مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ

→ [[../سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله أحاديث لا سند لهم بها|سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله أحاديث لا سند لهم بها]]
مجموع فتاوى ابن تيمية المؤلف ابن تيمية
سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ


سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ

عدل

وسئل عن الفتوة المصطلح عليها... إلخ.

فأجاب رضي الله عنه قائلًا:

أما ما ذكره من الفتوة التي يلبس فيها الرجل لغيره سراويل، ويسقيه ماء وملحًا؛ فهذا لا أصل له. ولم يفعلها أحد من السلف لا علي ولا غيره. والإسناد الذي يذكرونه في الفتوة إلى أمير المؤمنين: علي بن أبي طالب، من طريقة الخليفة الناصر وغيره، إسناد مظلم، عامة رجاله مجاهيل لا يعرفون وليس لهم ذكر عند أهل العلم.

وقد ذكر أن أصل ذلك: أنه وضع سراويل عند قبر علي فأصبح مسدودًا، وهذا يجري عند غير علي، كما يجري أمثال ذلك من الأمور التي يظن أنها كرامة، في الكنائس وغيرها، مثل دخول مصروع إليها فيبرأ بنذر يجعل للكنيسة، ونحو ذلك. وهذا إذا لم يكن كذبًا فإنه من فعل الشياطين. كما يفعل مثل ذلك عند الأوثان، وأنا أعرف من ذلك وقائع متعددة.

والمقصود هنا أن سراويل الفتوة لا أصل له عن علي ولا غيره من السلف، وما يشترطه بعضهم من الشروط، إن كان مما أمر الله به ورسوله، فإنه يفعل؛ لأن الله أمر به ورسوله، وما نهى عنه مثل التعصب لشخص على شخص، والإعانة على الإثم والعدوان، فهو مما ينهي عنه، ولو شرطوه.

ولفظ الفتى في اللغة هو الشاب، كما ذكر ذلك أهل اللغة. ومنه قوله تعالى: { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ } 1، وقوله: { إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ } 2 { وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِفَتَاه } 3. وقد فتى يفتي فهو فتى، أي بين الفتا، والأفتا من الدواب خلاف المسان، وقد يعبر بالفتى عن المملوك مطلقًا، كما قال تعالى: { مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ } 4.

ولما كان الشاب ألين عريكة من الشيخ صار في طبعه من السخاء والكرم ما لا يوجد في الشيوخ. فصاروا يعبرون بلفظ الفتى عن السخي الكريم. يقال: هو فتى بين الفتوة وقد يفتى، ويفاتى، والجمع فتيان وفتية.

واستعمال لفظ الفتى بمعنى المتصف بمكارم الأخلاق موجود في كلام كثير من المشائخ، وقد يظن أن لفظ القرآن يدل على هذا. ومنه قول بعض الشيوخ: طريقنا تفتى وليس تنصر، يعني هو استعمال مكارم الأخلاق؛ ليس هو النسك اليابس. ومنه قول أبي إسماعيل الأنصاري 5: الفتوة أن تقرب من يقصيك، وتكرم من يؤذيك، وتحسن إلى من يسيء إليك، سماحة لا كظما، وموادة لا مصابرة.

ونقل عن أحمد بن حنبل - رضي الله عنه - أنه قال: الفتوة ترك ما تهوى لما تخشى. كما قال تعالى: { وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى } 6. فمن دعا إلى ما دعا إليه الله ورسوله من مكارم الأخلاق كان محسنًا، سواء سمى ذلك فتوة أو لم يسمه، ومن أحدث في دين الله ما ليس منه فهو رد.

والغالب أنهم يدخلون في الفتوة أمورًا ينهى عنها فينهون عن ذلك، ويؤمرون بما أمر الله به ورسوله، كما ينهون عن الإلباس، والإسقاء. وإسناد ذلك إلى علي رضي الله عنه وأمثال ذلك.


هامش

  1. [يوسف: 36]
  2. [الكهف: 13]
  3. [الكهف: 60]
  4. [النساء: 25]
  5. [أبو إسماعيل الأنصارى: هو عبد الله بن محمد بن على بن محمد بن أحمد بن على بن جعفر بن متَّ الأنصارى الهروىّ، مصنف كتاب ذم الكلام، وشيخ خراسان، من ذرية الصحابي أبي أيوب الأنصارى. ولد سنة ست وتسعين وثلاثمائة. توفى في ذي الحجة سنة 481 ه. سير أعلام النبلاء: 18 503 518]
  6. [النازعات: 40]


