشركين فقط، بل يشرك معهم جميع المؤمنين الذين لا يقولون: إن محمدا هو رسول الله ﷺ.
ثم أخذ يصنف الإسلام؛ فقال: إن المسلم منذ قرونٍ كثيرة ما برح يؤمر أن ينتقم لنفسه مِن أعدائه، وأن يضرب من يضربه عينًا بعين، وسِنًّا بِسِنّ، وعليه تجد أن الإسلام يختلف عن النصرانية في أنه يغرس في العقول أن الانتقام والكره يجب أن يكونا أساسًا للعلاقات بين الرجل والآخر بدلا من المحبة والإحسان.
ثم إن الإسلام يحدث بغضًا خاصًّا للذين لا يقبلون الدين الإسلامي. يقول القرآن: { فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوَهُمْ فَشُدُّوا الوَثَاقَ فَإِمَّا مَنا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ } ( محمد: 4 ) { إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ } ( محمد: 12 ).
وقد علق اللورد على الآيات في ذيل الصحيفة قوله: ومن الجهة الأخرى تجد في سورة البقرة قوله: { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ } ( البقرة: 256 )، فالأقوال المتناقضة الكثيرة وغير المتلائمة الموجودة في القرآن لا يمكن التوفيق بينها، ولعلّ السببَ في ذلك هو أن تعاليم محمد كانت مبنيةً في الأكثر على الحوادث الجارية، وعلى أحوال شخصية في حياته.
نعم، إن محمدا إنما أشار في طعنه على الكافرين بوجه خاصٍّ إلى الوثنيين الذين أقاموا في زمنه في شبه جزيرة العرب، ولكن الذين فسروا القرآن بعد ذلك جعلوا تلك المطاعن موجهة إلى المسيحيين واليهود، وهذا الذي يفهمه الآن جمٌّ غَفِير من المسلمين. أليست كلمة الغازي - وهي أسمى لقب يطمع بإحرازه أي ضابط في جيش السلطان - معناها: مَن يحارب في سبيل الإسلام، والبطل الشجاع الذي يذبح كافرا؟ ألا نجد أن كل عالم ألقى الخُطْبَة في الجامع يستنزل غضب الله على رءوس غير المؤمنين بصراحة واضحة في كل زمان، وبصراحة تزداد كثيرًا عند وجود ظروف تضرم شعلة التعصب؟ ألا يجب أن تعتبر كل بلاد غير إسلامية ( دار حرب )؟ فَمَتَى علمنا أن مثل هذه المبادئ ما برحت تغرس في أذهان المسلمين كل القرون الماضية لا نجد باعثًا على الدهشة من نمو رُوح عدم التساهل فيهم.
ثم قال بعد الامتنان على المصريين بإعطاء الإنكليزي لهم ما لا طيانهم وترقيته لعقولهم وآدابهم:
ومع ذلك فإن المسلم المصري - مع أنه يكره الباشا التركيَّ، ويخافه إلى حد أنه يدرك الفوائد التي أجزلها له الإنكليزي ويعترف بسموّ مداركه وكفاءته - فهو على كل ذلك لا يقدر أن ينسى أن الإنكليزي يلبس على رأسه برنيطة وهو يلبس طربوشًا أو عمامة. ومع أنه يقبل المنافع بمزيد الارتياح، فهو يذكر دائمًا أن اليد التي منحتها ليست يد مسلم، وهذا الأمْر يؤثر في نفسه أكثر من كون الإنكليزي أجنبيًّا عنه. مهما بذل الإنكليزي مِن وسائط التودد والعقل فهو عاجز عن هدم هذا الحاجز الحصين - وهنا نقل اللورد قول المستر بانري: الإسلام هو كل شيء للفلاح، وهو يعتبر غير المؤمنين فئة قليلة حقيرة، ولا يمنعه عن الفتك بهم وإعلان ميزة الإسلام إلا حقيقة مكدرة له هي أنه ليس في الإمكان الفتك بهم الآن.
