البداية والنهاية/الجزء الثالث/فصل فيما أصاب المهاجرين من حمى المدينة



فصل فيما أصاب المهاجرين من حمى المدينة


قال البخاري: حدثنا عبد الله بن وهب بن يوسف، ثنا مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة أنها قالت: لما قدم رسول الله المدينة وعك أبو بكر وبلال، قالت: فدخلت عليهما فقلت: يا أبه كيف تجدك؟ويا بلال كيف تجدك؟

قالت: وكان أبو بكر إذا أخذته الحمى يقول:

كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله

وكان بلال إذا أقلع عنه الحمى يرفع عقيرته ويقول:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بواد وحولي اذخر وجليل

وهل أرِدن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل

قالت عائشة: فجئت رسول الله فأخبرته فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد وصححها وبارك لنا في صاعها ومدها، وانقل حماها فاجعلها بالجحفة».

ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة، عن هشام مختصرا.

وفي رواية البخاري له عن أبي أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة فذكره وزاد بعد شعر بلال ثم يقول: اللهم العن عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأمية بن خلف كما أخرجونا من أرضنا إلى أرض الوباء.

فقال رسول الله : «اللهم حبب إلينا المدينة كحبنا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعها وفي مدها وصححها لنا وانقل حماها إلى الجحفة».

قالت: وقدمنا المدينة وهي أوبأ أرض الله وكان بطحان يجري نجلا، - يعني: ماء آجنا -.

وقال زياد عن محمد بن إسحاق حدثني هشام بن عروة وعمر بن عبد الله بن عروة بن الزبير، عن عروة بن الزبير، عن عائشة قالت: لما قدم رسول الله المدينة قدمها وهي أوبأ أرض الله من الحمى، فأصاب أصحابه منها بلاء وسقم، وصرف الله ذلك عن نبيه.

قالت: فكان أبو بكر وعامر بن فهيرة وبلال موليا أبى بكر في بيت واحد، فأصابتهم الحمى، فدخلت عليهم أعودهم وذلك قبل أن يضرب علينا الحجاب، وبهم ما لا يعلمه إلا الله من شدة الوعك فدنوت من أبي بكر فقلت له: كيف تجدك يا أبه؟

فقال:

كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله

قالت: فقلت: والله ما يدرى أبي ما يقول، قالت: ثم دنوت إلى عامر بن فهيرة فقلت له: كيف تجدك يا عامر؟

قال:

لقد وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه

كل امرئ مجاهد بطوقه * كالثور يحمي جلده بروقه

قال: فقلت: والله ما يدري ما يقول.

قالت: وكان بلال إذا أدركته الحمى اضطجع بفناء البيت ثم رفع عقيرته فقال:

ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل

وهل أرِدَّن يوما مياه مجنة * وهل يبدون لي شامة وطفيل

قالت عائشة: فذكرت لرسول الله ما سمعت منهم وقلت: إنهم ليهذون وما يعقلون من شدة الحمى.

فقال: «اللهم حبب إلينا المدينة، كما حببت إلينا مكة أو أشد، وبارك لنا في مدها وصاعها، وانقل وباءها إلى مهيعة» ومهيعة: هي الجحفة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يونس، ثنا ليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي بكر بن إسحاق بن يسار، عن عبد الله بن عروة، عن عروة، عن عائشة قالت: لما قدم رسول الله المدينة اشتكى أبو بكر وعامر بن فهيرة مولى أبي بكر وبلال، فاستأذنت عائشة رسول الله في عيادتهم فأذن لها، فقالت لأبي بكر: كيف تجدك؟

فقال:

كل امرئ مصبح في أهله * والموت أدنى من شراك نعله

وسألت عامرا فقال:

إني وجدت الموت قبل ذوقه * إن الجبان حتفه من فوقه

وسألت بلالا فقال:

يا ليت شعري هل أبيتن ليلة * بفخ وحولي إذخر وجليل

فأتت رسول الله فأخبرته، فنظر إلى السماء وقال: «اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت إلينا مكة أو أشد، اللهم بارك لنا في صاعها وفي مدها، وانقل وباءها إلى مهيعة».

وهي الجحفة فيما زعموا.

وكذا رواه النسائي عن قتيبة عن الليث به، ورواه الإمام أحمد من طريق عبد الرحمن بن الحارث عنها مثله.

وقال البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله الحافظ وأبو سعيد بن أبي عمرو.

قالا: ثنا أبو العباس الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، ثنا يونس بن بكير، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة قالت: قدم رسول الله المدينة وهي أوبأ أرض الله، وواديها بطحان نجل يجري عليه الأثل.

قال هشام: وكان وباؤها معروفا في الجاهلية، وكان إذا كان الوادي وبيئا فأشرف عليها الإنسان قيل له: أن ينهق نهيق الحمار، فإذا فعل ذلك لم يضره وباء ذلك الوادي.

