مجموع الفتاوى/المجلد الحادي عشر/سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ
سئل عن قوم منتسبين إلى المشائخ
عدلسئل شيخ الإسلام قدس الله روحه عن قوم منتسبين إلى المشائخ: يتوبونهم عن قطع الطريق، وقتل النفس والسرقة، وألزموهم بالصلاة؛ لكنهم يصلون صلاة عادة البادية، فهل يجب إقامة حدود الصلاة أم لا؟ ومع هذا شعارهم الرفض، وكشف الرؤوس، وتفتيل الشعر، وحمل الحيات. ثم غلب على قلوبهم حب الشيوخ. حتى كلما عثر أحدهم أو همه أمر استغاث بشيخه، ويسجدون لهم مرة في غيبتهم، ومرة في حضورهم. فتارة يصادف السجود إلى القبلة، وتارة إلى غيرها حيث كان شيخه ويزعمون هذا لله. ومنهم من يأخذ أولاد الناس حوارات برضى الوالدين، وبغير رضاهم، وربما كان ولد الرجل معينًا لوالديه على السعي في الحلال فيأخذه ويعلمه الدروزة. وينذر للموتى، ومنهم من يواخي النسوان فإذا نهوا عن ذلك قال: لو حصل لي أمك وأختك، وأختيهما فإذا قيل: لا تنظر أجنبية. قال: أنظر عشرين نظرة، ويحلفون بالمشائخ. وإذا نهوا عن شيء من ذلك. قال: أنت شرعي. فهل المنكر عليهم مأجور أم لا؟
وهل اتخاذ الخرقة على المشائخ له أصل في الشرع أم لا؟ وهل انتساب كل طائفة إلى شيخ معين يثاب عليه أم لا؟ وهل التارك لها آثم أم لا؟ ويقولون: إن الله يرضى لرضا المشائخ، ويغضب بغضبهم ويستندون إلى قوله ﷺ: «المرء مع من أحب» و«أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله» فهل ذلك دليل لهم، أم هو شيء آخر؟ ومن هذه حاله هل يجوز دفع الزكاة إليه؟
فأجاب قدس الله روحه:
وأما كشف الرؤوس وتفتيل الشعر وحمل الحيات، فليس هذا من شعار أحد من الصالحين لا من الصحابة ولا التابعين ولا شيوخ المسلمين لا المتقدمين ولا المتأخرين ولا الشيخ أحمد بن الرفاعي ولا غيره، وإنما ابتدع هذا بعد موت الشيخ أحمد بمدة طويلة، ابتدعه طائفة انتسبت إليه فخالفوا طريق المسلمين وخرجوا عن حقائق الدين، وفارقوا طريق عباد الله الصالحين وهم نوعان:
أهل حال إبليسي، وأهل محال تلبيسي، فأما أهل الأحوال منهم: فهم قوم اقترنت بهم الشياطين، كما يقترنون بإخوانهم. فإذا حضروا سماع المكاء والتصدية أخذهم الحال، فيزبدون ويرغون. كما يفعله المصروع، ويتكلمون بكلام لا يفهمونه هم ولا الحاضرون، وهي شياطينهم تتكلم على ألسنتهم عند غيبة عقولهم، كما يتكلم الجني على لسان المصروع، ولهم مشابهون في الهند من عباد الأصنام. ومشابهون بالمغرب يسمى أحدهم المصلي، وهؤلاء الذين في المغرب من جنس الزط الذين لا خلاق لهم، فإذا كان لبعض الناس مصروع أو نحوه أعطاهم شيئًا فيجيئون ويضربون لهم بالدف والملاهي ويحرقون ويوقدون نارًا عظيمة مؤججة ويضعون فيها الحديد العظيم حتى يبقى أعظم من الجمر وينصبون رماحًا فيها أسنة، ثم يصعد أحدهم يقعد فوق أسنة الرماح قدام الناس، ويأخذ ذلك الحديد المحمي ويمره على يديه، وأنواع ذلك.
ويرى الناس حجارة يرمى بها ولا يرون من رمى بها، وذلك من شياطينهم الذين يصعدون بهم فوق الرمح، وهم الذين يباشرون النار وأولئك قد لا يشعرون بذلك، كالمصروع الذي يضرب ضربًا وجيعًا وهو لا يحس بذلك، لأن الضرب يقع على الجني، فكذا حال أهل الأحوال الشيطانية، ولهذا كلما كان الرجل أشبه بالجن والشياطين كان حاله أقوى، ولا يأتيهم الحال إلا عند مؤذن الشيطان وقرآنه، فمؤذنه المزمار، وقرآنه الغناء.
ولا يأتيهم الحال عند الصلاة والذكر والدعاء والقراءة، فلا لهذه الأحوال فائدة في الدين، ولا في الدنيا، ولو كانت أحوالهم من جنس عباد الله الصالحين، وأولياء الله المتقين، لكانت تحصل عند ما أمر الله به من العبادات الدينية، ولكان فيها فائدة في الدين والدنيا لتكثير الطعام والشراب عند الفاقات، واستنزال المطر عند الحاجات، والنصر على الأعداء عند المخافات، وهؤلاء أهل الأحوال الشيطانية في التلبيس يمحقون البركات، ويقوون المخافات، ويأكلون أموال الناس بالباطل، لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن المنكر، ولا يجاهدون في سبيل الله، بل هم مع من أعطاهم وأطعمهم وعظمهم، وإن كان تتريا، بل يرجحون التتر على المسلمين، ويكونون من أعوانهم ونصرائهم الملاعين، وفيهم من يستعين على الحال بأنواع من السحر والشرك الذي حرمه الله تعالى ورسوله.
وأما أهل المحال منهم: فهم يصنعون أدوية كحجر الطلق، ودهن الضفادع، وقشور النارنج ونحو ذلك، يمشون بها على النار ويمسكون نوعًا من الحيات ويأخذونها بضعة، ويقدمون على أكلها بفجور وما يصنعونه من السكر واللاذن، وماء الورد، وماء الزعفران والدم، فكل ذلك حيل وشعوذة يعرفها الخبير بهذه الأمور.
ومنهم من تأتيه الشياطين، وذلك هم أهل المحال الشيطاني.
هامش