البداية والنهاية/الجزء الثالث/سرية عبيدة بن الحارث
قال ابن إسحاق: وبعث رسول الله ﷺ في مقامه ذلك بالمدينة عبيدة بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي في ستين - أو ثمانين - راكبا من المهاجرين ليس فيهم من الأنصار أحد، فسار حتى بلغ ماءً بالحجاز بأسفل ثنية المرة فلقي بها جمعا عظيما من قريش، فلم يكن بينهم قتال إلا أن سعد بن أبي وقاص قد رمى يومئذٍ بسهم، فكان أول سهم رمي به في سبيل الله في الإسلام ثم انصرف القوم عن القوم، وللمسلمين حامية.
وفر من المشركين إلى المسلمين المقداد بن عمرو البهراني حليف بني زهرة، وعتبة بن غزوان بن جابر المازني حليف بني نوفل بن عبد مناف، وكانا مسلمين ولكنهما خرجا ليتوصلا بالكفار.
قال ابن إسحاق: وكان على المشركين يومئذٍ عكرمة بن أبي جهل.
وروى ابن هشام، عن أبي عمرو بن العلاء، عن أبي عمرو المدني أنه قال: كان عليهم مكرز بن حفص.
قلت: وقد تقدم عن حكاية الواقدي قولان:
أحدهما: أنه مكرز.
والثاني: أنه أبو سفيان صخر بن حرب، وأنه رجح أنه أبو سفيان فالله أعلم.
ثم ذكر ابن إسحاق القصيدة المنسوبة إلى أبي بكر الصديق في هذه السرية التي أولها:
أمن طيف سلمى بالبطاح الدمائث * أرقت وأمر في العشيرة حادث
ترى من لؤي فرقة لا يصدها * عن الكفر تذكير ولا بعث باعث
رسول أتاهم صادق فتكذبوا * عليه وقالوا لست فينا بماكث
إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا * وهروا هرير المحجرات اللواهث
القصيدة إلى آخرها، وذكر جواب عبد الله بن الزبعري في مناقضتها التي أولها:
أمن رسم دار أقفرت بالعثاعث * بكيت بعين دمعها غير لابث
ومن عجيب الأيام - والدهر كله * له عجب - من سابقات وحادث
لجيش أتانا ذي عرام يقوده * عبيدة يدعى في الهياج ابن حارث
لنترك أصناما بمكة عكفا * مواريث موروث كريم لوارث
وذكر تمام القصيدة وما منعنا من إيرادها بتمامها إلا أن الإمام عبد الملك بن هشام (رح) وكان إماما في اللغة ذكر أن أكثر أهل العلم بالشعر ينكر هاتين القصيدتين.
قال ابن إسحاق: وقال سعد بن أبي وقاص في رميته تلك فيما يذكرون:
ألا هل أتى رسول الله أني * حميت صحابتي بصدور نبلي
أذود بها أوائلهم ذيادا * بكل حزونة وبكل سهل
فما يعتد رام في عدو * بسهم يا رسول الله قبلي
وذلك أن دينك دين صدق * وذو حق أتيت به وفضل
ينجى المؤمنون به ويخزى * به الكفار عند مقام مهل
فمهلا قد غويت فلا تعبني * غوي الحي ويحك يا ابن جهل
قال ابن هشام: وأكثر أهل العلم بالشعر ينكرها لسعد.
قال ابن إسحاق: فكانت راية عبيدة - فيما بلغنا - أول راية عقدها رسول الله ﷺ في الإسلام لأحد من المسلمين.
وقد خالفه الزهري وموسى بن عقبة والواقدي فذهبوا إلى أن بعث حمزة قبل بعث عبيدة بن الحارث والله أعلم.
وسيأتي في حديث سعد بن أبي وقاص: أن أول أمراء السرايا عبد الله بن جحش الأسدي.
قال ابن إسحاق: وبعض العلماء يزعم: أن رسول الله ﷺ بعثه حين أقبل من غزوة الأبواء قبل أن يصل إلى المدينة وهكذا حكى موسى بن عقبة عن الزهري.