البداية والنهاية/الجزء الثامن/ثم دخلت سنة خمس وستين



ثم دخلت سنة خمس وستين


فيها: اجتمع إلى سليمان بن صرد نحو من سبعة عشر ألفا، كلهم يطلبون الأخذ بثأر الحسين ممن قتله.

قال الواقدي: لما خرج الناس إلى النخيلة كانوا قليلا، فلم تعجب سليمان قلتهم، فأرسل حكيم بن منقذ فنادى في الكوفة بأعلى صوته: يا ثارات الحسين، فلم يزل ينادي حتى بلغ المسجد الأعظم، فسمع الناس فخرجوا إلى النخيلة، وخرج أشراف الكوفة فكانوا قريبا من عشرين ألفا أو يزيدون، في ديوان سليمان بن صرد.

فلما عزم على المسير بهم لم يصف معه منهم سوى أربعة آلاف، فقال المسيب بن نجية لسليمان: إنه لا ينفعك الكاره، ولا يقاتل معك إلا من أخرجته النية، وباع نفسه لله عز وجل، فلا تنتظرن أحدا وامض لأمرك في جهادك عدوك، واستعن بالله عليهم.

فقام سليمان في أصحابه وقال: يا أيها الناس! من كان إنما خرج لوجه الله وثواب الآخرة فذلك منا ونحن منه، ومن كان خروجه معنا للدنيا فليس منا ولا يصحبنا.

فقال الباقون معه: ما للدنيا خرجنا، ولا لها طلبنا.

فقيل له: أنسير إلى قتلة الحسين بالشام وقتلته عندنا بالكوفة كلهم مثل عمر بن سعد وغيره؟

فقال سليمان: إن ابن زياد هو الذي جهز الجيش إليه وفعل به ما فعل، فإذا فرغنا منه عدنا إلى أعدائه بالكوفة، ولو قاتلتوهم أولا، وهم أهل مصركم ما عدم الرجل منكم أن يرى رجلا قد قتل أباه قد قتل أخاه أو حميمه، فيقع التخاذل، فإذا فرغتم من الفاسق ابن زياد لكم المراد.

فقالوا: صدقت.

فنادى فيهم سيروا على اسم الله تعالى، فساروا عشية الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول.

وقال في خطبته: من كان خرج منكم للدنيا ذهبها وزبرجدها فليس معنا مما يطلب شيء، وإنما معنا سيوف على عواتقنا ورماح في أكفنا، وزاد يكفينا حتى نلقى عدونا.

فأجابوه إلى السمع والطاعة والحالة هذه، وقال لهم: عليكم بابن زياد الفاسق أولا، فليس له إلا السيف، وها هو قد أقبل من الشام قاصدا العراق.

فصمم الناس معه على هذا الرأي، فلما أزمعوا على ذلك بعث عبد الله بن يزيد، وإبراهيم بن محمد أمراء الكوفة من جهة ابن الزبير، إلى سليمان بن صرد، يقولان له: إنا نحب أن تكون أيدينا واحدة على ابن زياد، وأنهم يريدون أن يبعثوا معهم جيشا ليقويهم على ما هم قد قصدوا له، وبعثوا بريدا بذلك ينتظرهم حتى يقدموا عليه.

فتهيأ سليمان بن صرد لقدومهم عليه في رؤوس الأمراء، وجلس في أبهته والجيوش محدقة به، وأقبل عبد الله بن يزيد، وإبراهيم بن طلحة في أشراف أهل الكوفة من غير قتلة الحسين لئلا يطمعوا فيهم، وكان عمر بن سعد بن أبي وقاص في هذه الأيام كلها لا يبيت إلا في قصر الإمارة عند عبد الله بن يزيد خوفا على نفسه.

فلما اجتمع الأميران عند سليمان بن صرد قالا له وأشارا عليه: أن لا يذهبوا حتى تكون أيديهما واحدة على قتال ابن زياد، ويجهزوا معهم جيشا، فإن أهل الشام جمع كثير وجم غفير، وهم يحاجفون عن ابن زياد.

