مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة
فصل في الشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة
عدلوالشروط التي تشترطها شيوخ الفتوة ما كان منها مما أمر الله به ورسوله كصدق الحديث، وأداء الأمانة، وأداء الفرائض، واجتناب المحارم ونصر المظلوم، وصلة الأرحام والوفاء بالعهد. أو كانت مستحبة: كالعفو عن الظالم واحتمال الأذى، وبذل المعروف الذى يحبه الله ورسوله وأن يجتمعوا على السنة، ويفارق أحدهما الآخر إذا كان على بدعة، ونحوذلك. فهذه يؤمن بها كل مسلم سواء شرطها شيوخ الفتوة أو لم يشرطوها، وما كان منها مما نهى الله عنه ورسوله: مثل التحالف الذي يكون بين أهل الجاهلية، أن كلا منهما يصادق صديق الآخر في الحق والباطل، ويعادي عدوه في الحق والباطل، وينصره على كل من يعاديه سواء كان الحق معه أو كان مع خصمه، فهذه شروط تحلل الحرام وتحرم الحلال، وهى شروط ليست في كتاب الله.
وفي السنن عنه أنه قال: «المسلمون عند شروطهم: إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالا» وكل ما كان من الشروط التي بين القبائل والملوك والشيوخ والأحلاف وغير ذلك فإنها على هذا الحكم باتفاق علماء المسلمين، ما كان من الأمر المشروط الذى قد أمر الله به ورسوله فإنه يؤمر به كما أمر الله به ورسوله. وإن كان مما نهى الله عنه ورسوله فإنه ينهى عنه، كما نهى الله عنه ورسوله، وليس لبنى آدم أن يتعاهدوا ولا يتعاقدوا ولا يتحالفوا ولا يتشارطوا على خلاف ما أمر الله به ورسوله، بل على كل منهم أن يوفوا بالعقود والعهود التي عهدها الله إلى بنى آدم كما قال الله تعالى: { وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ } 1.
وكذلك ما يعقده المرء على نفسه كعقد النذر أو يعقده الاثنان: كعقد البيع والإجارة، والهبة وغيرهما، أو ما يكون تارة من واحد وتارة من اثنين: كعقد الوقف والوصية، فإنه في جميع هذه العقود متى اشترط العاقد شيئًا مما نهى الله عنه ورسوله كان شرطه باطلا. وفي الصحيح عن عائشة رضى الله عنها عن النبى ﷺ أنه قال: «من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصى الله فلا يعصه». والعقود المخالفة لما أمر الله به ورسوله هى من جنس دين الجاهلية، وهى شعبة من دين المشركين وأهل الكتاب الذين عقدوا عقودًا أمروا فيها بما نهى الله عنه ورسوله، ونهوا فيها عما أمر الله به ورسوله.
فهذا أصل عظيم يجب على كل مسلم أن يتجنبه.
هامش
- ↑ [ البقرة: 40 ]