مجموع الفتاوى لابن تيمية: المجلد الحادي عشر - الآداب والتصوف
سئل شيخ الإسلام عن الصوفية | سئل في رجل يقول إن الفقر لم نتعبد به | سئل شيخ الإسلام عن أهل الصفة | فصل في حال أهل الصفة | فصل فيمن قال إن أحدا من الصحابة أهل الصفة أو غيرهم أو التابعين أو تابعي التابعين قاتل مع الكفار | فصل في تخطئة من فضل أهل الصفة على العشرة وغيرهم | فصل في حكم سماع المكاء والتصدية | فصل في تفسير قوله تعالى واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي | فصل في الحديث المروي ما من جماعة يجتمعون إلا وفيهم ولي لله | فصل في من هم أولياء الله | فصل في الفقراء | سئل عن قوم يقولون إن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إلى باب أهل الصفة فاستأذن | سئل رحمه الله عن قوم يروون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث لا سند لهم بها | سئل عن الفتوة المصطلح عليها إلخ | سئل عن جماعة يجتمعون في مجلس ويلبسون لشخص منهم لباس الفتوة | فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة | فصل في معنى لفظ الفتى | فصل في بشرية النبي | فصل في المؤاخاة | فصل عن الشيخ عدي بن مسافر بن صخر | سئل هل تخلل أبو بكر بالعباءة وتخللت الملائكة لأجله بالعباءة أو لا | سئل عن معنى قول حب الدنيا رأس كل خطيئة فهل هي من جهة المعاصي أو من جهة جمع المال | سئل عما يذكر من قولهم اتخذوا مع الفقير أيادي فإن لهم دولة وأي دولة | فصل قول القائل نحن في بركة فلان أو من وقت حلوله عندنا حلت البركة | سئل عن رجل متصوف تكلم عن الفقر | سئل عمن قال إن الفقير والغني لا يفضل أحدهما صاحبه إلا بالتقوى | فصل أيهما أفضل الفقير الصابرأو الغني الشاكر | سئل عن الحمد والشكر ما حقيقتهما هل هما معنى واحد أو معنيان | تلخيص مناظرة في الحمد والشكر | العلاقة بين الحمد والشكر | الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان | قاعدة شريفة في المعجزات والكرامات | فصل في الأمور الخارقة | فصل في كلمات الله تعالى | فصل في العلم بالكائنات | فصل في تكلم طائفة من الصوفية في خاتم الأولياء | كلام مردود للحكيم الترمذي في كتاب ختم الولاية | فصل في قول القاضي أبو يعلى في عيون المسائل | سئل أيهما أولى معالجة ما يكره الله من القلب أو الاشتغال بالأعمال الظاهرة | سئل هل قال النبي صلى الله عليه وسلم زدني فيك تحيرا | سئل عن رجل يحب رجلا عالما فإذا التقيا ثم افترقا حصل لذلك الرجل شبه الغشى | سئل ما الحكمة أن المشتغلين بالذكر يفتح عليهم من الكشوفات والكرامات | سئل الشيخ رحمه الله عن قوم داوموا على الرياضة مرة فرأوا أنهم قد تجوهروا | سئل شيخ الإسلام عن الحديث المروي في الأبدال هل هو صحيح أو مقطوع | ما قاله عن البطائحية | موقفه من الذين يصرون على الابتداع في الدين | سئل عن المرشدة كيف كان أصلها وتأليفها | سئل عن رجل تخاطب هو وإنسان على من قرأ المرشدة | سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ | فصل في ذكر غلوهم في الشيوخ | فصل في فساد الأولاد | فصل في النذر للموتى من الأنبياء والمشائخ وغيرهم | فصل في مؤاخاة الرجال النساء الأجانب | فصل في الحلف بغير الله من الملائكة والأنبياء والمشائخ والملوك وغيرهم | فصل في قول القائل لمن أنكر عليه أنت شرعي | فصل في كون الأمر بالمعروف هو الحق الذي بعث الله به رسوله | فصل في لباس الخرقة التي يلبسها بعض المشائخ المريدين | فصل في قول القائل أنت للشيخ فلان وهو شيخك في الدنيا والآخرة | فصل في قول القائل إن الله يرضى لرضا المشائخ ويغضب لغضبهم | فصل في قوله صلى الله عليه وسلم المرء مع من أحب | سئل عن جماعة اجتمعوا على أمور متنوعة في الفساد | سئل شيخ الإسلام عما أحدثه الفقراء المجردون | ما تقول السادة الأعلام في صفة سماع الصالحين | سئل شيخ الإسلام رحمه الله عن السماع | سئل عمن قال إن السماع على الناس حرام وعلي حلال هل يفسق في ذلك أو لا | سئل عن أقوام يرقصون على الغناء بالدف | سئل شيخ الإسلام عن رجل يحب السماع والرقص | سئل عن الذين يعملون النار والإشارات | سئل عن رجل فلاح لم يعلم دينه ولا صلاته | سئل عن رجل منقطع في بيته لا يخرج ولا يدخل | سئل شيخ الإسلام عن جماعة يجتمعون على قصد الكبائر | فصل في متابعة الكلام في المكاشفات والمشاهدات | فصل في الكون يقظة ومناما | سئل عمن يقول إن بعض المشائخ إذا أقام السماع يحضره رجال الغيب | سئل عن النساء اللاتي يتعممن بالعمائم الكبار | سئل عن الذنوب الكبائر المذكورة في القرآن | سئل رضي الله عنه عن شرب الخمر وفعل الفاحشة | سئل الشيخ عن رجل مدمن على المحرمات | فصل في كل من تاب من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه | فصل في أن التوبة والاستغفار يكون من ترك الواجبات وفعل المحرمات | فصل في المقصود أن الاستغفار والتوبة يكونان من كلا النوعين | فصل في إخبار الله تعالى عن قبح أعمال الكفار قبل أن يأتيهم الرسول | فصل في أمر الله الناس أن يتوبوا ويستغفروا مما فعلوه | فصل فيما يستغفر ويتاب منه | سئل عن قوله ما أصر من استغفر | سئل عن اليهودي أو النصراني إذا أسلم هل يبقى عليه ذنب بعد الإسلام