البداية والنهاية/الجزء الرابع عشر/ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة



ثم دخلت سنة ثمان وسبعمائة


استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها، والشيخ تقي الدين قد أخرج من الحبس، والناس قد عكفوا عليه زيارة وتعلما واستفتاء وغير ذلك.

وفي مستهل ربيع الأول أفرج عن الأمير نجم الدين خضر بن الملك الظاهر، فأخرج من البرج وسكن دار الأفرم بالقاهرة، ثم كانت وفاته في خامس رجب من هذه السنة.

وفي أواخر جمادى الأولى تولى نظر ديوان ملك الأمراء زين الدين الشريف بن عدنان عوضا عن ابن الزملكاني، ثم أضيف إليه نظر الجامع أيضا عوضا عن ابن الخطيري، وتولى نجم الدين بن الدمشقي نظر الأيتام عوضا عن نجم الدين بن هلال.

وفي رمضان عزل الصاحب أمين الدين الرفاقي عن نظر الدواوين بدمشق وسافر إلى مصر.

وفيها: عزل كمال الدين بن الشريشي نفسه عن وكالة بيت المال، وصمم على الاستمرار على العزل وعرض عليه العود فلم يقبل، وحملت إليه الخلعة لما خلع على المباشرين فلم يلبسها، واستمر معزولا إلى يوم عاشوراء من السنة الآتية، فجدد تقليده وخلع عليه في الدولة الجديدة.

وفيها: خرج الملك الناصر محمد بن قلاوون من الديار المصرية قاصدا الحج، وذلك في السادس والعشرين من رمضان، وخرج معه جماعة من الأمراء لتوديعه فردهم، ولما اجتاز بالكرك عدل إليها فنصب له الجسر.

فلما توسطه كسر به فسلم من كان أمامه وقفز به الفرس فسلم، وسقط من كان وراءه وكانوا خمسين فمات منهم أربعة وتهشم أكثرهم في الوادي الذي تحت الجسر، وبقي نائب الكرك الأمير جمال الدين آقوش خجلا يتوهم أن يكون هذا يظنه السلطان عن قصد، وكان قد عمل للسلطان ضيافة عزم عليها أربعة عشر ألفا فلم يقع الموقع لاشتغال السلطان بهم وما جرى له ولأصحابه ثم خلع على النائب وأذن له في الانصراف إلى مصر فسافر، واشتغل السلطان بتدبير المملكة في الكرك وحدها.

وكان يحضر دار العدل ويباشر الأمور بنفسه، وقدمت عليه زوجته من مصر، فذكرت له ما كانوا فيه من ضيق الحال وقلة النفقات.

ذكر سلطنة الملك المظفر ركن الدين بيبرس الجاشنكير بشيخ المنبجي عدو ابن تيمية

لما استقر الملك الناصر بالكرك وعزم على الإقامة بها كتب كتابا إلى الديار المصرية يتضمن عزل نفسه عن المملكة، فأثبت ذلك على القضاة بمصر، ثم نفذ على قضاة الشام وبويع الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير في السلطنة في الثالث والعشرين من شوال يوم السبت بعد العصر، بدار الأمير سيف الدين سلار، اجتمع بها أعيان الدولة من الأمراء وغيرهم وبايعوه وخاطبوه بالملك المظفر، وركب إلى القلعة ومشوا بين يديه، وجلس على سرير الملكة بالقلعة. ودقت البشائر وسارت البريدية بذلك إلى سائر البلدان.

وفي مستهل ذي القعدة وصل الأمير عز الدين البغدادي إلى دمشق، فاجتمع بنائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان بالقصر الأبلق فقرأ عليهم كتاب الناصر إلى أهل مصر، وأنه قد نزل عن الملك وأعرض عنه، فأثبته القضاة وامتنع الحنبلي من إثباته وقال: ليس أحد يترك الملك مختارا، ولولا أنه مضطهد ما تركه، فعزل وأقيم غيره، واستحلفهم للسلطان الملك المظفر، وكتبت العلامة على القلعة، وألقابه على محال المملكة.