وليس هذا وحده الحائل بين الفريقين، فانظر إلى البدع الرئيسية، وحوادث العبادة الإلهية المقارنة للإسلام وما يعارضها في النصرانية. وابحث في النتائج التي تلي تحقير المرأة، وقابل بين الشرقي الأسمر والغربي الأبيض في القُوَى العقلية والأدبية والعادات والفنون، وعلم البِنَاء واللغة، والملبس والأذواق، تجد أن الفرق بين الفريقين أبعد مما بين الخافقين. حتى إنك لَتَجِد في أقلّ الأمور شأنًا في أعمال الحياة باعثًا غير محسوس، ولا يعرف سببه من شأنه أن يدفع الشرقي إلى جهة مشاقته للغربي مع اتفاق أحوال الفريقين. فالمسيحي يتعلق بأهداب أمل أن يلقى في السماء أولئك الذين رافقهم في الأرض، وهذا الأمل من جمل مظاهر دينه وأكثرها عزاءً له، وأما اعتقاد المسلم بالخلود فيختلف اختلافًا تامًّا عن اعتقاد المسيحي؛ لأن الحُوريات اللواتي يرجو المسلم نيلهن في الجنة لم يسبق لهن وجود في هذا العالم. والمسيحي يصلي طالبًا الحصول على بعض أمور، أو أن يتمكن من إتمام أغراض معينة، وأما المسلم فهو على العموم يلفظ صلاة مرتبة معينة، ويندر أن يطلب في صلواته طلبًا معينًا.
المسيحي يصلي صلاته اليومية في الخَفَاء، وأما المسلم فإنه يصلي جهارًا بين الناس، وليس لديه شيء من الخَجَل الكاذب دون اعترافه جهارًا أنه معتمد على الله في جميع أعماله وأموره. قال المطْرَان ستانلي بعد أن دَرَسَ الأديان الشرقية: إن الله موجود عند المسلمين وُجُودًا يندر مثله عندنا في وسط العجلة الغربية وما يَشُوبُها من الارتباك.
ومتى صام المسيحي فهو يعمل باعتدال نهارًا وينام ليلا، وأما المسلم فهو في صيامه ينقطع عن الأكل والشرب والتدخين، ولكنه إذا جاء الليل تمتع بكل ذلك بدون ضابط.
ثم إن الديانة المسيحية تنشط الفنون وتستفيد منها، وأما الديانة الإسلامية فإنها تكسر الصور والتماثيل، وهي تحرم الصور وصناعة النقش والنحت إذا كانت تمثل شخصًا حيًّا، وأما الموسيقى فلا يُسْمَعُ لها صوتٌ في جامع.
قد يكون المسيحي نظيفًا بعض الأحيان اعتقادًا منه أن النظافة نافعة لصحته وراحته، وعنده أن النظافة تلي التقوى، ولكنه لا يوجد جامعة بين الأمرين، وأما المسلم فهو نظيف على شكل معين؛ لأن دينه يأمره بذلك.
ثم انظر الآن إلى صفات الفريقين العقلية والأدبية تجد الفَرْق بينهما ظاهرًا.
ثم بَيَّنَ فروقًا أخرى بين المصري والأوربي، والغربي والشرقي تحتمل المناقشة، ولكنه لم يستنبطها من الدين فنتركها له إلا قوله في إنصاف الإسلام:
وعلى ذكر الشرقي وصفاته ورِقَّة قلبه أقول: إن ما يزعج السائح في مصر من معاملة الحيوانات بقساوة لا يزيد على ما يرونه في جنوبي أوربا، ولعلها كما قال ( لاين ) في سنة 1835: ليست غرسًا منتظم النمو، ولكنها ناشئة عن معاشرة الطبقات السافلة من الأوربيين، فإن الدين الإسلامي يوصي بالحيوان خيرًا؛ فقد قال بوسرت سميت: لا يوجد دين اهتم بحياة الحيوان أعظم من اهتمام الدين الإسلامي به؛ فقد وَرَدَ في القرآن: { وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ } ( الأنعام: 38 ).
وكما أنصف في هذه جار وظلم في أخرى بعدها لكن عن سوء فهم لا سوء قصد فقد ذكر قدرة الأوربي على التنظيم وإخضاع الحوادث ومناقشة الرؤساء، ثم قال: فقابل هذه المزايا بما في الشرق من الضعف في التنظيم واعتقاده بالقضاء والقدر الذي يجعله قابلا لما لا بُدَّ منه، وكذلك خضوعه لكل سلطة تتولى أموره.
ثم استشهد على ذلك بمثل حادثة ( مفتحجي ) سكة الحديد التي ذكرناها في أول القسم الأول من الرّدّ عليه. وذكر أيضا أنه سأل شيخ الأزهر: هل يُعلمون الطلبة فيه أن الشمس تدور حول الأرض، أم العكس؟ فأجاب بأنه لا يدري. قال اللورد: وقد منعه أدبه الطبيعي عن التصريح لي برأيه في الكافرين كيلر و كوبرنكوس وتعاليمهما، إلخ. ( للكلام بقية )
هامش