الروح/المسألة الحادية والعشرون/فصل الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول

ملاحظات: فصل الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول


والفرق بين الحكم المنزل الواجب الاتباع والحكم والمؤول الذي غايته أن يكون جائز الاتباع وأن الحكم المنزل هو الذي أنزله اللّه على رسول وحكم به بين عباده وهو حكمه الذي لا حكم له سواه.
وأما الحكم المؤول فهو من أقوال المجتهدين المختلفة التي لا يجب اتباعها ولا يكفر ولا يفسق من خالفها فإن أصحابها لم يقولوا هذا حكم اللّه ورسوله بل قالوا اجتهدنا برأينا فمن شاء قبله، ولم يلزموا به الأمة بل قال أبو حنيفة هذا رأيي فمن جاءنا بخير منه قبلناه. ولو كان هو عين حكم اللّه لما ساغ لأبي يوسف ومحمد وغيرهما مخالفته فيه، وكذلك مالك استشاره الرشيد أن يحمل الناس على ما في الموطأ فمنعه من ذلك وقال: قد تفرق أصحاب رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم في البلاد وصار عند كل قوم فهو عم غير ما عند الآخرين.
و هذا الشافعي ينهي أصحابه عن تقليده ويوصيهم بترك قوله إذا جاء الحديث بخلافه، وهذا الإمام أحمد ينكر على من كتب فتاواه ودوّنها ويقول لا تقلدني ولا تقلد فلانا ولا فلانا وخذ من حيث أخذوا. ولو علموا رضي اللّه عنهم أن أقوالهم يجب اتباعها لحرموا على أصحابهم مخالفتهم ولما ساغ لأصحابهم أن يفتوا بخلافهم في شي ء. ولما كان أحدهم يقول القول ثم يفتي بخلافه فيروى عنه في المسألة القولان والثلاثة وأكثر من ذلك فالرأي والاجتهاد أحسن أحواله أن يسوغ اتباعه، والحكم المنزل لا يحل لمسلم أن يخالفه ولا يخرج عنه.
و أما الحكم المبدل وهو الحكم بغير ما أنزل اللّه فلا يحل تنفيذه به ولا يسوغ اتباعه وصاحبه بين الكفر الفسوق والظلم.
و المقصود التنبيه على بعض أحوال النفس المطمئنة واللوّامة والأمّارة وما تشترك فيه النفوس الثلاثة وما يتميز به بعضها من بعض وأفعال كل واحدة منها واختلافها ومقاصدها ونياتها وفي ذلك تنبيه على ما رواه، وهي نفس واحدة تكون أمّارة تارة، ولوّامة أخرى، ومطمئنة أخرى وأكثر الناس الغالب عليهم الأمارة، وأما المطمئنة فهي أقل النفوس البشرية عددا وأعظمها عند اللّه قدرا وهي التي يقال لها: ﴿ٱرۡجِعِیۤ إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةࣰ مَّرۡضِيَّةࣰ ۝٢٨ فَٱدۡخُلِی فِی عِبَـٰدِی ۝٢٩ وَٱدۡخُلِی جَنَّتِی ۝٣٠ [الفجر:28–30].
و اللّه سبحانه وتعالى المسئول المرجو الإجابة أن يجعل نفوسا مطمئنة إليه عاكفة بهمتها عليه، راهبة منه، راغبة فيما لديه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا وأن لا يجعلنا ممن أغفل قلبه عن ذكره واتبع هواه وكان أمره فرطا ولا يجعلنا من ﴿بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا [الكهف:103] ﴿ٱلَّذِينَ ضَلَّ سَعۡيُهُمۡ فِی ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَهُمۡ يَحۡسَبُونَ أَنَّهُمۡ يُحۡسِنُونَ صُنۡعًا ۝١٠٤ [الكهف:104] إنه سميع الدعاء وأهل الرجاء وهو حسبنا ونعم الوكيل.


هامش


المسألة العشرون
هل النفس واحدة أم ثلاث | فصل الطمأنينة | فصل | فصل | فصل | فصل النفس اللوامة | فصل النفس الأمّارة | فصل | فصل | فصل | فصل | فصل الفرق بين خشوع الإيمان وخشوع النفاق | فصل شرف النفس | فصل الفرق بين الحمية والجفاء | فصل الفرق بين التواضع والمهانة | فصل | فصل الفرق بين الجواد والمسرف | فصل الفرق بين المهابة والكبر | فصل الفرق بين الصيانة والتبكر | فصل الفرق بين الشجاعة والجرأة | فصل الفرق بين الحزم والجبن | فصل الفرق بين الاقتصاد والشح | فصل الفرق بين الاحتراز وسوء الظن | فصل الفرق بين الفراسة والظن | فصل الفرق بين النصيحة والغيبة | فصل الفرق بين الهدية والرشوة | فصل الفرق بين الصبر والقسوة | فصل الفرق بين العفو والذل | فصل الفرق بين سلامة القلب والبله والغفل | فصل الفرق بين الثقة والغرّة | فصل الفرق بين الرجاء والتمني | فصل الفرق بين التحدث بنعم اللّه والفخر بها | فصل الفرق بين فرح القلب وفرح النفس | فصل فرحة المؤمن عند مفارقته الدنيا إلى اللّه | فصل الفرق بين رقة القلب والجزع | فصل الفرق بين الموجدة والحقد | فصل الفرق بين المنافسة والحسد | فصل الفرق بين حب الرئاسة وحب الإمارة | فصل الفرق بين الحب في اللّه والحب مع اللّه | فصل الفرق بين التوكل والعجز | فصل الفرق بين الاحتياط والوسوسة | فصل الفرق بين إلهام الملك وإلقاء الشيطان | فصل الفرق بين الاقتصاد والتقصير | فصل الفرق بين النصيحة والتأنيب | فصل الفرق بين المبادرة والعجلة | فصل الفرق بين الأخبار بالحال وبين الشكوى | فصل الفروق الطول | فصل الفروق بين الأمور | فصل الفرق بين تنزيه الرسل وتنزيه المعطلة | فصل الفرق بين إثبات حقائق الأسماء والصفات وبين التشبيه والتمثيل | فصل الفرق بين تجريد التوحيد وبين هضم أرباب المراتب | فصل الفرق بين تجريد متابعة المعصوم صلى اللّه عليه وآله وسلم وإهدار أقوال العلماء وإلغائها | فصل الفرق بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | فصل الفرق بين الحال الإيماني والحال الشيطاني | فصل الفرق بين الحكم المنزل والحكم المؤول


الروح
المقدمة | المسألة الأولى | المسألة الثانية | المسألة الثالثة | المسألة الرابعة | المسألة الخامسة | المسألة السادسة | المسألة السابعة | المسألة الثامنة | المسألة التاسعة | المسألة العاشرة | المسألة الحادية عشرة | المسألة الثانية عشرة | المسألة الثالثة عشرة | المسألة الرابعة عشرة | المسألة الخامسة عشرة | المسألة السادسة عشرة | المسألة السابعة عشرة | المسألة الثامنة عشرة | المسألة التاسعة عشرة | المسألة العشرون | المسألة الحادية والعشرون