مجموع الفتاوى/المجلد السادس/فصل طريقة اتباع الأنبياء هي الموصلة إلى الحق


فصل طريقة اتباع الأنبياء هي الموصلة إلى الحق

عدل

مما يبين أن طريقة أتباع الأنبياء من أهل السنة، هي الموصلة إلى الحق دون طريقة من خالفهم من الفلاسفة، والمتكلمين، أن المقصود هو العلم، وطريقه هو الدليل، والأنبياء جاؤوا المفصل والنفى المجمل، كإثبات الصفات لله مفصلة، نفى الكفؤ عنه.

والفلاسفة يجيؤون بالنفي المفصل، ليس بكذا ولا كذا. فإذا جاء الإثبات أثبتوا وجودًا مجملا، واضطربوا في أول مقامات ثبوته، وهو أن وجوده هو عين ذاته، أو صفة ذاتية لها، أو عرضية، ونحو ذلك من النزاعات الذهنية اللفظية.

ومعلوم أن النفي لا وجود له، ولا يعلم النفي والعدم إلا بعد العلم بالثبوت والوجود، حتى إن طائفة من المتكلمين نفوا العلم بالمعدوم، إلا إذا جعل شيئًا؛ لأن العلم فيما زعموا لابد أن يتعلق بشيء، والتحقيق أن العلم بالعدم يحصل بواسطة العلم بالموجود، فإذا علمنا أنه لا إله إلا الله، تصورنا إلها موجودا، وعلمنا عدم ما تصورناه إلا عن الله.

وكذلك سائر ما ننفيه، لابد أن نتصوره أولا ثم ننفيه، ولا نتصوره إلا بعد تصور شيء موجود، ثم نتصور ما شابهه، أو ما يتركب من أجزائه، كتصور بحر زئبق وجبل ياقوت، وآلهة متعددة، ونحو ذلك ثم ننفيه؛ وإلا فتصور معدوم مبتدع، لا يناسب الموجودات بوجه لا يمكن العقل إبداعه، سواء كان من العلوم النظرية أو العلمية، كتصور الفاعل ما يفعله قبل فعله.

فإنه في الحقيقة تصور معدوم ليوجد، كما أن غيره تصور معدوم ممكن أو ممتنع يوجد، أو لا يوجد، فالمعدوم الفعلي وغير الفعلي لا يبتدعه عقل الإنسان من غير مادة وجودية، كما لا تبدع قدرته شيئًا من غير مادة وجودية، وإنما الإبداع من خصائص الربوبية، وكيف يعلم؟ وكيف يفعل؟ باب آخر.

فتبين بهذا، أن العلم بالموجود وصفاته، هو الأصل، وأن العلم بالعدم المطلق والمقيد تبع له، وفرع عليه. وأيضا، فالعلم بالعدم لا فائدة للعالم به، إلا لتمام العلم بالموجود، وتمام الموجود في نفسه، إذ تصور لا شيء لا يستفيد به العالم صفة كمال، لكن علمه بانتفاء النقائص مثلا عن الموجود علم بكماله.

وكذلك العلم بنفي الشركاء عنه علم بوحدانيته، التي هي من الكمال، وكذلك تصور ما يراد فعله مُفْضٍ إلى وجود الفعل، وتصور ما يراد تركه مفض إلى الترك، الذي هو عدم الشر، الذي يكمل الموجود بعدمه.

وذلك أن هذا الذي ذكرته في العلم والقول، يقال مثله في الإرادة والعمل، فإن الإرادة متوجهة إلى الموجود بنفسه، الذي هو الفعل، ومتوجهة إلى العدم الذي هو الترك على طريق التبع؛ لدفع الفساد عن المقصود الموجود.


