البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة



ثم دخلت سنة ست وثلاثين وسبعمائة


استهلت بيوم الجمعة والحكام هم المذكورون في التي قبلها.

وفي أول يوم منها ركب تنكز إلى قلعة جعبر ومعه الجيش والمناجنيق فغابوا شهرا وخمسة أيام وعادوا سالمين.

وفي ثامن صفر فتحت الخانقاه التي أنشأها سيف الدين قوصون الناصري خارج باب القرافة، وتولى مشيختها الشيخ شمس الدين الأصبهاني المتكلم.

وفي عاشر صفر خرج ابن جملة من السجن بالقلعة وجاءت الأخبار بموت ملك التتار أبي سعيد بن خربندا بن أرغون بن أبغا بن هولاكو بن تولى بن جنكيز خان، في يوم الخميس ثاني عشر ربيع الآخر بدار السلطنة بقراباغ، وهي منزلهم في الشتاء، ثم نقل إلى تربته بمدينته التي أنشأها قريبا من السلطانية مدينة أبيه، وقد كان من خيار ملوك التتار وأحسنهم طريقة وأثبتهم على السنة وأقومهم بها.

وقد عز أهل السنة بزمانه وذلت الرافضة، بخلاف دولة أبيه، ثم من بعده لم يقم للتتار قائمة، بل اختلفوا فتفرقوا شذر مذر إلى زماننا هذا، وكان القائم من بعده بالأمر ارتكاوون من ذرية أبغا، ولم يستمر له الأمر إلا قليلا.

وفي يوم الأربعاء عاشر جمادى الأولى درّس بالناصرية الجوانية بدر الدين الأردبيلي عوضا عن كمال الدين بن الشيرازي توفي، وحضر عنده القضاة.

وفيه: درّس بالظاهرية البرانية الشيخ الإمام المقري سيف الدين أبو بكر الحريري عوضا عن بدر الدين الأردبيلي، تركها لما حصلت له الناصرية الجوانية، وبعده بيوم درس بالنجيبية كاتبه إسماعيل بن كثير عوضا عن الشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني تركها حين تعين له تدريس الظاهرية الجوانية.

وحضر عنده القضاة والأعيان كان درسا حافلا أثنى عليه الحاضرون وتعجبوا من جمعه وترتيبه، وكان ذلك في تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: 28] وانساق الكلام إلى مسألة ربا الفضل.

وفي يوم الأحد رابع عشره ذكر الدرس بالظاهرية المذكورة ابن قاضي الزبداني عوضا عن علاء الدين بن القلانسي توفي، وحضر عنده القضاة والأعيان، وكان يوما مطيرا.

وفي أول جمادى الآخرة وقع غلاء شديد بديار مصر واشتد ذلك إلى شهر رمضان، وتوجه خلق كثير في رجب إلى مكة نحوا من ألفين وخمسمائة، منهم عز الدين بن جماعة، وفخر الدين النويري وحسن السلامي، وأبو الفتح السلامي، وخلق.

وفي رجب كملت عمارة جسر باب الفرج وعمل عليه باشورة ورسم باستمرار فتحه إلى بعد العشاء الآخرة كبقية سائر الأبواب، وكان قبل ذلك يغلق من المغرب.

وفي سلخ رجب أقيمت الجمعة بالجامع الذي أنشأه نجم الدين بن خيلخان تجاه باب كيسان من القبلة، وخطب فيه الشيخ الإمام العلامة شمس الدين ابن قيم الجوزية.

وفي ثاني شعبان باشر كتابة السر بدمشق القاضي علم الدين محمد بن قطب الدين أحمد بن مفضل، عوضا عن كمال الدين ابن الأثير، عزل وراح إلى مصر.

وفي يوم الأربعاء رابع رمضان ذكر الدرس بالأمينية الشيخ بهاء الدين ابن إمام المشهد عوضا عن علاء الدين بن القلانسي.

وفي العشرين منه خلع على الصدر نجم الدين بن أبي الطيب بنظر الخزانة مضافا إلى ما بيده من وكالة بيت المال، بعد وفاة ابن القلانسي بشهور.

وخرج الركب الشامي يوم الاثنين ثامن شوال وأميره قطلودمر الخليلي.

وممن حج فيه: قاضي طرابلس محيي الدين بن جهبل، والفخر المصري، وابن قاضي الزبداني، وابن العز الحنفي، وابن غانم، والسخاوي، وابن قيم الجوزية، وناصر الدين بن البربوه الحنفي، وجاءت الأخبار بوقعة جرت بين التتار قتل فيها خلق كثير منهم، وانتصر على باشا وسلطانه الذي كان قد أقامه، وهو موسى كاوون على ارباكاوون وأصحابه، فقتل هو ووزيره ابن رشيد الدولة، وجرت خطوب كثيرة طويلة، وضربت البشائر بدمشق.

وفي ذي القعدة خلع على ناظر الجامع الشيخ عز الدين بن المنجا بسب إكماله البطائن في الرواق الشمالي والغربي والشرقي، ولم يكن قبل ذلك له بطائن.

وفي يوم الأربعاء سابع الحجة ذكر الدرس بالشبلية القاضي نجم الدين ابن قاضي القضاة عماد الدين الطرسوسي الحنفي، وهو ابن سبع عشرة سنة، وحضر عنده القضاة والأعيان، وشكروا من فضله ونباهته، وفرحوا لأبيه فيه.

وفيها: عزل ابن النقيب عن قضاء حلب ووليها ابن خطيب جبرين، وولي الحسبة بالقاهرة ضياء الدين يوسف بن أبي بكر بن محمد خطيب بيت الأبار، خلع عليه السلطان.

