البداية والنهاية/الجزء الثامن/سعد بن أبي وقاص



سعد بن أبي وقاص


واسمه مالك بن أهيب بن عبد مناف بن زُهرة بن كلاب، أبو إسحاق القرشي الزهري، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى الذين توفي رسول الله وهو عنهم راضٍ.

أسلم قديما، قالوا: وكان يوم أسلم عمره سبع عشرة سنة.

وثبت عنه في الصحيح أنه قال: ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام وإني لثلث الإسلام سابع سبعة.

وهو الذي كّوف الكوفة ونفى عنها الأعاجم، وكان مجاب الدعوة، وهاجر وشهد بدرا وما بعدها، وهو أول من رمى بسهم في سبيل الله، وكان فارسا شجاعا من أمراء رسول الله ، وكان في أيام الصديق معظما جليل المقدار، وكذلك في أيام عمر، وقد استنابه على الكوفة، وهو الذي فتح المدائن، وكانت بين يديه وقعة جلولاء.

وكان سيدا مطاعا، وعزله عن الكوفة عن غير عجز ولا خيانة، ولكن لمصلحة ظهرت لعمر في ذلك.

وقد ذكره في الستة أصحاب الشورى، ثم ولاه عثمان بعدها، ثم عزله عنها.

وقال الحميدي: عن سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: شهد سعد بن أبي وقاص وابن عمر دومة الجندل يوم الحكمين.

وثبت في صحيح مسلم: أن ابنه عمر جاء إليه وهو معتزل في إبله فقال: الناس يتنازعون الإمارة وأنت هاهنا؟

فقال: يا بني إني سمعت رسول الله يقول: «إن الله يحب العبد الغني الخفي التقي».

قال ابن عساكر: ذكر بعض أهل العلم أن ابن أخيه هاشم بن عتبة بن أبي وقاص جاءه فقال له: يا عم هاهنا مائة ألف سيف يرونك أحق الناس بهذا الأمر.

فقال: أريد من مائة ألف سيفا واحدا إذا ضربت به المؤمن لم يصنع شيئا، وإذا ضربت به الكافر قطع.

وقال عبد الرزاق عن ابن جريج: حدثني زكريا بن عمر وأن سعد بن أبي وقاص وفد على معاوية فأقام عنده شهر رمضان يقصر الصلاة ويفطر.

وقال غيره: فبايعه وما سأله سعد شيئا إلا أعطاه إياه.

قال أبو يعلى: حدثنا زهير ثنا إسماعيل بن علية، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم.

قال: قال سعد: إني لأول رجل رمى بسهم في المشركين، وما جمع رسول الله أبويه لأحد قبلي.

ولقد سمعته يقول: «إرم فداك أبي وأمي».

وقال أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا إسماعيل، عن قيس سمعت سعد بن مالك يقول: والله إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله، ولقد كنا نغزو مع رسول الله وما لنا طعام نأكله إلا ورق الحبلة وهذا السَّمرُ، حتى أن أحدنا ليضع كما تضع الشاة ماله خِلطٌ.

ثم أصبحت بنو أسد تعزرني على الدين، لقد خبت إذا وضلّ عملي.

وقد رواه شعبة، ووكيع، وغير واحد، عن إسماعيل بن أبي خالد به.

وقال أحمد: حدثنا ابن سعيد، عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن سعد.

قال: جمع لي رسول الله أبويه يوم أُحد.

ورواه أحمد أيضا: عن غندر، عن شعبة، عن يحيى بن سعيد الأنصاري.

وقد رواه الليث وغير واحد عن يحيى الأنصاري.

ورواه غير واحد، عن سعيد بن المسيب، عن سعد.

ورواه الناس من حديث عامر بن سعد، عن أبيه.

وفي بعض الروايات: «فداك أبي وأمي».

وفي رواية: فقال: «إرم وأنت الغلام الحزور».

قال سعيد: وكان سعد جيد الرمي.

وقال الأعمش: عن أبي خالد، عن جابر بن سمرة.

قال: أول الناس رمى بسهم في سبيل الله سعد رضي الله عنه.

وقال أحمد: حدثنا وكيع، ثنا سفيان، عن سعد بن إبراهيم، عن عبد الله بن شداد سمعت عليا يقول: ما سمعت رسول الله يفدي أحدا بأبويه إلا سعد بن مالك، وإني سمعته يقول له يوم أحد: «ارم سعد فداك أمي وأبي».

ورواه البخاري: عن أبي نعيم، عن مسعر، عن سعد بن إبراهيم به.

ورواه شعبة: عن سعد بن إبراهيم.

