البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة



ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وسبعمائة


استهلت وحكام البلاد هم المذكورون في التي قبلها.

وفي أول يوم منها فتح حمام الزيت الذي في رأس درب الحجر، جدد عمارته رجل ساوي بعد ما كان قد درس ودثر من زمان الخوارزمية من نحو ثمانين سنة، وهو حمام جيد متسع.

وفي سادس المحرم وصلت هدية من ملك التتار أبي سعيد إلى السلطان صناديق وتحف ودقيق.

وفي يوم عاشوراء خرج الشيخ تقي الدين بن تيمية من القلعة بمرسوم السلطان وتوجه إلى داره، وكانت مدة إقامته خمسة أشهر وثمانية عشر يوما رحمه الله.

وفي رابع ربيع الآخر وصل إلى دمشق القاضي كريم الدين وكيل السلطان فنزل بدار السعادة وقدم قاضي القضاة تقي الدين بن عوض الحاكم الحنبلي بمصر وهو ناظر الخزانة أيضا، فنزل بالعادلية الكبيرة التي للشافعية، فأقام بها أياما، ثم توجه إلى مصر: جاء في بعض أشغال السلطان وزار القدس.

وفي هذا الشهر كان السلطان قد حفر بركة قريبا من الميدان وكان في جوارها كنيسة فأمر الوالي بهدمها، فلما هدمت تسلط الحرافيش وغيرهم على الكنائس بمصر يهدمون ما قدروا، عليه فانزعج السلطان لذلك وسأل القضاة ماذا يجب على من تعاطى ذلك منهم؟ فقالوا: يعزر.

فأخرج جماعة من السجون ممن وجب عليه قتل فقطع وصلب وحرم وحزن وعاقب، موهما أنه إنما عاقب من تعاطي تخريب ذلك، فسكن الناس وأمنت النصارى وظهروا بعد ما كانوا قد اختفوا أياما.

وفيه: ثارت الحرامية ببغداد ونهبوا سوق الثلاثاء وقت الظهر، فثار الناس وراءهم وقتلوا منهم قريبا من مائة وأسروا آخرين.

قال الشيخ علم الدين البرزالي ومن خطه نقلت: وفي يوم الأربعاء السادس من جمادى الأولى خرج القضاة والأعيان والمفتيون إلى القابون ووقفوا على قبلة الجامع الذي أمر ببنائه القاضي كريم الدين وكيل السلطان بالمكان المذكور، وحرروا قبلته واتفقوا على أن تكون مثل قبلة جامع دمشق.

وفيه: وقعت مراجعة من الأمير جوبان أحد المقدمين الكبار، بدمشق، وبين نائب السلطنة تنكز، فمسك جوبان ورفع إلى القلعة ليلتان، ثم حول إلى القاهرة فعوتب في ذلك، ثم أعطي خبزا يليق به.

وذكر علم الدين أن في هذا اليوم وقع حريق عظيم في القاهرة في الدور الحسنة والأماكن المليحة المرتفعة، وبعض المساجد، وحصل للناس مشقة عظيمة من ذلك، وقنتوا في الصلوات ثم كشفوا عن القضية فإذا هو من قبل النصارى بسبب ما كان أحرق من كنائسهم وهدم، فقتل السلطان بعضهم وألزم النصارى أن يلبسوا الزرقاء على رؤوسهم وثيابهم كلها، وأن يحملوا الأجراس في الحمامات، وأن لا يستخدموا في شيء من الجهات، فسكن الأمر وبطل الحريق.

وفي جمادى الآخرة خرب ملك التتار أبو سعيد البازار وزوج الخواطىء وأراق الخمور وعاقب في ذلك أشد العقوبة، وفرح المسلمون بذلك ودعوا له رحمه الله وسامحه.

وفي الثالث عشر من جمادى الآخرة أقيمت الجمعة بجامع القصب، وخطب به الشيخ علي المناخلي.

وفي يوم الخميس تاسع عشر جمادى الآخرة فتح الحمام الذي أنشأه تنكز تجاه جامعه، وأكري في كل يوم بأربعين درهما لحسنه وكثرة ضوئه ورخامه.

وفي يوم السبت تاسع عشر رجب خربت كنيسة القرائيين التي تجاه حارة اليهود بعد إثبات كونها محدثة وجاءت المراسيم السلطانية بذلك.

وفي أواخر رجب نفذت الهدايا من السلطان إلى أبي سعيد ملك التتار، صحبة الخواجا مجد الدين السلامي، وفيها خمسون جملا وخيول وحمار عتابي.

وفي منتصف رمضان أقيمت الجمعة بالجامع الكريمي بالقابون وشهدها يومئذ القضاة والصاحب وجماعة من الأعيان.

قال الشيخ علم الدين: وقدم دمشق الشيخ قوام الدين أمير كاتب ابن الأمير العميد عمر الأكفاني القازاني، مدرّس مشهد الإمام أبي حنيفة ببغداد، في أول رمضان، وقد حج في هذه السنة وتوجه إلى مصر وأقام بها أشهرا ثم مر بدمشق متوجها إلى بغداد فنزل بالخاتونية الحنفية، وهو ذو فنون وبحث وأدب وفقه.

وخرج الركب الشامي يوم الاثنين عاشر شوال وأميره شمس الدين حمزة التركماني، وقاضيه نجم الدين الدمشقي.

وفيها: حج تنكز نائب الشام وفي صحبته جماعة من أهله، وقدم من مصر الأمير ركن الدين بيبرس الحاجب لينوب عنه إلى أن يرجع، فنزل بالنجيبية البرانية.