هامش



مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد السادس
فصل: تقرب العبد إلى الله | وقال الشيخ رحمه الله تعالى | فصل: ما قاله الشيخ في إثبات القرب وأنواعه | فصل: هل يتحرك القلب والروح إلى محبوبها | سئل عمن يقول إن النصوص تظاهرت ظواهرها على ما هو جسم | فصل قول القائل: كلما قام دليل العقل على أنه يدل على التجسيم كان متشابها | فصل في جمل مقالات الطوائف في الصفات | فصل الأشياء العينية والعلمية واللفظية والرسمية | فصل طريقة اتباع الأنبياء هي الموصلة إلى الحق | سئل عن تفصيل الإجمال فيما يجب لله من صفات الكمال | المقدمة الأولى أن الكمال ثابت لله | المقدمة الثانية لا بد من اعتبار أمرين | فصل ما جاء به الرسول هو الحق الذي يدل عليه المعقول | فصل قول الملاحدة أن اتصافه بهذه الصفات إن أوجب له كمالا فقد استكمل بغيره | فصل: قول القائل لو قامت به صفات وجودية لكان مفتقرا إليها | فصل: قول القائل الصفات أعراض لا تقوم إلا بجسم مركب | فصل: قول القائل لو قامت به الأفعال لكان محلا للحوادث | فصل: نفي النافي للصفات الخبرية المعينة | فصل: قول القائل المناسبة لفظ مجمل فقد يراد بها التولد والقرابة | فصل قول القائل الرحمة ضعف وخور في الطبيعة | فصل: قول القائل الغضب غليان دم القلب لطلب الانتقام | فصل: قول القائل إن الضحك خفة روح | فصل قول القائل التعجب استعظام للمتعجب منه | فصل قول القائل لو كان في ملكه ما لا يريده لكان نقصا | فصل: قول منكري النبوات ليس الخلق أهلا أن يرسل الله إليهم رسولا | فصل قول المشركين إن عظمته تقتضي ألا يتقرب إليه إلا بواسطة | فصل: قول القائل لو قيل لهم أيما أكمل | فصل: قول القائل الكمال والنقص من الأمور النسبية | فصل قوله تعالى: ولله الأسماء الحسنى | فصل القاعدة العظيمة في مسائل الصفات والأفعال | رد الإمام أحمد على ما أنكرت الجهمية من أن الله كلم موسى | فصل قال القاضي: قال أحمد في رواية حنبل لم يزل الله متكلما عالما غفورا | فصل: ولا خلاف عن أبي عبد الله أن الله كان متكلمًا بالقرآن قبل أن يخلق الخلق | فصل مما يجب على أهل الإيمان التصديق به أن الله ينزل إلى سماء الدنيا | فصل ومما يجب التصديق به مجيئه إلى الحشر يوم القيامة | القول في القرآن | قاعدة في الاسم والمسمى | فصل الذين قالوا إن الاسم غير المسمى | سئل عمن زعم أن الإمام أحمد كان من أعظم النفاة للصفات | فصل في الصفات الاختيارية | فصل في الإرادة والمحبة والرضا | فصل في السمع والبصر والنظر | فصل في دلالة الأحاديث على الأفعال الاختيارية | فصل المنازعون النفاة منهم من ينفي الصفات مطلقا | فصل: رد فحول النظار حجج النفاة لحلول الحوادث | فصل في اتصافه تعالى بالصفات الفعلية | فصل فيما ذكره الرازي في مسألة الصفات الاختيارية | فصل: الرد على الرازي في قصة الخليل إبراهيم وقوله لا أحب الآفلين | قاعدة أن جميع ما يحتج به المبطل من الأدلة إنما تدل على الحق | فصل: مسلك طائفة من أئمة النظار الجمع بين أدلة الأشاعرة والفلاسفة | فصل: الحجة الثانية لمن قال بقدم الكلام | فصل: فيما احتج به الفلاسفة والمتكلمون في مسألة حدوث العالم | فصل في دلالة ما احتجوا به على خلاف قولهم | سئل عن جواب شبهة المعتزلة في نفي الصفات | الرسالة المدنية في الحقيقة والمجاز والصفات | فصل المعترض في الأسماء الحسنى | سئل عن قول النبي: الحجر الأسود يمين الله في الأرض | حديث: رؤية المؤمنين ربهم في الجنة | فصل هل ترى المؤمنات الله في الآخرة | سئل عن لقاء الله سبحانه هل هو رؤيته أو رؤية ثوابه | فصل: قول السائل: كيف يتصور منا محبة ما لا نعرفه | فصل قول السائل إذا كان حب اللقاء لما رآه من النعيم فالمحبة للنعيم | رسالة إلى أهل البحرين في رؤية الكفار ربهم | قوله في حديث: نور أنى أراه | فصل الذي ثبت: رأى محمد ربه بفؤاده | سئل عن أقوام يدعون أنهم يرون الله بأبصارهم في الدنيا | سئل عن حديث إن الله ينادي بصوت | فصل قول القائل لا يثبت لله صفة بحديث واحد | الرسالة العرشية | سئل هل العرش والكرسي موجودان أم مجاز | سئل عن رجلين تنازعا في كيفية السماء والأرض | سئل عن خلق السموات والأرض وتركيب النيرين والكواكب | سئل هل خلق الله السموات والأرض قبل الليل والنهار | سئل عن اختلاف الليل والنهار