ورواه سفيان بن عيينة وغير واحد عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عن سعيد بن المسيب، عن علي بن أبي طالب فذكره.

وقال عبد الرزاق: أنا معمر، عن أيوب أنه سمع عائشة بنت سعد تقول: أنا بنت المهاجر الذي فداه رسول الله بالأبوين.

وقال الواقدي: حدثني عبيدة بن نابل، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها.

قال: لقد رأيتني أرمي بالسهم يوم أُحد فيرده عليّ رجل أبيض حسن الوجه لا أعرفه، حتى كان بعد ذلك فظننت أنه ملك.

وقال أحمد: حدثنا سليمان بن داود الهاشمي، ثنا إبراهيم، عن سعد، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص.

قال: لقد رأيت عن يمين رسول الله وعن يساره يوم أُحد رجلين عليهما ثياب بيض يقاتلان عنه كأشد القتال، ما رأيتهما قبل ولا بعد.

ورواه الواقدي: حدثني إسحاق بن أبي عبد الله، عن عبد العزيز - جد ابن أبي عون - عن زياد مولى سعد، عن سعد قال: رأيت رجلين يوم بدر يقاتلان عن رسول الله أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، وإني لأراه ينظر إلى ذا مرة وإلى ذا مرة مسرورا بما ظفره الله عزّ وجلّ.

وقال سفيان: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن أبيه.

قال: اشتركت أنا وسعد وعمار يوم بدر فيما أصبنا من الغنيمة، فجاء سعد بأسيرين ولم أجئ أنا وعمار بشيء.

وقال الأعمش: عن إبراهيم بن علقمة، عن ابن مسعود.

قال: لقد رأيت سعد بن أبي وقاص يوم بدر يقاتل قتال الفارس للراجل.

وقال مالك: عن يحيى بن سعيد، أنه سمع عبد الله بن عامر يقول: قالت عائشة: بات رسول الله أرقا ذات ليلة ثم قال: «ليت رجلا صالحا يحرسني الليلة؟».

قالت: إذ سمعنا صوت السلاح.

فقال: من هذا؟

قال: أنا سعد بن أبي وقاص، أنا أحرسك يا رسول الله.

قالت: فنام رسول الله حتى سمعت غطيطه. أخرجاه من حديث يحيى بن سعيد.

وفي رواية: فدعا له رسول الله ثم نام.

وقال أحمد: حدثنا قتيبة، ثنا رشدين بن سعد، عن يحيى بن الحجاج بن شداد، عن أبي صالح، عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله قال: «أول من يدخل من هذا الباب رجل من أهل الجنة»، فدخل سعد بن أبي وقاص.

وقال أبو يعلى: حدثنا محمد بن المثنى، ثنا عبد الله بن قيس الرقاشي الخراز، بصري: ثنا أيوب، عن نافع، عن ابن عمر.

قال: كنا جلوسا عند رسول الله فقال: «يدخل عليكم من ذا الباب رجل من أهل الجنة».

قال: فليس منا أحد إلا وهو يتمنى أن يكون من أهل بيته، فإذا سعد بن أبي وقاص قد طلع.

وقال حرملة: عن ابن وهب، أخبرني حيوة، أخبرني عقيل، عن ابن شهاب، حدثني من لا أتهم عن أنس بن مالك.

قال: بينا نحن جلوس عند رسول الله فقال: «يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة»، فاطلع سعد بن أبي وقاص، حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك.

قال: فاطلع سعد بن أبي وقاص على ترتيبه الأول، حتى إذا كان الغد قال رسول الله مثل ذلك.

قال: فطلع على ترتيبه.

فلما قام رسول الله ثار عبد الله بن عمرو بن العاص فقال: إني غاضبت أبي فأقسمت أن لا أدخل عليه ثلاث ليالٍ، فإن رأيت أن تؤويني إليك حتى تنحل يميني فعلت.

قال أنس: فزعم عبد الله بن عمرو أنه بات معه ليلة حتى إذا كان الفجر فلم يقم تلك الليلة شيئا، غير أنه كان إذا انقلب على فراشه ذكر الله وكبره حتى يقوم مع الفجر، فإذا صلى المكتوبة أسبغ الوضوء وأتمه ثم يصبح مفطرا.

قال عبد الله بن عمرو: فرمقته ثلاث ليال وأيامهن لا يزيد على ذلك، غير أني لا أسمعه يقول إلا خيرا، فلما مضت الليالي الثلاث وكدت أحتقر عمله، قلت: إنه لم يكن بيني وبين أبي غضب ولا هجر.

ولكني سمعت رسول الله قال ذلك في ثلاث مرات في ثلاث مجالس: «يطلع عليكم رجل من أهل الجنة» فاطلعت أنت أولئك المرات الثلاث.