وممن حج فيها: الخطيب جلال الدين القزويني، وعز الدين حمزة بن القلانسي، وابن العز شمس الدين الحنفي، وجلال الدين بن حسام الدين الحنفي، وبهاء الدين بن علية، وعلم الدين البرزالي ودرّس ابن جماعة بزاوية الشافعي يوم الأربعاء ثامن عشر شوال عوضا عن شهاب الدين أحمد بن محمد الأنصاري لسوء تصرفه، وخلع على ابن جماعة، وحضر عنده من الأعيان والعامة ما نشأ به جمعية الجمعة وأشعلت له شموع كثيرة وفرح الناس بزوال المعزول.

قال البرزالي، ومن خطه نقلت: وفي يوم الأحد سادس عشر شوال ذكر الدرس الإمام العلامة تقي الدين السبكي المحدث بالمدرسة الهكارية عوضا عن ابن الأنصاري أيضا، وحضر عنده جماعة منهم القونوي، وروى في الدرس حديث المتبايعين بالخيار، عن قاضي القضاة ابن جماعة.

وفي شوال عزل علاء الدين بن معبد عن ولاية البر وشد الأوقاف، وتولى ولاية الولاة بالبلاد القبلية بحوران عوضا عن بكتمر لسفره إلى الحجاز، وباشر أخوه بدر الدين شد الأوقاف، والأمير علم الدين الطرقشي ولاية البر مع شد الدواوين، وتوجه ابن الأنصاري إلى حلب متوليا وكالة بيت المال عوضا عن ناصر الدين أخي شرف الدين يعقوب ناظر حلب، بحكم ولاية التاج المذكور نظر الكرك.

وفي يوم عيد الفطر كرب الأمير تمرتاش بن جوبان نائب أبي سعيد على بلاد الروم في قيسارية في جيش كثيف من التتار والتركمان والقرمان، ودخل بلاد سيس فقتل وسبى وحرق وخرب، وكان قد أرسل لنائب حلب الطنبغا ليجهز له جيوشا ليكونون عونا له على ذلك، فلم يمكنه ذلك بغير مرسوم السلطان.

من الأعيان:

الشيخ الصالح المقري بقية السلف:

عفيف الدين أبو محمد عبد الله بن عبد الحق بن عبد الله بن عبد الواحد بن علي القرشي المخزومي الدلاصي

شيخ الحرم بمكة، أقام فيه أزيد من ستين سنة، يقرئ الناس القرآن احتسابا، وكانت وفاته ليلة الجمعة الرابع عشر من محرم بمكة، وله أزيد من تسعين سنة رحمه الله.

الشيخ الفاضل شمس الدين أبو عبد الله

محمد بن أبي بكر بن أبي القاسم الهمداني، أبوه الصالحي المعروف بالسكاكيني، ولد سنة خمس وثلاثين وستمائة بالصالحية، وقرأ بالروايات، واشتغل في مقدمة في النحو، ونظم قويا وسمع الحديث، وخرج له الفخر ابن البعلبكي جزءا عن شيوخه، ثم دخل في التشيع فقرأ على أبي صالح الحلي شيخ الشيعة، وصحب عدنان وقرأ عليه أولاده، وطلبه أمير المدينة النبوية الأمير منصور بن حماد فأقام عنده نحوا من سبع سنين. ثم عاد إلى دمشق وقد ضعف وثقل سمعه، وله سؤال في الخبر أجابه به الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكل فيه عنه غيره، وظهر له بعد موته كتاب فيه انتصار لليهود وأهل الأديان الفاسدة فغسله تقي الدين السبكي لما قدم دمشق قاضيا، وكان بخطه، ولما مات لم يشهد جنازته القاضي شمس الدين بن مسلم. توفي يوم الجمعة سادس عشر صفر، ودفن بسفح قاسيون، وقتل ابنه قيماز على قذفه أمهات المؤمنين عائشة وغيرها رضي الله عنهن وقبح قاذفهن.

وفي يوم الجمعة مستهل رمضان صلّي بدمشق على غائبين وهم الشيخ نجم الدين عبد الله بن محمد الأصبهاني، توفي بمكة، وعلى جماعة توفوا بالمدينة النبوية منهم عبد الله بن أبي القاسم بن فرحون مدرس المالكية بها، والشيخ يحيى الكردي، والشيخ حسن المغربي السقا.

الشيخ الإمام العالم علاء الدين

علي بن سعيد بن سالم الأنصاري، إمام مشهد علي من جامع دمشق، كان بشوش الوجه متواضعا حسن الصوت بالقراءة ملازما لإقراء الكتاب العزيز بالجامع، وكان يؤم نائب السلطنة ولده العلامة، بهاء الدين محمد بن علي مدرس الأمينية، ومحتسب دمشق.

توفي ليلة الاثنين رابع رمضان ودفن بسفح قاسيون.

الأمير حاجب الحجاب:

زين الدين كتبغا المنصوري

حاجب دمشق، كان من خيار الأمراء وأكثرهم برا للفقراء، يحب الختم والمواعيد والمواليد وسماع الحديث، ويلزم أهله ويحسن إليهم، وكان ملازما لشيخنا أبي العباس ابن تيمية كثيرا، وكان يحج ويتصدق، توفي يوم الجمعة آخر النهار ثامن عشر شوال، ودفن من الغد بتربته قبلي القبيبات، وشهده خلق كثير وأثنوا عليه رحمه الله.

والشيخ بهاء الدين بن المقدسي والشيخ سعد الدين أبي زكريا يحيى المقدسي، والد الشيخ شمس الدين محمد بن سعد المحدث المشهور.

وسيف الدين الناسخ المنادي على الكتب، والشيخ أحمد الحرام المقرئ على الجنائز، وكان يكرر على التنبيه، ويسأل عن أشياء منا ما هو حسن ومنها ما ليس بحسن.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767