وقد قال الشاعر حين أشرف على المدينة:

لعمري لئن عبرت من خيفة الردى * نهيق الحمار إنني لجزوع

وروى البخاري من حديث موسى بن عقبة: عن سالم بن عبد الله، عن أبيه أن النبي قال: «رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي - الجحفة فأولتها أن وباء المدينة نقل إلى مهيعة وهي الجحفة -» هذا لفظ البخاري، ولم يخرجه مسلم، ورواه الترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه من حديث موسى بن عقبة.

وقد روى حماد بن زيد عن هشام بن عروة، عن عائشة قالت: قدم رسول الله المدينة وهي وبيئة، فذكر الحديث بطوله إلى قوله «وانقل حماها إلى الجحفة».

قال هشام: فكان المولود يولد بالجحفة فلا يبلغ الحلم حتى تصرعه الحمى.

ورواه البيهقي في (دلائل النبوة).

وقال يونس عن ابن إسحاق: قدم رسول الله المدينة وهي وبيئة.

فأصاب أصحابه بها بلاء وسقم حتى أجهدهم ذلك، وصرف الله ذلك عن نبيه وقد ثبت في (الصحيحين) عن ابن عباس قال: قدم رسول الله وأصحابه صبيحة رابعة - يعني: مكة - عام عمرة القضاء.

فقال المشركون: إنه يقدم عليكم وفد قد وهنهم حمى يثرب، فأمرهم رسول الله أن يرملوا الأشواط الثلاثة، وأن يمشوا ما بين الركنين، ولم يمنعه أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم.

قلت: وعمرة القضاء كانت في سنة سبع في ذي القعدة فأما أن يكون تأخر دعاؤه عليه السلام بنقل الوباء إلى قريب من ذلك، أو أنه رفع وبقي آثار منه قليل.

أو أنهم بقوا في خمار وما كان أصابهم من ذلك إلى تلك المدة والله أعلم.

وقال زياد: عن ابن إسحاق، وذكر ابن شهاب الزهري، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن رسول الله لما قدم المدينة هو وأصحابه أصابتهم حمى المدينة حتى جهدوا مرضا، وصرف الله ذلك عن نبيه حتى كانوا وما يصلون إلا وهم قعود.

قال: فخرج رسول الله وهم يصلون كذلك فقال لهم: «اعلموا أن صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم».

فتجشم المسلمون القيام على ما بهم من الضعف والسقم التماس الفضل.

