مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص


سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص

عدل

سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص، فأشار عليه رجل. فقال هذه الأبيات:

أنكروا رقصًا وقالوا حرام ** فعليهم من أجل ذاك سلام

أعبد الله يا فقيه، وصل ** والزم الشرع فالسماع حرام

بل حرام عليك، ثم حلال ** عند قوم أحوالهم لا تلام

مثل قوم صفوا وبان لهم من ** جانب الطور جذوة وكلام

فإذا قوبل السماع بلهو ** فحرام على الجميع حرام

فأجاب:

الحمد لله رب العالمين، هذا الشعر يتضمن منكرًا من القول وزورًا؛ بل أوله يتضمن مخالفة الشريعة، وآخره يفتح باب الزندقة والإلحاد، والمخالفة للحقيقة الإلهية الدينية النبوية. وذلك أن قول القائل:

مثل قوم صفوا وبان لهم من ** جانب الطور جذوة وكلام

يتضمن تمثيل هؤلاء بموسى بن عمران، الذي نودي من جانب الطور. ولما رأى النار قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ } 1.

وهذا قول طائفة من الناس، يسلكون طريق الرياضة والتصفية، ويظنون أنهم بذلك يصلون إلى أن يخاطبهم الله، كما خاطب موسى بن عمران، وهؤلاء ثلاثة أصناف:

صنف يزعمون أنهم يخاطبون بأعظم مما خوطب به موسى بن عمران. كما يقول ذلك من يقول من أهل الوحدة والاتحاد. القائلين بأن الوجود واحد. كصاحب الفصوص وأمثاله.

فإن هؤلاء يدعون أنهم أعلى من الأنبياء، وأن الخطاب الذي يحصل لهم من الله أعلى مما يحصل لإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام، ومعلوم أن هذا الكفر أعظم من كفر اليهود والنصارى، الذين يفضلون الأنبياء على غيرهم، لكن يؤمنون ببعض الأنبياء، ويكفرون ببعض.

والنوع الثاني: من يقول: إن الله يكلمه مثل كلام موسى بن عمران، كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة والمتصوفة، الذين يقولون: إن تكليم موسى فيض فاض على قلبه من العقل الفعال، ويقولون: إن النبوة مكتسبة.

والنوع الثالث: الذين يقولون: إن موسى أفضل، لكن صاحب الرياضة قد يسمع الخطاب الذي سمعه موسى، ولكن موسى مقصودًا بالتكليم دون هذا، كما يوجد هذا في أخبار صاحب مشكاة الأنوار، وكذلك سلك مسلكه صاحب خلع النعلين، وأمثالهما.

وأما قوله في أول الشعر لمن يخاطبه: الزم الشرع يا فقيه وصل، يشعر بأنك أنت تبع الشرع، وأما نحن فلنا إلى الله طريق غير الشرع، ومن ادعى أن له طريقًا إلى الله يوصله إلى رضوان الله وكرامته وثوابه غير الشريعة التي بعث الله بها رسوله، فإنه أيضا كافر، يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، كطائفة أسقطوا التكليف، وزعموا أن العبد يصل إلى الله بلا متابعة الرسل.

وطائفة يظنون أن الخواص من الأولياء يستغنون عن متابعة محمد ، كما استغنى الخضر عن متابعة موسى، وجهل هؤلاء أن موسى لم يكن مبعوثًا إلى الخضر، ومحمد رسول إلى كل أحد ظاهرًا وباطنًا، مع أن قضية الخضر لم تخالف شريعة موسى، بل وافقتها، ولكن الأسباب المبيحة للفعل لم يكن موسى علمها، فلما علمها تبين أن الأفعال توافق شريعته لا تخالفها.


هامش

  1. [القصص: 29]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الحادي عشر - الآداب والتصوف
سئل شيخ الإسلام عن الصوفية | سئل في رجل يقول إن الفقر لم نتعبد به | سئل شيخ الإسلام عن أهل الصفة | فصل في حال أهل الصفة | فصل فيمن قال إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار | فصل في تخطئة من فضل أهل الصفة على العشرة وغيرهم | فصل في حكم سماع المكاء والتصدية | فصل في تفسير قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي | فصل في الحديث المروي ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي لله | فصل في من هم أولياء الله | فصل في الفقراء | سئل عن قوم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب أهل الصفة فاستأذن | سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا سند لهم بها | سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ | سئل عن جماعة يجتمعون في مجلس ويلبسون لشخص منهم لباس الفتوة | فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة | فصل في معنى لفظ الفتى | فصل في بشرية النبي | فصل في المؤاخاة | فصل عن الشيخ عدي بن مسافر بن صخر | سئل هل تخلل أبو بكر بالعباءة وتخللت الملائكة لأجله بالعباءة أو لا | سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال | سئل عما يذكر من قولهم اتخذوا مع الفقير أيادي فإن لهم دولة وأي دولة | فصل قول القائل نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة | سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر | سئل عمن قال إن الفقير والغني لا يفضل أحدهما صاحبه إلا بالتقوى | فصل أيهما أفضل الفقير الصابرأو الغني الشاكر | سئل عن الحمد والشكر ما حقيقتهما هل هما معنى واحد أو معنيان | تلخيص مناظرة في الحمد والشكر | العلاقة بين الحمد والشكر | الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات | فصل في الأمور الخارقة | فصل في كلمات الله تعالى | فصل في العلم بالكائنات | فصل في تكلم طائفة من الصوفية في خاتم الأولياء | كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية | فصل في قول القاضي أبو يعلى في عيون المسائل | سئل أيهما أولى معالجة ما يكره الله من القلب أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة | سئل هل قال النبي صلى الله عليه وسلم زدني فيك تحيرا | سئل عن رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشى | سئل ما الحكمة أن المشتغلين بالذكر يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات | سئل الشيخ رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا | سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال هل هو صحيح أو مقطوع | ما قاله عن البطائحية | موقفه من الذين يصرون على الابتداع في الدين | سئل عن المرشدة كيف كان أصلها وتأليفها | سئل عن رجل تخاطب هو وإنسان على من قرأ المرشدة | سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ | فصل في ذكر غلوهم في الشيوخ | فصل في فساد الأولاد | فصل في النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم | فصل في مؤاخاة الرجال النساء الأجانب | فصل في الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشائخ والملوك وغيرهم | فصل في قول القائل لمن أنكر عليه أنت شرعي | فصل في كون الأمر بالمعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله | فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين | فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة | فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم | فصل في قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | سئل شيخ الإسلام عما أحدثه الفقراء المجردون | ما تقول السادة الأعلام في صفة سماع الصالحين | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السماع | سئل عمن قال إن السماع على الناس حرام وعلي حلال هل يفسق في ذلك أو لا | سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف | سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص | سئل عن الذين يعملون النار والإشارات | سئل عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته | سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل | سئل شيخ الإسلام عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر | فصل في متابعة الكلام في المكاشفات والمشاهدات | فصل في الكون يقظة ومناما | سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار | سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن | سئل رضي الله عنه عن شرب الخمر وفعل الفاحشة | سئل الشيخ عن رجل مدمن على المحرمات | فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه | فصل في أن التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات | فصل في المقصود أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين | فصل في إخبار الله تعالى عن قبح أعمال الكفار قبل أن يأتيهم الرسول | فصل في أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه | فصل فيما يستغفر ويتاب منه | سئل عن قوله ما أصر من استغفر | سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام