البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة



ثم دخلت سنة إحدى عشرة وسبعمائة


استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها غير الوزير بمصر فإنه عزل وتولى سيف الدين بكتمر وزيرا، والنجم البصراوي عزل أيضا بعز الدين القلانسي، وقد انتقل الأفرم إلى نيابة طرابلس بإشارة ابن تيمية على السلطان بذلك، ونائب حماة الملك المؤيد عماد الدين على قاعدة أسلافه، وقد مات نائب حلب استدمر وهي شاغرة عن نائب فيها، وأرغون الدوادار الناصري قد وصل إلى دمشق لتسفير قراسنقر منها إلى حلب وإحضار سيف الدين كراي إلى نيابة دمشق. وغالب العساكر بحلب والأعراب محدقة بأطراف البلاد، فخرج قراسنقر المنصوري من دمشق في ثالث المحرم في جميع حواصله وحاشيته وأتباعه، وخرج الجيش لتوديعه، وسار معه أرغون لتقريره بحلب وجاء المرسوم إلى نائب القلعة الأمير سيف الدين بهادر السنجري أن يتكلم في أمور دمشق إلى أن يأتيه نائب، فحضر عنده الوزير والموقعون وباشر النيابة. وقويت شوكته وقويت شوكة الوزير إلى أن ولي ولايات عديدة منها لابن أخيه عماد الدين نظر الأسرار، واستمر في يده، وقدم نائب السلطنة سيف الدين كراي المنصوري إلى دمشق نائبا عليها.

وفي يوم الخميس الحادي عشرين من المحرم خرج الناس لتلقيه وأوقدوا الشموع، وأعيدت مقصورة الخطابة إلى مكانها رابع عشرين المحرم، وانفرج الناس ولبس النجم البصراوي خلعة الإمرة يوم الخميس ثالث عشر صفر على قاعدة الوزراء بالطرحة، وركب مع المقدمين الكبار وهو أمير عشرة بأقطاع يضاهي إقطاع كبر الطبلخانات.

وفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول جلس القضاة الأربعة بالجامع لإنفاذ أمر الشهود بسبب تزوير وقع من بعضهم، فاطلع عليه نائب السلطنة فغضب وأمر بذلك، فلم يكن منه كبير شيء، ولم يتغير حال.

وفي هذا اليوم ولي الشريف نقيب الأشراف أمين الدين جعفر بن محمد بن محيي الدين عدنان نظر الدواودين عوضا عن شهاب الدين الواسطي، وأعيد تقي الدين بن الزكي إلى مشيخة الشيوخ.

وفيه ولي ابن جماعة تدريس الناصرية بالقاهرة، وضياء الدين النسائي تدريس الشافعي، والميعاد العام بجامع طولون، ونظر الأحباس أيضا.

وولي الوزارة بمصر أمين الملك أبو سعيد عوضا عن سيف الدين بكتمر الحاجب في ربيع الآخر.

وفي هذا الشهر احتيط على الوزير عز الدين ابن القلانسي بدمشق، ورسم عليه مدة شهرين، وكان نائب السلطنة كثير الحنق عليه، ثم أفرج عنه وأعيد بدر الدين بن جماعة إلى الحكم بديار مصر في حادي عشر ربيع الآخر، مع تدريس دار الحديث الكاملية، وجامع طولون والصالحية والناصرية، وجعل له إقبال كثير من السلطان.

واستقر جمال الدين الزرعي على قضاء العسكر وتدريس جامع الحاكم، ورسم له أن يجلس مع القضاة بين الحنفي والحنبلي بدار العدل عند السلطان.

وفي مستهل جمادى الأولى أشهد القاضي نجم الدين الدمشقي نائب ابن صصرى على نفسه بالحكم ببطلان البيع في الملك الذي اشتراه ابن القلانسي من تركة المنصوري في الرمثا والثوجة والفصالية لكونه بدون ثمن المثل، ونفذه بقية الحكام.

وأحضر ابن القلانسي إلى دار السعادة وادّعى عليه بريع ذلك، ورسم عليه بها، ثم حكم قاضي القضاة تقي الدين الحنبلي بصحة هذا البيع وبنقض ما حكم به الدمشقي، ثم نفذ بقية الحكام ما حكم به الحنبلي.