وفي ذي القعدة رسم السلطان باعتقال الخليفة المستكفي وأهله، وأن يمنعوا من الاجتماع، فآل أمرهم كما كان أيام الظاهر والمنصور.

من الأعيان:

السلطان أبو سعيد ابن خربندا

وكان آخر من اجتمع شمل التتار عليه، ثم تفرقوا من بعده.

الشيخ البندنيجي

شمس الدين علي بن محمد بن ممدود بن عيسى البندنيجي الصوفي، قدم علينا من بغداد شيخنا كبيرا راويا لأشياء كثيرة، فيها (صحيح مسلم) و(الترمذي) وغير ذلك، وعنده فوائد، ولد سنة أربع وأربعين وستمائة، وكان والده محدثا فأسمعه أشياء كثيرة على مشايخ عدة، وكان موته بدمشق رابع المحرم.

قاضي قضاة بغداد قطب الدين أبو الفضائل

محمد بن عمر بن الفضل التبريزي الشافعي المعروف بالأحوس، سمع شيئا من الحديث واشتغل بالفقه والأصول والمنطق والعربية والمعاني والبيان، وكان بارعا في فنون كثيرة ودرّس بالمستنصرية بعد العاقولي، وفي مدارس كبار، وكان حسن الخلق كثير الخير على الفقراء والضعفاء، متواضعا يكتب حسنا أيضا، توفي في آخر المحرم ودفن بتربة له عند داره ببغداد رحمه الله.

الأمير صارم الدين إبراهيم

بن محمد بن أبي القاسم بن أبي الزهر، المعروف بالمغزال، كانت له مطالعة وعنده شيء من التاريخ، ويحاضر جيدا، ولما توفي يوم الجمعة وقت الصلاة السادس والعشرين من المحرم دفن بتربة له عند حمام العديم.

الأمير علاء الدين مغلطاي الخازن

نائب القلعة وصاحب التربة تجاه الجامع المظفري من الغرب، كان رجلا جيدا، له أوقاف وبر وصدقات، توفي يوم الجمعة بكرة عاشر صفر، ودفن بتربته المذكورة.

القاضي كمال الدين

أحمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن هبة الله بن الشيرازي الدمشقي، ولد سنة سبعين، وسمع الحديث وتفقه على الشيخ تاج الدين الفزاري، والشيخ زين الدين الفارقي، وحفظ مختصر (المزني) ودرّس في وقت بالبادرائية، وفي وقت بالشامية البرانية.

ثم ولي تدريس الناصرية الجوانية مدة سنين إلى حين وفاته، وكان صدرا كبيرا، ذكر لقضاء قضاة دمشق غير مرة، وكان حسن المباشرة والشكل، توفي في ثالث صفر ودفن بتربتهم بسفح قاسيون رحمه الله.

الأمير ناصر الدين

محمد بن الملك المسعود جلال الدين عبد الله بن الملك الصالح إسماعيل بن العادل، كان شيخا مسنا قد اعتنى (بصحيح البخاري) يختصره، وله فهم جيد ولديه فضيلة، وكان يسكن المزة وبها توفي ليلة السبت خامس عشرين صفر، وله أربع وسبعون سنة، ودفن بتربتهم بالمزة رحمه الله.

علاء الدين علي بن شرف الدين

محمد بن القلانسي قاضي العسكر ووكيل بيت المال، وموقع الدست، ومدرّس الأمينية والظاهرية وغير ذلك من المناصب، ثم سلبها كلها سوى التدريسين، وبقي معزولا إلى حين أن توفي بكرة السبت خامس وعشرين صفر، ودفن بتربتهم.

عز الدين أحمد بن الشيخ زين الدين

محمد بن أحمد بن محمود العقيلي، ويعرف بابن القلانسي، محتسب دمشق وناظر الخزانة، كان محمود المباشرة، ثم عزل الحسبة واستمر بالخزانة إلى أن توفي يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى ودفن بقاسيون.

الشيخ علي بن أبي المجد بن شرف بن أحمد الحمصي

ثم الدمشقي مؤذن البربوة خمسا وأربعين سنة، وله ديوان شعر وتعاليق وأشياء كثيرة مما ينكر أمرها، وكان محلولا في دينه، توفي جمادى الأولى أيضا.

الأمير شهاب الدين بن برق

متولي دمشق، شهد جنازته خلق كثير، توفي ثاني شعبان ودفن بالصالحية وأثنى عليه الناس.

الأمير فخر الدين ابن الشمس لؤلؤ

متولي البر، كان مشكورا أيضا، توفي رابع شعبان، وكان شيخا كبيرا، توفي ببستانه ببيت لهيا ودفن بتربته هناك وترك ذرية كثيرة رحمه الله.

عماد الدين إسماعيل ابن شرف الدين

محمد بن الوزير فتح الدين عبد الله بن محمد بن أحمد بن خالد بن صغير بن القيسراني.

أحد كتاب الدست، وكان من خيار الناس محببا إلى الفقراء والصالحين، وفيه مروءة كثيرة، وكتب بمصر ثم صار إلى حلب كاتب سرها، ثم انتقل إلى دمشق فأقام بها إلى أن مات ليلة الأحد ثالث عشر القعدة، وصلّي عليه من الغد بجامع دمشق، ودفن بالصوفية عن خمس وستين سنة، وقد سمع شيئا من الحديث على الأبرقوهي وغيره.

وفي ذي القعدة توفي شهاب الدين ابن القديسة المحدث بطريق الحجاز الشريف.

وفي ذي الحجة توفي الشمس محمد المؤذن المعروف بالنجار ويعرف بالبتي، وكان يتكلم وينشد في المحافل والله سبحانه أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767