فامتنع سليمان من قبول قولهما وقال: إنا خرجنا لأمر لا نرجع عنه ولا نتأخر فيه.

فانصرف الأميران راجعين إلى الكوفة، وانتظر سليمان بن صرد وأصحابه أصحابهم الذين كانوا قد واعدوهم من أهل البصرة وأهل المدائن فلم يقدموا عليهم ولا واحد منهم.

فقام سليمان في أصحابه خطيبا وحرضهم على الذهاب لما خرجوا عليه، وقال: لو قد سمع إخوانكم بخروجكم للحقوكم سراعا.

فخرج سليمان وأصحابه من النخيلة يوم الجمعة لخمس مضين من ربيع الأول سنة خمس وستين، فسار بهم مراحل، ما يتقدمون مرحلة إلى نحو الشام إلا تخلف عنه طائفة من الناس الذين معه، فلما مروا بقبر الحسين صاحوا صيحة واحدة، وتباكوا وباتوا عنده ليلة يصلون ويدعون، وظلوا يوما يترحمون عليه ويستغفرون له ويترضون عنه ويتمنون أن لو كانوا ماتوا معه شهداء.

قلت: لو كان هذا العزم والاجتماع قبل وصول الحسين إلى تلك المنزلة، لكان أنفع له، وأنصر من اجتماع سليمان وأصحابه لنصرته بعد أربع سنين - ولما أرادوا الانصراف جعل لا يريم أحد منهم حتى يأتي القبر فيترحم عليه ويستغفر له، حتى جعلوا يزدحمون أشد من ازدحامهم عند الحجر الأسود.

ثم ساروا قاصدين الشام، فلما اجتازوا بقرقيسيا تحصن منهم زفر بن الحارث، فبعث إليه سليمان بن صرد: إنا لم نأت لقتالكم فأخرج إلينا سوقا فإنا إنما نقيم عندكم يوما أو بعض يوم.

فأمر زفر بن الحارث أن يخرج إليهم سوق، وأمر للرسول إليه وهو المسيب بن نجبة بفرس وألف درهم.

فقال: أما المال فلا.

وأما الفرس فنعم.

وبعث زفر بن الحارث إلى سليمان بن صرد و رؤوس الأمراء الذين معه إلى كل واحد عشرين جزورا وطعاما وعلفا كثيرا، ثم خرج زفر بن الحارث فشيعهم.

وسار مع سليمان بن صرد وقال له: إنه قد بلغني أن أهل الشام قد جهزوا جيشا كثيفا وعددا كثيرا، مع حصين بن نمير، وشرحبيل بن ذي الكلاع، وأدهم بن محرز الباهلي، وربيعة بن مخارق الغنوي، وجبلة بن عبد الله الخثعمي.

فقال سليمان بن صرد: على الله توكلنا وعلى الله فليتوكل المؤمنون.

ثم عرض عليهم زفر أن يدخلوا مدينته أو يكونوا عند بابها، فإن جاءهم أحد كان معهم عليه، فأبوا أن يقبلوا وقالوا: قد عرض علينا أهل بلدنا مثل ذلك فامتنعنا.

قال: فإذا أبيتم ذلك فبادروهم إلى عين الوردة، فيكون الماء والمدينة والأسواق والسباق خلف ظهوركم، وما بيننا وبينكم فأنتم آمنون منه.

ثم أشار عليهم بما يعتمدونه في حال القتال فقال: ولا تقاتلوهم في فضاء فإنهم أكثر منكم عددا فيحيطون بكم، فإني لا أرى معكم رجالا والقوم ذووا رجال وفرسان، ومعهم كراديس فاحذروهم.

فأثنى عليه سليمان بن صرد والناس خيرا، ثم رجع عنهم، وسار سليمان بن صرد فبادر إلى عين الوردة فنزل غربيها، وأقام هناك قبل وصول أعدائه إليه، واستراح سليمان وأصحابه واطمأنوا.

