مجموع الفتاوى/المجلد السادس/فصل: قول القائل إن الضحك خفة روح
فصل: قول القائل إن الضحك خفة روح
عدلوقول القائل: إن الضحك خفة روح، ليس بصحيح، وإن كان ذلك قد يقارنه.
ثم قول القائل: خفة الروح: إن أراد به وصفًا مذمومًا فهذا يكون لما لا ينبغي أن يضحك منه، وإلا فالضحك في موضعه المناسب له صفة مدح وكمال، وإذا قدر حيان؛ أحدهما: يضْحَك مما يُضْحَك منه، والآخر: لا يضحك قط، كان الأول أكمل من الثاني.
ولهذا قال النبي ﷺ: «ينظر إليكم الرب قَنِطِين، فيظل يضحك، يعلم أن فَرَجَكُم قريب»، فقال له أبو رَزِين العُقَيْلِي: يا رسول الله، أويضحك الرب؟ قال: «نعم» قال: لن نعدم من رب يضحك خيرًا. فجعل الأعرابي العاقل بصحة فطرته ضحكه دليلا على إحسانه وإنعامه؛ فدل على أن هذا الوصف مقرون بالإحسان المحمود، وأنه من صفات الكمال، والشخص العَبُوس الذي لا يضحك فط هو مذموم بذلك، وقد قيل في اليوم الشديد العذاب: إنه {يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا} 1.
وقد روى: أن الملائكة قالت لآدم: «حَيَّاك الله وبَيَّاك» أي: أضحكك.
والإنسان حيوان ناطق ضاحك، وما يميز الإنسان عن البهيمة صفة كمال، فكما أن النطق صفة كمال، فكذلك الضحك صفة كمال، فمن يتكلم أكمل ممن لا يتكلم، ومن يضحك أكمل ممن لا يضحك، وإذا كان الضحك فينا مستلزمًا لشيء من النقص فالله منزه عن ذلك، وذلك الأكثر مختص لا عام، فليس حقيقة الضحك مطلقًا مقرونة بالنقص، كما أن ذواتنا وصفاتنا مقرونة بالنقص، ووجودنا مقرون بالنقص، ولا يلزم أن يكون الرب موجدًا وألا تكون له ذات.
ومن هنا ضلت القرامطة الغلاة كصاحب الإقليد وأمثاله، فأرادوا أن ينفوا عنه كل ما يعلمه القلب، وينطق به اللسان، من نفي وإثبات، فقالوا: لا نقول: موجود ولا لا موجود، ولا موصوف ولا لا موصوف؛ لما في ذلك على زعمهم من التشبيه، وهذا يستلزم أن يكون ممتنعًا، وهو مقتضي التشبيه بالممتنع، والتشبيه الممتنع على الله أن يشارك المخلوقات في شيء من خصائصها، وأن يكون مماثلا لها في شيء من صفاته، كالحياة والعلم والقدرة، فإنه وإن وصف بها فلا تماثل صفة الخالق صفة المخلوق، كالحدوث والموت، والفناء والإمكان.
هامش
- ↑ [الإنسان: 10]