فأردت أن آوي إليك حتى أنظر ما عملك فأقتدي بك لأنال ما نلت، فلم أرك تعمل كثير عمل، ما الذي بلغ بك ما قال رسول الله؟

فقال: ما هو إلا الذي رأيت.

قال: فلما رأيت ذلك انصرفت فدعا بي حين وليت، فقال: ما هو إلا ما رأيت غير أني لا أجد في نفسي سوءا لأحد من المسلمين، ولا أنوي له شرا ولا أقوله.

قال: قلت: هذه التي بلغت بك وهي التي لا أطيق.

وهكذا رواه صالح المزي، عن عمر بن دينار - مولى الزبير - عن سالم، عن أبيه فذكر مثل رواية أنس بن مالك.

وثبت في صحيح مسلم من طريق سفيان الثوري، عن المقدام بن شريح، عن أبيه، عن سعد في قوله تعالى: { وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ } [الأنعام: 52] نزلت في ستة، أنا وابن مسعود منهم.

وفي رواية: أنزل الله فيَّ: { وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [العنكبوت: 8] .

وذلك أنه لما أسلم امتنعت أمه من الطعام والشراب أياما، فقال لها: تعلمين والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشيء، إن شئت فكلي وإن شئت فلا تأكلي، فنزلت هذه الآية.

وأما حديث الشهادة للعشرة بالجنة فثبت في الصحيح عن سعيد بن زيد.

وجاء من حديث سهيل، عن أبيه، عن أبي هريرة في قصة حراء ذكر سعد بن أبي وقاص منهم.

وقال هشيم وغير واحد: عن مجالد، عن الشعبي، عن جابر.

قال: كنا مع رسول الله فأقبل سعد فقال رسول الله : «هذا خالي فليرني امرؤ خاله».رواه الترمذي.

وقال الطبراني: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، ثنا عبد الوهاب بن الضحاك، ثنا إسماعيل بن عياش، عن صفوان بن عمرو، عن ماعز التميمي، عن جابر قال: كنا مع رسول الله إذ أقبل سعد فقال: «هذا خالي».

وثبت في الصحيح من حديث مالك وغيره، عن الزهري، عن عامر بن سعد، عن أبيه: أن رسول الله جاءه يعوده عام حجة الوداع من وجع اشتد به.

فقلت: يا رسول الله إني ذو مال ولا يرثني إلا ابنة، أفأتصدق بثلثي مالي؟

قال: «لا»!

قلت: فالشطر يا رسول الله ؟

قال: «لا»!

قلت: فالثلث؟

قال: «الثلث والثلث كثير، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس، وإنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها، حتى اللقمة تضعها في فم امرأتك».

قلت: يا رسول الله أخلف بعد أصحابي؟

فقال: «إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة، ولعلك أن تخلف حتى ينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون».

ثم قال: «اللهم أمض لأصحابي هجرتهم، ولا تردهم على أعقابهم، لكن البائس سعد بن خوّلة يرثي له رسول الله أن مات بمكة».

ورواه أحمد: عن يحيى بن سعيد، عن الجعد بن أوس، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها فذكر نحوه، وفيه قال: فوضع يده على جبهته فمسح وجهه وصدره وبطنه وقال: «اللهم اشف سعدا وأتم له هجرته».

قال سعد: فما زلت يخيل إليّ أني أجد برده على كبدي حتى الساعة.

وقال ابن وهب: حدثني موسى بن علي بن رباح، عن أبيه: «أن رسول الله عاد سعدا فقال: «اللهم أذهب عنه البأس، إله الناس، ملك الناس، أنت الشافي لا شافي له إلا أنت، بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك، من حسد وعين، اللهم أصح قلبه وجسمه، واكشف سقمه وأجب دعوته».

وقال ابن وهب: أخبرني عمر، وعن بكر بن الأشج قال: سألت عامر بن سعد عن قول رسول الله لسعد: «وعسى أن تبقى وينتفع بك أقوام ويضر بك آخرون».

فقال: أُمِّرَ سعد على العراق فقتل قوما على الردة فضرهم، واستتاب قوما كانوا سجعوا سجع مسيلمة الكذاب فتابوا فانتفعوا به.

وقال الإمام أحمد: حدثنا المغيرة، ثنا معاذ بن رفاعة، حدثني علي بن زيد، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن أبي أمامة.

قال: جلسنا إلى رسول الله فذكَّرنا ورققنا، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء وقال: يا ليتني مت، فقال رسول الله : «يا سعد إن كنت للجنة خلقت فما طال عمرك أو حسن من عملك فهو خير لك».

