البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل تتابع الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام
قال ابن إسحاق: ثم تتابع الوحي إلى رسول الله ﷺ وهو مؤمن بالله مصدق بما جاءه منه، قد قبله بقبوله وتحمل منه ما حمله - على رضا العباد وسخطهم - وللنبوة أثقال ومؤنة، لا يحملها ولا يستضلع بها إلا أهل القوة، والعزم من الرسل، بعون الله وتوفيقه لما يلقون من الناس، وما يرد عليهم مما جاؤوا به عن الله عز وجل.
فمضى رسول الله ﷺ على ما أمر الله على ما يلقى من قومه من الخلاف، والأذى.
قال ابن إسحاق: وآمنت خديجة بنت خويلد، وصدقت بما جاءه من الله ووازرته على أمره، وكانت أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء منه، فخفف الله بذلك عن رسوله ﷺ لا يسمع شيئا يكرهه من ردٍ عليه، وتكذيب له، فيحزنه ذلك إلا فرج الله عنه بها إذا رجع إليها تثبته، وتخفف عنه، وتصدقه، وتهون عليه أمر الناس، رضي الله عنها وأرضاها.
قال ابن إسحاق: وحدثني هشام بن عروة، عن أبيه، عن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه.
قال: قال رسول الله ﷺ: «أمرت أن أبشر خديجة ببيت من قصب، لا صخب فيه ولا نضب».
وهذا الحديث مخرج في (الصحيحين) من حديث هشام.
قال ابن هشام: القصب هاهنا: اللؤلؤ المجوف..
قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله ﷺ يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة؛ سرا إلى من يطمئن إليه من أهله.
وقال موسى بن عقبة، عن الزهري: كانت خديجة أول من آمن بالله وصدق رسوله، قبل أن تفرض الصلاة.
قلت: يعني الصلوات الخمس ليلة الإسراء.
فأما أصل الصلاة فقد وجب في حياة خديجة رضي الله عنها كما سنبينه.
وقال ابن إسحاق: وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدق بما جاء به.
ثم أن جبريل أتى رسول الله ﷺ وهو بأعلى مكة حين افترضت عليه الصلاة.
فهمز له بعقبه في ناحية الوادي، فانفجرت له عين من ماء زمزم، فتوضأ جبريل ومحمد عليهما السلام، ثم صلى ركعتين وسجد أربع سجدات، ثم رجع النبي ﷺ وقد أقرَّ الله عينه، وطابت نفسه، وجاءه ما يحب من الله.
فأخذ يد خديجة حتى أتى بها إلى العين، فتوضأ كما توضأ جبريل، ثم ركع ركعتين وأربع سجدات، ثم كان هو وخديجة يصليان سرا.
قلت: صلاة جبريل هذه غير الصلاة التي صلاها به عند البيت مرتين، فبين له أوقات الصلوات الخمس، أولها وآخرها، فإن ذلك كان بعد فرضيتها ليلة الإسراء، وسيأتي بيان ذلك إن شاء الله وبه الثقة، وعليه التكلان..