وفي هذا الشهر قرر على أهل دمشق ألف وخمسمائة فارس لكل فارس خمسمائة درهم، وضربت على الأملاك والأوقاف، فتألم الناس من ذلك تألما عظيما وسعى إلى الخطيب جلال الدين فسعى إلى القضاة واجتمع الناس بكرة يوم الاثنين ثالث عشر الشهر، واحتفلوا بالاجتماع، وأخرجوا معهم المصحف العثماني والأثر النبوي والسناجق الخليفية، ووقفوا في الموكب فلما رآهم كراي تغيظ عليهم وشتم القاضي والخطيب، وضرب مجد الدين التونسي ورسم عليهم ثم أطلقهم بضمان وكفالة، فتألم الناس من ذلك كثيرا، فلم يمهله الله إلا عشرة أيام فجاءة الأمر فجأة فعزل وحبس، ففرح الناس بذلك فرحا شديدا، ويقال إن الشيخ تقي الدين بلغه ذلك الخبر عن أهل الشام فأخبر السلطان بذلك فبعث من فوره فمسكه شر مسكة، وصفة مسكه أن تقدم الأمير سيف الدين أرغون الدوادار فنزل في القصر، فلما كان يوم الخميس الثالث والعشرين من جمادى الأولى خلع على الأمير سيف الدين كراي خلعة سنية، فلبسها وقبل العتبة، وحضر الموكب ومد السماط، فقيد بحضرة الأمراء وحمل على البريد إلى الكرك صحبة غرلو العادلي، وبيبرس المجنون.

وخرج عز الدين القلانسي من الترسيم من دار السعادة، فصلى في الجامع الظهر ثم عاد إلى داره وقد أوقدت له الشموع ودعا له الناس، ثم رجع إلى دار الحديث الأشرفية فجلس فيها نحوا من عشرين يوما، حتى قدم الأمير جمال الدين نائب الكرك.

وفي هذا الشهر مسك نائب صفت الأمير سيف الدين بكتمر أمير خزندار، وعوض عنه بالكرك بيبرس الدوادار المنصوري، ومسك نائب غزة، وعوض عنه بالجاولي، فاجتمع في حبس الكرك استدمر نائب حلب، وبكتمر نائب مصر، وكراي نائب دمشق، وقطلوبك نائب صفت، وقلطنمز نائب غزة وبنحاص.

وقدم جمال الدين آقوش المنصوري الذي كان نائب الكرك على نيابة دمشق إليها في يوم الأربعاء رابع عشر ربيع الآخر، وتلقاه الناس وأشعلت له الشموع، وفي صحبته الخطيري لتقريره في النيابة، وقد باشر نيابة الكرك من سنة تسعين وستمائة إلى سنة تسع وسبعمائة وله بها آثار حسنة، وخرج عز الدين بن القلانسي لتلقي النائب.

وقرئ يوم الجمعة كتاب السلطان على السدة بحضرة النائب والقضاة والأعيان، وفيه الأمر بالإحسان إلى الرعية وإطلاق البواقي التي كانت قد فرضت عليهم أيام كراي، فكثرت الأدعية للسلطان وفرح الناس.

وفي يوم الاثنين التاسع عشر خلع على الأمير سيف الدين بهادراص بنيابة صفت فقبل العتبة وسار إليها يوم الثلاثاء.

وفيه لبس الصدر بدر الدين بن أبي الفوارس خلعة نظر الدواوين بدمشق، مشاركا للشريف ابن عدنان وبعد ذلك بيومين قدم تقليد عز الدين بن القلانسي وكالة السلطان على ما كان عليه، وأنه أعفي عن الوزارة لكراهته لذلك.

وفي رجب باشر ابن السلعوس نظر الأوقاف عوضا عن شمس الدين عدنان.

وفي شعبان ركب نائب السلطنة بنفسه إلى أبواب السجون فأطلق المحبوسين بنفسه، فتضاعفت له الأدعية في الأسواق وغيرها.

وفي هذا اليوم قدم الصاحب عز الدين بن القلانسي من مصر فاجتمع بالنائب وخلع عليه ومعه كتاب يتضمن احترامه وإكرامه واستمراره على وكالة السلطان، ونظر الخاص والإنكار لما ثبت عليه بدمشق، وأن السلطان لم يعلم بذلك ولا وكل فيه، وكان المساعد له على ذلك كريم الدين ناظر الخاص السلطاني، والأمير سيف الدين أرغون الدوادار.

وفي شعبان منع ابن صصرى الشهود والعقاد من جهته، وامتنع غيرهم أيضا وردهم المالكي.

وفي رمضان جاء البريد بتولية زين الدين كتبغا المنصوري حجوبية الحجاب، والأمير بدر الدين ملتوبات القرماني شد الدواوين عوضا عن طوغان، وخلع عليهما معا.

وفيها: ركب بهادر السنجري نائب قلعة دمشق على البريد إلى مصر وتولاها سيف الدين بلبان البدري، ثم عاد السنجري في آخر النهار على نيابة البيرة، فسار إليها وجاء الخبر بأنه قد احتيط على جماعة من قصاد المسلمين ببغداد، فقتل منهم ابن العقاب وابن البدر، وخلص عبيدة وجاء سالما.

وخرج المحمل في شوال وأمير الحاج الأمير علاء الدين طيبغا أخو بهادراص.