البداية والنهاية - الجزء الثامن
سنة إحدى وأربعين | معاوية بن أبي سفيان وملكه | فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه | خروج طائفة من الخوارج عليه | رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان | ركانة بن عبد العزيز | صفوان بن أمية | عثمان بن طلحة | عمرو بن الأسود السكوني | عاتكة بنت زيد | سنة ثنتين وأربعين | سنة ثلاث وأربعين | أما عمرو بن العاص | وممن توفي فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الإسرائيلي | سنة أربع وأربعين | وفى هذه السنة توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين | سنة خمس وأربعين | سنة ست وأربعين | سراقة بن كعب شهد بدرا وما بعدها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد | سنة سبع وأربعين | ثم دخلت سنة ثمان وأربعين | سنة تسع وأربعين | الحسن بن علي بن أبي طالب | سنة خمسين من الهجرة | وفيها توفي مدلاج بن عمرو السلمي صحابي جليل | صفية بنت حيي بن أخطب | وأما أم شريك الأنصارية | وأما عمرو بن أمية الضمري | أما جبير بن مطعم | وأما حسان بن ثابت | وأما الحكم بن عمر بن مجدع الغفاري | وأما دحية بن خليفة الكلبي | وأما عقيل بن أبي طالب | وأما كعب بن مالك الأنصاري السلمي | المغيرة بن شعبة | جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية | سنة إحدى وخمسين | وذكر ابن عساكر له مراثي كثيرة | فأما جرير بن عبد الله البجلي | وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب | وأما حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري | وأما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي | وأما عبد الله أنيس بن الجهني أبو يحيى المدني | وأما أبو بكرة نفيع بن الحارث | وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية | ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين | خالد بن زيد بن كليب | وفيها كانت وفاة أبي موسى الأشعري | قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد عبيد الله وعباد | الحطيئة الشاعر | عبد الله بن مالك بن القشب | قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي | معقل بن يسار المزني | أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه | عبد الله بن المغفل المزني | وفيها توفي عمران بن حصين بن عبيد | كعب بن عجزة الأنصاري أبو محمد المدني | معاوية بن خديج | هانئ بن نيار أبو بردة البلوي | ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين | وفيها توفي الربيع بن زياد الحارثي | رويفع بن ثابت | صعصعة بن ناجية | جبلة بن الأيهم الغساني | سنة أربع وخمسين | أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي | ثوبان بن مجدد | جبير بن مطعم | الحارث بن ربعي | حكيم بن حزام | حويطب بن عبد العزى العامري | معبد بن يربوع بن عنكثة | مرة بن شراحيل الهمداني | النعيمان بن عمرو | سودة بنت زمعة | ثم دخلت سنة خمس وخمسين | أرقم بن أبي الأرقم | سحبان بن زفر بن إياس | سعد بن أبي وقاص | فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي | قثم بن العباس بن عبد المطلب | كعب بن عمرو أبو اليسر | ثم دخلت سنة ست وخمسين | سنة سبع وخمسين | قال ابن الجوزي وفيها توفي عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي | سنة ثمان وخمسين | قصة غريبة | توفي في هذا العام سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف | شداد بن أوس بن ثابت | عبد الله بن عامر | عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما | قصته مع ليلى بنت الجودي ملك عرب الشام | عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب | أم المؤمنين عائشة بنت أبو بكر الصديق | ثم دخلت سنة تسع وخمسين | سنة ستين من الهجرة النبوية | وهذه ترجمة معاوية وذكر شيء من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله | ذكر من تزوج من النساء ومن ولد له | فصل قضاء معاوية | صفوان بن المعطل بن رخصة بن المؤمل