الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الطمأنينة
و الطمأنينة إلى صفات الرب تعالى وصفاته نوعان: طمأنينة إلى الإيمان بها وإثباتها واعتقادها. وطمأنينة إلى ما تقتضيه وتوجيه من آثار المعبودية، مثاله الطمأنينة إلى القدر وإثباته والإيمان به يقتضي الطمأنينة إلى مواضع الأقدار التي لم يؤمر العبد بدفعها ولا قدرة له على دفعها فيسلم لها ويرضى بها ولا يسخط ولا يشكو ولا يضطرب إيمانه فلا ييأس على ما فاته ولا يفرح بما أتاه لأن المصيبة فيه مقدرة قبل أن تصل إليه وقبل أن يخلق كما قال تعالى: ﴿مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرࣱ ٢٢﴾ [الحديد:22]﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ﴾ [الحديد:23] وقال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ﴾ [التغابن:11] قال غير واحد من السلف هو العبد تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند اللّه فيرضى ويسلم، فهذه طمأنينة إلى أحكام الصفات وموجباتها وآثارها في العالم وهي قدر زائد على الطمأنينة بمجرد العلم بها واعتقادها. وكذلك سائر الصفات وآثارها ومتعلقاتها كالسمع والبصر والعلم والرضا والغضب والمحبة فهذه طمأنينة للإيمان.
و أما طمأنينة الإحسان فهي الطمأنينة إلى أمره امتثالا وإخلاصا ونصحا فلا يقدم على أمره إرادة ولا هوى ولا تقليدا فلا يساكن شبهة تعارض خبره ولا شهوة تعارض أمره بل إذا مرت به أنزلها منزلة الوساوس التي لأن يخر من السماء إلى الأرض أحب إليه من أن يجدها، فهذا كما قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم صريح الإيمان، وعلامة هذه الطمأنينة أن يطمئن من قلق المعصية وانزعاجها إلى سكون التوبة وحلاوتها وفرحتها ويسهل عليه ذلك بأن يعلم أن اللذة والحلاوة والفرحة في الظفر بالتوبة. وهذا أمر لا يعرفه إلا من ذاق الأمرين وباشر قلبه آثارهما فالتوبة طمأنينة تقابل ما في المعصية من الانزعاج والقلق ولو فتش العاصي عن قلبه لوجد حشوه المخاوف والانزعاج والقلق والاضطراب وإنما يواري عنه شهود ذلك سكر الغفلة والشهوة فإن لكل شهوة سكرا يزيد على سكر الخمر وكذلك الغضب له سكرا أعظم من سكر الشراب.
و لهذا ترى العاشق والغضبان يفعل ما لا يفعله شارب الخمر. وكذلك يطمئن من قلق الغفلة والإعراض إلى سكون الإقبال على اللّه حلاوة ذكره وتعلق الروح بحبه ومعرفته فلا طمأنينة للروح بدون هذا أبدا ولو أنصفت نفسها لرأتها إذا فقدت ذلك في غاية الانزعاج والقلق والاضطراب ولكن يواريها السكر فإذا كشف الغطاء تبين له حقيقة ما كان فيه.
هامش