وفي آخر ذي القعدة جاء الخبر بأن الأمير قراسنقر رجع من طريق الحجاز بعد أن وصل إلى بركة زيرا، وأنه لحق بمهنا بن عيسى فاستجار به خائفا على نفسه ومعه جماعة من خواصه، ثم سار من هناك إلى التتر بعد ذلك كله، وصحبه الأفرم والزردكش.

وفي العشرين من ذي القعدة وصل الأمير سيف الدين أرغون في خمسة آلاف إلى دمشق وتوجهوا إلى ناحية حمص، وتلك النواحي.

وفي سابع ذي الحجة وصل الشيخ كمال الدين بن الشريشي من مصر مستمرا على وكالته ومع توقيع بقضاء العسكر الشامي، وخلع عليه في يوم عرفة.

وفي هذا اليوم وصلت ثلاثة آلاف عليهم سيف الدين ملي من الديار المصرية فتوجهوا وراء أصحابهم إلى البلاد الشمالية.

وفي آخر الشهر وصل شهاب الدين الكاشنغري من القاهرة ومعه توقيع بمشيخة الشيوخ، فنزل في الخانقاه وباشرها بحضرة القضاة والأعيان، وانفصل ابن الزكي عنها.

وفيه باشر الصدر علاء الدين بن تاج الدين بن الأثير كتابة السر بمصر، وعزل عنها شرف الدين بن فضل الله، إلى كتابة السر بدمشق عوضا عن أخيه محيي الدين، واستمر محيي الدين على كتابة الدست بمعلوم أيضا والله أعلم.

من الأعيان:

الشيخ الرئيس بدر الدين

محمد بن رئيس الأطباء أبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن طرخان الأنصاري، من سلالة سعد بن معاذ السويدي، من سويداء حوران، سمع الحديث وبرع في الطب، توفي في ربيع الأول ببستانه بقرب الشبلية، ودفن في تربة له في قبة فيها عن ستين سنة.

الشيخ شعبان بن أبي بكر بن عمر الأربلي

شيخ الحلبية بجامع بني أمية، كان صالحا مباركا فيه خير كثير، كان كثير العبادة وإيجاد الراحة للفقراء، وكانت جنازته حافلة جدا، صلّي عليه بالجامع بعد ظهر يوم السبت تاسع عشرين رجب ودفن بالصوفية وله سبع وثمانون سنة، وروى شيئا من الحديث، وخرجت له مشيخة حضرها الأكابر رحمه الله.

الشيخ ناصر الدين يحيى بن إبراهيم

ابن محمد بن عبد العزيز العثماني، خادم المصحف العثماني نحوا من ثلاثين سنة، وصلّي عليه بعد الجمعة سابع رمضان ودفن بالصوفية، وكان لنائب السلطنة الأفرم فيه اعتقاد ووصله منه افتقاد، وبلغ خمسا وستين سنة.

الشيخ الصالح الجليل القدوة أبو عبد الله محمد بن الشيخ القدوة إبراهيم

بن الشيخ عبد الله الأموي، توفي في العشرين من رمضان بسفح قاسيون، وحضر الأمراء والقضاة والصدور جنازته وصلّي عليه بالجامع المظفري، ثم دفن عند والده وغلق يومئذ سوق الصالحية له، وكانت له وجاهة عند الناس وشفاعة مقبولة، وكان عنده فضيلة وفيه تودد، وجمع أجزاء في أخبار جيدة، وسمع الحديث وقارب السبعين رحمه الله.

ابن الوحيد الكاتب

هو الصدر شرف الدين أبو عبد الله محمد بن شريف بن يوسف الزرعي المعروف بابن الوحيد، كان موقعا بالقاهرة وله معرفة بالإنشاء وبلغ الغاية في الكتابة في زمانه، وانتفع الناس به، وكان فاضلا مقداما شجاعا، توفي بالمرستان المنصوري بمصر سادس عشر شوال.

الأمير ناصر الدين

محمد بن عماد الدين حسن بن النسائي أحد أمراء الطبلخانات، وهو حاكم البندق، ولي ذلك بعد سيف دين بلبان، توفي في العشرين الأخر من رمضان.

التميمي الداري

توفي يوم عيد الفطر ودفن بالقرافة الصغرى، وقد ولي الوزارة بمصر، وكان خبيرا كافيا، مات معزولا، وقد سمع الحديث وسمع عليه بعض الطلبة.

وفي ذي القعدة جاء الخبر إلى دمشق بوفاة الأمير الكبير استدمر وبنخاص في السجن بقلعة الكرك.

القاضي الإمام العلامة الحافظ سعد الدين مسعود الحارثي الحنبلي

الحاكم بمصر، سمع الحديث وجمع وخرج وصنف، وكانت له يد طولى في هذه الصناعة والأسانيد والمتون، وشرح قطعة من سنن أبي داود فأجاد وأفاد، وحسن الإسناد رحمه الله تعالى، والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767