بن خزاعي أبو عمرو | أبو مسلم الخولاني | يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه | قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله | صفة مخرج الحسين إلى العراق | ثم دخلت سنة إحدى وستين | وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب | فصل مقتل الحسين رضي الله عنه | وأما قبر الحسين رضي الله عنه | وأما رأس الحسين رضي الله عنه | فصل شيء من فضائله | فصل في شيء من أشعاره التي رويت عنه | الحسين بن علي رضي الله عنهما | جابر بن عتيك بن قيس | حمزة بن عمرو الأسلمي | شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي | الوليد بن عقبة بن أبي معيط | أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية حذيفة | ثم دخلت سنة ثنتين وستين | بريدة بن الحصيب الأسلمي | الربيع بن خيثم | علقمة بن قيس أبو شبل النخعي الكوفي | عقبة بن نافع الفهري | عمرو بن حزم | مسلم بن مخلد الأنصاري | مسلم بن معاوية الديلمي | ثم دخلت سنة ثلاث وستين | ثم دخلت سنة أربع وستين | وهذه ترجمة يزيد بن معاوية | أولاد يزيد بن معاوية وعددهم | إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية | إمارة عبد الله بن الزبير | ذكر بيعة مروان بن الحكم | وقعة مرج راهط ومقتل الضحّاك بن قيس الفهري رضي الله عنه | وفيها مقتل النعمان بن بشير الأنصاري | وفيها توفي المسوَّر بن مخرمة بن نوفل | المنذر بن الزبير بن العوام | مصعب بن عبد الرحمن بن عوف | وفي هذه السنة أعني سنة أربع وستين | ذكر هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير | ثم دخلت سنة خمس وستين | وقعة عين وردة | ترجمة مروان بن الحكم | خلافة عبد الملك بن مروان | ثم دخلت سنة ست وستين | فصل تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه | مقتل شمر بن ذي الجوشن أمير السرية التي قتلت حسنا | مقتل خولي بن يزيد الأصبحي الذي احتز رأس الحسين | مقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الذين قتلوا الحسين | فصل خداع المختار ومكره بابن الزبير | فصل مسير إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد | ثم دخلت سنة سبع وستين | وهذه ترجمة ابن زياد | مقتل المختار بن أبي عبيد على يدي مصعب بن الزبير | وهذه ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي | فصل استقرار مصعب بن الزبير بالكوفة | ثم دخلت سنة ثمان وستين | عبد الله بن يزيد الأوسي | وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي | وفيها توفي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن | ذكر صفة أخرى لرؤيته جبريل | فصل تولي ابن عباس إمامة الحج | صفة ابن عباس | ثم دخلت سنة تسع وستين | وهذه ترجمة الأشدق | أبو الأسود الدؤلي | جابر بن سمرة بن جنادة | أسماء بنت يزيد | حسان بن مالك | ثم دخلت سنة سبعين من الهجرة | عاصم بن عمر بن الخطاب | قبيصة بن دؤيب الخزاعي الكلبي | قيس بن ذريج | يزيد بن زياد بن ربيعة الحميري | بشير بن النضر | مالك بن يخامر | ثم دخلت سنة إحدى وسبعين | وهذه ترجمة مصعب بن الزبير | إبراهيم بن الأشتر | عبد الرحمن بن عسيلة | عمر بن سلمة | سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | عمر بن أخطب | يزيد بن الأسود الجرشي السكوني | ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين | وهذه ترجمة عبد الله بن خازم | الأحنف بن قيس | البراء بن عازب | عبيدة السلماني القاضي | عطية بن بشر | عبيدة بن نضيلة | عبد الله بن قيس الرقيّات | عبد الله بن حمام | ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين | وهذه ترجمة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير | عبد الله بن صفوان | عبد الله بن مطيع | عوف بن مالك رضي الله عنه | أسماء بنت أبي بكر | عبد الله سعد بن جثم الأنصاري | عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي | مالك بن مسمع بن غسان البصري | ثابت بن الضحاك الأنصاري | زينب بنت أبي سلمى المخزومي | توبة بنت الصمة