الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين فرح القلب وفرح النفس
و الفرق بين فرح القلب وفرح النفس ظاهر: فإن الفرح باللّه ومعرفته ومحبته وكلامه من القلب قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَفْرَحُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ﴾ [الرعد:36]. فإذا كان أهل الكتاب يفرحون بالوحي فأولياء اللّه وأتباع رسوله أحق بالفرح به وقال تعالى: ﴿وَإِذَا مَاۤ أُنزِلَتۡ سُورَةࣱ فَمِنۡهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمۡ زَادَتۡهُ هَـٰذِهِۦۤ إِيمَـٰنࣰاۚ فَأَمَّا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَزَادَتۡهُمۡ إِيمَـٰنࣰا وَهُمۡ يَسۡتَبۡشِرُونَ ١٢٤﴾ [التوبة:124] وقال تعالى: ﴿قُلۡ بِفَضۡلِ ٱللَّهِ وَبِرَحۡمَتِهِۦ فَبِذَ ٰلِكَ فَلۡيَفۡرَحُواْ هُوَ خَيۡرࣱ مِّمَّا يَجۡمَعُونَ ٥٨﴾ [يونس:58] قال أبو سعيد الخدري فضل اللّه القرآن، ورحمته أن جعلكم من أهله. وقال هلال بن يساف فضل اللّه ورحمته الإسلام الذي هداكم إليه والقرآن الذي علمكم هو خير من الذهب والفضة الذي تجمعون.
قال ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور المفسرين فضل اللّه الإسلام ورحمته القرآن، فهذا فرح القلب وهو من الإيمان ويثاب عليه العبد فإن فرحه به يطال على رضاه بل هو فوق الرضا فالفرح بذلك على قدر محبته فإن الفرح إنما يكون بالظفر بالمحبوب وعلى قدر محبته ويفرح بحصوله له فالفرح باللّه وأسمائه وصفاته ورسوله وسنته وكلامه محض الإيمان وصفوه وليه وله عبودية عجيبة وأثر في القلب لا يعبر عنه فابتهاج القلب وسروره وفرحه باللّه وأسمائه وصفاته وكلامه ورسوله ولقائه أفضل ما يعطاه بل هو جل عطاياه، والفرح في الآخرة باللّه ولقائه بحسب الفرح به ومحبته في الدنيا، فالفرح بالوصول إلى المحبوب يكون على حسب قوة المحبة وضعفها.
فهذا شأن فرح القلب، وله فرح آخر وهو فرحه بما منّ اللّه به عليه من معاملته والإخلاص له والتوكل عليه والثقة به وخوفه ورجائه به وكلما تمكن في ذلك قوى فرحه وابتهاجه، وله فرحة أخرى عظيمة الوقع عجيبة الشأن وهي الفرحة التي تحصل له بالتوبة فإن لها فرحة عجيبة لا نسبة لفرحة المعصية إليها البتة، فلو علم العاصي أن لذة التوبة وفرحتها تزيد على لذة المعصية وفرحتها أضعافا مضاعفة لبادر إليها أعظم من مبادرته إلى لذة المعصية.
و سر هذا الفرح إنما يعلمه من علم سر فرح الرب تعالى بتوبة عبده أشد فرح يقدر، ولقد ضرب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم مثلا ليس في أنواع الفرح في الدنيا أعظم منه وهو فرح رجل قد خرج براحلته التي عليها طعامه وشرابه في سفر ففقدها في أرض دوية مهلكة فاجتهد في طلبها فلم يجدها فيئس منها فجلس ينتظر الموت حتى إذا طلع البدر رأى في ضوئه راحلته وقد تعلق زمامها بشجرة فقال من شدة فرحه اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح فاللّه أفرح بتوبة عبده من هذا براحلته.
فلا ينكر أن يحصل التائب نصيب وافر من الفرح بالتوبة ولكن هاهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يصل إلى ذلك إلا بعد ترحات ومضض ومحن لا نثبت لها الجبال فإن صبر لها ظفر بلدة الفرح وإن ضعف عن حملها ولم يصبر لها لم يظفر بشي ء وآخر أمره فوات ما آثر من فرحة المعصية ولذتها فيفوته الأمران ويحصل على ضد اللذة من الألم المركب من وجود المؤذي وفوت المحبوب فالحكم للّه العلي الكبير.
هامش