الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين رقة القلب والجزع

ملاحظات: فصل الفرق بين رقة القلب والجزع


والفرق بين رقة القلب والجزع أن الجزع ضعف في النفس وخوف في القلب يمده شدة الطمع والحرص ويتولد من ضعف الإيمان بالقدر وإلا فمتى أن المقدر كائن ولا بدّ كان الجزع عناء محضا ومصيبة ثانية قال اللّه تعالى ﴿مَاۤ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةࣲ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَلَا فِیۤ أَنفُسِكُمۡ إِلَّا فِی كِتَـٰبࣲ مِّن قَبۡلِ أَن نَّبۡرَأَهَاۤۚ إِنَّ ذَ ٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيرࣱ ۝٢٢ [الحديد:22] ﴿لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ [الحديد:23] فمتى آمن العبد بالقدر وعلم أن المصيبة مقدرة في الحاضر والغائب لم يجزع ولم يفرح.
ولا ينافي هذا رقة القلب فإنها ناشئة عن صفة الرحمة التي هي كمال واللّه سبحانه إنما يرحم من عباده الرحماء. وقد كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرق الناس قلبا وأبعدهم من الجزع، فرقّة القلب رأفة ورحمة وجزعه مرض وضعف، فالجزع حال قلب مريض بالدنيا قد غشيه دخان النفس الأمّارة فأخذ بأنفاسه وضيق عليه مسالك الآخرة وصار في سجن الهوى والنفس وهو سجن ضيق الأرجاء مظلم المسالك فانحصار القلب وضيقه يجزع من أدنى ما يصيبه ولا يحتمله فإذا أشرق فيه نور الإيمان واليقين بالوعد وامتلأ من محبة اللّه وإجلاله رق وصارت فيه الرأفة والرحمة فتراه رحيما رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم يرحم النملة في جحرها والطير في وكره فضلا عن بني جنسه فهذا أقرب القلوب من اللّه قال أنس كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أرحم الناس بالعيال. واللّه سبحانه إذا أراد أن يرحم عبدا أسكن في قلبه الرأفة والرحمة وإذا أراد أن يعذبه نزع من قلبه الرحمة والرأفة وأبدله بهما الغلظة والقسوة.
و في الحديث الثابت لا تنزع الرحمة إلا من شقي، وفيه من لا يرحم لا يرحم، وفيه ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء، وفيه أهل الجنة ثلاثة ذو سلطان مقسط متصدق ورجل رحيم رقيق القلب بكل ذي قربى ومسلم، وعفيف متعفف ذو عيال، والصديق رضي اللّه عنه إنما فضل الأمة بما كان في قلبه من الرحمة العامة زيادة على الصديقية ولهذا أظهر أثرها في جميع مقاماته حتى في الأسارى يوم بدر واستقر الأمر على ما أشار به وضرب له صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلا بعيسى وإبراهيم، والرب سبحانه وتعالى هو الرءوف الرحيم وأقرب الخلق إليه أعظمهم رأفة ورحمة كما أن أبعدهم منه من اتصف بضد صفاته وهذا باب لا يلجه إلا الأفراد في العالم.


هامش


المسألة العشرون
هل النفس واحدة أم ثلاث | فصل الطمأنينة | فصل | فصل | فصل | فصل النفس اللوامة | فصل النفس الأمّارة | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق | فصل شرف النفس | فصل الفرق بين الحمية والجفاء | فصل الفرق بين التواضع والمهانة | فصل | فصل الفرق بين الجواد والمسرف | فصل الفرق بين المهابة والكبر | فصل الفرق بين الصيانة والتبكر | فصل الفرق بين الشجاعة والجرأة | فصل الفرق بين الحزم والجبن | فصل الفرق بين الاقتصاد والشح | فصل الفرق بين الاحتراز وسوء الظن | فصل الفرق بين الفراسة والظن | فصل الفرق بين النصيحة والغيبة | فصل الفرق بين الهدية والرشوة | فصل الفرق بين الصبر والقسوة | فصل الفرق بين العفو والذل | فصل الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل | فصل الفرق بين الثقة والغرّة | فصل الفرق بين الرجاء والتمني | فصل الفرق بين التحدث بنعم اللّه والفخر بها | فصل الفرق بين فرح القلب وفرح النفس | فصل فرحة المؤمن عند مفارقته الدنيا إلى اللّه | فصل الفرق بين رقة القلب والجزع | فصل الفرق بين الموجدة والحقد | فصل الفرق بين المنافسة والحسد | فصل الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة | فصل الفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه | فصل الفرق بين التوكل والعجز | فصل الفرق بين الاحتياط والوسوسة | فصل الفرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان | فصل الفرق بين الاقتصاد والتقصير | فصل الفرق بين النصيحة والتأنيب | فصل الفرق بين المبادرة والعجلة | فصل الفرق بين الأخبار بالحال وبين الشكوى | فصل الفروق الطول | فصل الفروق بين الأمور | فصل الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة | فصل الفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل | فصل الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب | فصل الفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى اللّه عليه وآله وسلم وإهدار أقوال العلماء وإلغائها | فصل الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | فصل الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني | فصل الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون