البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة



ثم دخلت سنة ثمان وخمسين وسبعمائة


استهلت هذه السنة والخليفة أمير المؤمنين المعتضد بالله أبو بكر بن المستكفي بالله أبي الربيع سليمان العباسي، وسلطان الإسلام بالديار المصرية وما يتبعها وبالبلاد الشامية وما والاها والحرمين الشريفين وغير ذلك الملك الناصر حسن بن الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون الصالحي ولي له بمصر نائب ولا وزير.

وإنما ترجع الأمور إصدارا وإيرادا إلى الأميرين الكبيرين سيف الدين شيخون وصرغتمش الناصريين، وقضاة مصرهم المذكورون في التي قبلها، ونائب الشام بدمشق الأمير علاء الدين أمير علي المارداني، وقضاة دمشق هم المذكورون في التي قبلها انتهى.

كائنة غريبة جدا

لما كان يوم الأربعاء الرابع والعشرين من رجب من هذه السنة نهدت جماعة من مجاوري الجامع بدمشق من مشهد علي وغيره، واتبعهم جماعة من الفقراء والمغاربة، وجاؤوا إلى أماكن متهمة بالخمر وبيع الحشيش فكسروا أشياء كثيرة من أواني الخمر، وأراقوا ما فيها وأتلفوا شيئا كثيرا من الحشيش وغيره، ثم انتقلوا إلى حكر السماق وغيرهم فثار عليهم من البارذارية والكلابرية وغيرهم من الرعاع فتناوشوا.

وضربت عليهم ضرابات بالأيدي وغيرهم، وربما سل بعض الفساق السيوف عليهم كما ذكر، وقد رسم ملك الأمراء لوالي المدينة ووالي البر أن يكونوا عضدا لهم وعونا على الخمارين والحشاشة، فنصروهم عليهم.

غير أنه كثر معهم الضجيج ونصبوا راية واجتمع عليهم خلق كثير، ولما كان في أواخر النهار تقدم جماعة من النقباء والخزاندارية ومعهم جنازير فأخذوا جماعة من مجاوري الجامع وضربوا بالمقارع وطيف بهم في البلد ونادوا عليهم: هذا جزاء من يتعرض لما لا يعنيه تحت علم السلطان.

فتعجب الناس من ذلك وأنكروه حتى أنه أنكر اثنان من العامة على المنادية فضرب بعض الجند أحدهم بدبوس فقتله وضرب الآخر فيقال إنه مات أيضا فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وفي شعبان من هذه السنة حكي عن جارية من عتيقات الأمير سيف الدين تمر المهمندار أنها حملت قريبا من سبعين يوما ثم شرعت تطرح ما في بطنها فوضعت في قرب من أربعين يوما في أيام متتالية ومتفرقة أربع عشرة بنتا وصبيا بعدهن قل من يعرف شكل الذكر من الأنثى.

وجاء الخبر بأن الأمير سيف الدين شيخون مدبر الممالك بالديار المصرية والشامية ظفر عليه مملوك من مماليك السلطان فضربه بالسيف ضربات فجرحه في أماكن في جسده.

منها: ما هو في وجهه، ومنها: ما هو في يده، فحمل إلى منزله صريعا طريحا جريحا، وغضب لذلك طوائف من الأمراء حتى قيل إنهم ركبوا ودعوا إلى المبارزة فلم يجيء إليهم وعظم الخطب بذلك جدا واتهمو به الأمير سيف الدين صرغتمش وغيره، وأن هذا إنما فعل عن ممالأة منهم فالله أعلم.

وفاة أرغون الكاملي باني البيمارستان بحلب

كانت وفاته بالقدس الشريف في يوم الخميس السادس والعشرين من شوال من هذه السنة، ودفن بتربة أنشأها غربي المسجد بشماله، وقد ناب بدمشق مدة بعد حلب، ثم جرت الكائنة التي أصلها بيبغا قبحه الله في أيامه، ثم صار إلى نيابة حلب ثم سجن بالإسكندرية مدة، ثم أفرج عنه فأقام بالقدس الشريف إلى أن كانت وفاته كما ذكرنا في التاريخ المذكور عزّره الشريف ابن زريك، والله أعلم.

وفاة الأمير شيخون

ورد الخبر من الديار المصرية بوفاة الأمير شيخون ليلة الجمعة السادس والعشرين من ذي القعدة ودفن من الغد بتربته، وقد ابتنى مدرسة هائلة وجعل فيها المذاهب الأربعة ودار للحديث وخانقاه للصوفية، ووقف عليها شيئا كثيرا، وقرر فيها معاليم وقراءة دارة، وترك أموالا جزيلة وحواصل كثيرة ودواوين في سائر البلاد المصرية والشامية، وخلّف بنات وزوجة، وورث البقية أولاد السلطان المذكور بالولاء، ومسك بعد وفاته أمراء كثيرون بمصر كانوا من حزبه، من أشهرهم عز الدين بقطاي والدوادار وابن قوصون وأمه أخت السلطان خلف عليها شيخون بعد قوصون انتهى والله أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767