البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل تشريف المدينة بهجرته عليه السلام
وقد شرفت المدينة أيضا بهجرته عليه السلام إليها وصارت كهفا لأولياء الله وعباده الصالحين، ومعقلا وحصنا منيعا للمسلمين ودار هدى للعالمين.
والأحاديث في فضلها كثيرة جدا لها موضع آخر نوردها فيه إن شاء الله.
وقد ثبت في (الصحيحين) من طريق حبيب بن يساف، عن جعفر بن عاصم، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: «إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها».
ورواه مسلم أيضا عن محمد بن رافع، عن شبابة، عن عاصم بن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، عن أبيه، عن ابن عمر، عن النبي ﷺ نحوه.
وفي (الصحيحين) أيضا من حديث مالك، عن يحيى بن سعيد أنه سمع أبا الحباب سعيد بن يسار: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول الله ﷺ: «أمرت بقرية تأكل القرى، يقول: يثرب، وهي: المدينة، تنقي الناس كما ينقي الكير خبث الحديد» وقد انفرد الإمام مالك عن بقية الأئمة الأربعة بتفضيلها على مكة.
وقد قال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ، أخبرني أبو الوليد، وأبو بكر بن عبد الله، قالا: ثنا الحسن بن سفيان، ثنا أبو موسى الأنصاري، ثنا سعيد بن سعيد، حدثني أخي، عن أبي هريرة أن رسول الله ﷺ قال: «اللهم إنك أخرجتني من أحب البلاد إليَّ فاسكني أحب البلاد إليك».
فأسكنه الله المدينة.
وهذا حديث غريب جدا، والمشهور عن الجمهور: أن مكة أفضل من المدينة إلا المكان الذي ضم جسد رسول الله ﷺ
وقد استدل الجمهور على ذلك بأدلة يطول ذكرها ههنا ومحلها ذكرناها في كتاب (المناسك من الأحكام) إن شاء الله تعالى.
وأشهر دليل لهم في ذلك ما قال الإمام أحمد: حدثنا أبو اليمان، ثنا شعيب، عن الزهري، أخبرنا أبو سلمة بن عبد الرحمن: أن عبد الله بن عدي بن الحمراء أخبره أنه سمع النبي ﷺ وهو واقف بالحزورة في سوق مكة يقول: «والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلي، ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».
وكذا رواه أحمد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبيه، عن صالح بن كيسان، عن الزهري به.
وهكذا رواه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه من حديث الليث، عن عقيل، عن الزهري به.
وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقد رواه يونس، عن الزهري به.
ورواه محمد بن عمرو، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة، وحديث الزهري عندي أصح.
قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق، ثنا معمر، عن الزهري، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة قال: وقف رسول الله ﷺ على الحزورة
فقال: «علمت أنك خير أرض الله وأحب الأرض إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت».
وكذا رواه النسائي من حديث معمر به.
قال الحافظ البيهقي: وهذا وهم من معمر.
وقد رواه بعضهم عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة وهو أيضا وهم، والصحيح: رواية الجماعة.
وقال أحمد أيضا: حدثنا إبراهيم بن خالد، ثنا رباح، عن معمر، عن محمد بن مسلم بن شهاب الزهري، عن أبي سلمة، عن بعضهم أن رسول الله ﷺ قال وهو في سوق الحزورة: «والله إنك لخير أرض الله وأحب الأرض إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت».
ورواه الطبراني، عن أحمد بن خليد الحلبي، عن الحميدي، عن الدراوردي، عن ابن أخي الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن عبد الله بن عدي بن الحمراء به.
فهذه طرق هذا الحديث، وأصحها ما تقدم والله أعلم.