البداية والنهاية - الجزء الثالث
باب كيفية بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | عمره صلى الله عليه وسلم وقت بعثته وتاريخها | فصل حزن النبي صلى الله عليه وسلم عندما فترعنه الوحي | فصل في منع الجان ومردة الشياطين من استراق السمع حين أنزل القرآن | فصل في كيفية إتيان الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل ولا تعجل بالقرآن من قبل أن يقضى إليك وحيه | فصل تتابع الوحي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل أول من أسلم من متقدمي الإسلام والصحابة وغيرهم | إسلام حمزة بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم | ذكر إسلام أبي ذر رضي الله عنه | ذكر إسلام ضماد | باب الأمر بابلاغ الرسالة | قصة الأراشي | فصل أشد ما صنعه المشركون برسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تأليب الملأ من قريش على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه | فصل في مبالغتهم في الأذية لآحاد المسلمين المستضعفين | فصل اعتراض المشركين على رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل تعذيب قريش للمسلمين لاتباعهم النبي عليه الصلاة والسلام | باب مجادلة النبي صلى الله عليه وسلم الكفار وإقامة الحجة الدامغة عليهم | باب هجرة أصحاب رسول الله من مكة إلى أرض الحبشة | فصل كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى النجاشي | فصل ذكر مخالفة قبائل قريش بني هاشم وعبد المطلب في نصر رسول الله | المستهزئون بالنبي صلى الله عليه وسلم وما ظهر فيهم | عزم الصديق على الهجرة إلى الحبشة | فصل تعليق على القصص | فصل ذكر عداوة قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتنفير أحياء العرب والقادمين إلى مكة | قصة أعشى بن قيس | قصة مصارعة ركانة وكيف أراه صلى الله عليه وسلم الشجرة التي دعاها فأقبلت | فصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم على قريش حين استعصت عليه | فصل قصة فارس والروم | فصل الإسراء برسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى بيت المقدس | فصل نزول فرضية الصلاة صبيحة الإسراء | فصل في انشقاق القمر في زمان النبي صلى الله عليه وسلم | فصل في وفاة أبي طالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل موت خديجة بنت خويلد | فصل في تزويجه صلى الله عليه وسلم بعد خديجة رضي الله عنها بعائشة بنت الصديق وسودة بنت زمعة رضي الله عنهما | فصل اجتراء قريش على رسول الله بعد وفاة عمه أبي طالب | فصل في ذهابه صلى الله عليه وسلم إلى أهل الطائف يدعوهم إلى دين الله | فصل سماع الجن لقراءة رسول الله عليه الصلاة والسلام | فصل في عرض رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه الكريمة على أحياء العرب | فصل قدوم وفد الأنصار لمبايعة رسول الله عليه الصلاة والسلام | حديث سويد بن صامت الأنصاري | إسلام إياس بن معاذ | باب بدء إسلام الأنصار رضي الله عنهم | قصة بيعة العقبة الثانية | فصل إظهار الأنصار إسلامهم بعد بيعة العقبة الثانية | فصل يتضمن أسماء من شهد بيعة العقبة الثانية ثلاثة وسبعون رجلا وامرأتان | باب الهجرة من مكة إلى المدينة | فصل في سبب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة | باب هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة من مكة إلى المدينة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه | قصة أم معبد الخزاعية | فصل في دخوله عليه السلام المدينة وأين استقر منزله بها | فصل تشريف المدينة بهجرته عليه السلام | وقائع السنة الأولى من الهجرة | فصل تأسيس مسجد قباء | فصل في إسلام عبد الله بن سلام | فصل خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | ذكر خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ | فصل في بناء مسجده الشريف ومقامه بدار أبي أيوب | تنبيه على فضل هذا المسجد الشريف | فصل بناء الحجرات لرسول الله حول مسجده الشريف | فصل فيما أصاب المهاجرين من حمى المدينة | فصل في عقده عليه السلام الألفة بين المهاجرين والأنصار بالكتاب | دستور المدينة | فصل في مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم بين المهاجرين والأنصار | فصل في موت أبي أمامة أسعد بن زرارة | فصل في ميلاد عبد الله بن الزبير في شوال سنة الهجرة | فصل بناؤه صلى الله عليه وسلم بعائشة | فصل الزيادة في صلاة الحضر في السنة الأولى من الهجرة | فصل في الأذان ومشروعيته | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه | فصل في سرية عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب | فصل في سرية سعد بن أبي وقاص إلى الخرار | فصل ميلاد عبد الله بن الزبير وهو أول مولود ولد في الإسلام | من توفي في السنة الأولى من الصحابة | ذكر ما وقع في السنة الثانية من الهجرة | كتاب المغازي | فصل كفر بعض المنافقين من الأوس والخزرج بعد إسلامهم | فصل في إسلام بعض أحبار يهود نفاقا | أول المغازي وهي غزوة الأبواء أو غزوة ودان | سرية عبيدة بن الحارث | فصل في سرية حمزة بن عبد المطلب | غزوة بواط من ناحية رضوى | غزوة العشيرة | غزوة بدر الأولى | باب سرية عبد الله بن جحش | فصل في تحويل القبلة في سنة ثنتين من الهجرة قبل وقعة بدر | فصل في فريضة شهر رمضان سنة ثنتين قبل وقعة بدر | غزوة بدر العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان | مقتل أبي البختري بن هشام | فصل في مقتل أمية بن خلف | مقتل أبي جهل لعنه الله | ردُّه عليه السلام عين قتادة | فصل قصة أخرى شبيهة بها | طرح رؤوس الكفر في بئر يوم بدر | فصل اختلاف الصحابة في الأسارى على قولين | فصل عدد القتلى والأسرى من المشركين يوم بدر سبعون | فصل اختلاف الصحابة يوم بدر في المغانم لمن تكون | فصل رجوع النبي عليه السلام من بدر إلى المدينة | مقتل النضر بن الحارث وعقبة بن أبي معيط لعنهما الله | ذكر فرح النجاشي بوقعة بدر رضي الله عنه | وصول خبر مصاب أهل بدر إلى أهاليهم بمكة | بعث قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فداء أسراهم | فصل نزول سورة الأنفال في بدر | فصل تسمية من شهد بدرا من المسلمين | أسماء أهل بدر مرتبة على حروف المعجم وأوله حرف الألف | حرف الباء | حرف التاء | حرف الثاء | حرف الجيم | حرف الحاء | حرف الخاء | حرف الذال | حرف الراء | حرف الزاي | حرف السين | حرف الشين | حرف الصاد | حرف الضاد | حرف الطاء | حرف الظاء | حرف العين | حرف الغين | حرف الفاء | حرف القاف | حرف الكاف | حرف الميم | حرف النون | حرف الهاء | حرف الواو | حرف الياء | باب الكنى | فصل عدد الذين شهدوا بدرا ثلثمائة وأربعة عشر رجلا | فصل في فضل من شهد بدرا من المسلمين | قدوم زينب بنت الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة | ما قيل من الأشعار في بدر العظمى | فصل رثاء المشركين قتلاهم يوم بدر | غزوة بني سليم في سنة ثنتين من الهجرة | فصل في غزوة السويق | فصل في دخول علي بن أبي طالب على زوجته فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم | فصل جمل من الحوادث سنة ثنتين من الهجرة