ودقت البشائر وزينت البلد، ولما قرئ كتاب الملك الناصر على الأمراء بالقصر، وفيه: إني قد صحبت الناس عشر سنين ثم اخترت المقام بالكرك، تباكى جماعة من الأمراء وبايعوا كالمكرهين، وتولى مكان الأمير ركن الدين بيبرس الجاشنكير الأمير سيف الدين بن علي، ومكان ترعكي سيف الدين بنخاص، ومكان بنخاص الأمير جمال الدين آقوش الذي كان نائب الكرك.

وخطب للمظفر يوم الجمعة على المنابر بدمشق وغيرها، وحضر نائب السلطنة الأفرم والقضاة، وجاءت الخلع وتقليد نائب السلطنة في تاسع عشر ذي القعدة، وقرأ تقليد النائب كاتب السر القاضي محيي الدين بن فضل الله بالقصر بحضرة الأمراء، وعليهم الخلع كلهم.

وركب المظفر بالخلعة السوداء الخليفية، والعمامة المدورة والدولة بين يديه عليهم الخلع يوم السبت سابع ذي القعدة، والصاحب ضياء الدين النساي حامل تقليد السلطان من جهة الخليفة في كيس أطلس أسود، وأوله: إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم، ويقال إنه خلع في القاهرة قريب ألف خلعة ومائتي خلعة، وكان يوما مشهودا، وفرح بنفسه أياما يسيرة، وكذا شيخه المنبجي، ثم أزال الله عنهما نعمته سريعا.

وفيها: خطب ابن جماعة بالقلعة وباشر الشيخ علاء الدين القونوي تدريس الشريفية.

من الأعيان:

الشيخ الصالح عثمان الحلبوني

أصله من صعيد مصر، فأقام مدة بقرية حلبون وغيرها من تلك الناحية، ومكث مدة لا يأكل الخبز، واجتمع عليه جماعة من المريدين وتوفي بقرية برارة في أواخر المحرم، ودفن بها وحضر جنازته نائب الشام والقضاة وجماعة من الأعيان.

الشيخ الصالح

أبو الحسن علي بن محمد بن كثير الحراني الحنبلي إمام مسجد عطية، ويعرف بابن المقري روى الحديث وكان فقيها بمدارس الحنابلة.

ولد بحران سنة أربع وثلاثين وستمائة، وتوفي بدمشق في العشر الأخير من رمضان، ودفن بسفح قاسيون، وتوفي قبله الشيخ زين الدين الحراني بغزة، وعمل عزاؤه بدمشق رحمهما الله.

السيد الشريف زين الدين

أبو علي الحسن بن محمد بن عدنان الحسيني نقيب الأشراف، كان فاضلا بارعا فصيحا متكلما، يعرف طريقة الاعتزال ويباحث الإمامية، ويناظر على ذلك بحضرة القضاة وغيرهم، وقد باشر قبل وفاته بقليل نظر الجامع ونظر ديوان الأفرم، توفي يوم الخامس من ذي القعدة عن خمس وخمسين سنة، ودفن بتربتهم بباب الصغير.

الشيخ الجليل ظهير الدين

أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن أبي الفضل بن منعة البغدادي، شيخ الحرم الشريف بمكة بعد عمه عفيف الدين منصور بن منعة، وقد سمع الحديث وأقام ببغداد مدة طويلة، ثم سار إلى مكة، بعد وفاة عمه، فتولى مشيخة الحرم إلى أن توفي.

البداية والنهاية - الجزء الرابع عشر
698 | 699 | 700 | 701 | 702 | 703 | 704 | 705 | 706 | 707 | 708 | 709 | 710 | 711 | 712 | 713 | 714 | 715 | 716 | 717 | 718 | 719 | 720 | 721 | 722 | 723 | 724 | 725 | 726 | 727 | 728 | 729 | 730 | 731 | 732 | 733 | 734 | 735 | 736 | 737 | 738 | 739 | 740 | 741 | 742 | 743 | 744 | 745 | 746 | 747 | 748 | 749 | 750 | 751 | 752 | 753 | 754 | 755 | 756 | 757 | 758 | 759 | 760 | 761 | 762 | 763 | 764 | 765 | 766 | 767