وقال موسى بن عقبة وغيره: عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن سعد: إن رسول الله قال: «اللهم سدد رميته وأجب دعوته».

ورواه سيار بن بشير: عن قيس، عن أبي بكر الصديق.

قال: سمعت رسول الله يقول لسعد: «اللهم سدد سهمه وأجب دعوته، وحببه إلى عبادك».

وروي من حديث ابن عباس، وفي رواية محمد بن عائد الدمشقي، عن الهيثم بن حميد، عن مطعم، عن المقدام وغيره أن سعدا قال: يا رسول الله ادع الله أن يجيب دعوتي.

فقال: «إنه لا يستجيب الله دعوة عبد حتى يطيب مطعمه».

فقال: يا رسول الله ادع الله أن يطيب مطعمي، فدعا له».

قالوا: فكان سعد يتورع من السنبلة يجدها في زرعه فيردها من حيث أخذت.

وقد كان كذلك مجاب الدعوة لا يكاد يدعو بدعاء إلا استجيب له، فمن أشهر ذلك ما رُوي في الصحيحين من طريق عبد الملك بن عمير، عن جابر بن سلمة: أن أهل الكوفة شكوا سعدا إلى عمر في كل شيء حتى قالوا: لا يحسن يصلي.

فقال سعد: أما إني لا آلو أن أصلي بهم صلاة رسول الله أطيل الأوليين وأحذف الأخرتين.

فقال: الظن بك يا أبا إسحاق، وكان قد بعث من يسأل عنه بمحال الكوفة، فجعلوا لا يسألون أهل مسجد إلا أثنوا خيرا، حتى مروا بمسجد لبني عبس فقام رجل منهم يقال له أبو سعدة أسامة بن قتادة فقال: إن سعدا كان لا يسير في السرية، ولا يقسم بالسوية، ولا يعدل في الرعية القضية.

فبلغ سعدا فقال: اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء وسمعة فأطل عمره، وأدم فقره، وأعمِ بصره، وعرضه للفتن.

قال: فأنا رأيته بعد ذلك شيخا كبيرا قد سقطت حاجباه على عينيه يقف في الطريق فيغمز الجواري فيقال له، فيقول: شيخ مفتون أصابته دعوة سعد.

وفي رواية غريبة أنه أدرك فتنة المختار بن أبي عبيد فقتل فيها.

وقال الطبراني: ثنا يوسف القاضي، ثنا عمرو بن مرزوق، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، عن سعيد بن المسيب.

قال: خرجت جارية لسعد يقال لها زبراء، وعليها قميص جديد فكشفتها الريح فشد عليها عمر بالدرة، وجاء سعد ليمنعه فتناوله عمر بالدرة فذهب سعد يدعو على عمر، فناوله الدرة وقال: اقتص مني فعفى عن عمر.

وروي أيضا: أنه كان بين سعد وابن مسعود كلام فهمّ سعد أن يدعو عليه فخاف ابن مسعود وجعل يشتد في الهرب.

وقال سفيان بن عيينة: لما كان يوم القادسية كان سعد على الناس وقد أصابته جراح فلم يشهد يوم الفتح، فقال رجل من بجيلة:

ألم تر أن الله أظهر دينه * وسعد بباب القادسية معصم

فأبنا وقد أيمت نساء كثيرة * ونسوة سعد ليس فيهن أيم

فقال سعد: اللهم اكفنا يده ولسانه، فجاءه سهم غرب فأصابه فخرس ويبست يداه جميعا.

وقد أسند زياد البكائي وسيف بن عمر، عن عبد الملك بن عمير، عن قبيصة بن جابر، عن ابن عمر فذكر مثله.

وفيه: ثم خرج سعد فأرى الناس ما به من القروح في ظهره ليعتذر إليهم.

وقال هشيم: عن أبي بلح، عن مصعب بن سعد: أن رجلا نال من علي فنهاه سعد فلم ينته، فقال سعد: أدعو عليك فلم ينته، فدعا الله عليه حتى جاء بعير نادٍ فتخبطه.

وجاء من وجه آخر عن عامر بن سعد: أن سعدا رأى جماعة عكوفا على رجل فأدخل رأسه من بين اثنين فإذا هو يسب عليا وطلحة والزبير، فنهاه عن ذلك فلم ينته، فقال: أدعو عليك، فقال الرجل: تتهددني كأنك نبي؟ فانصرف سعد فدخل دار آل فلان فتوضأ وصلى ركعتين ثم رفع يديه فقال: اللهم إن كنت تعلم أن هذا الرجل قد سب أقواما قد سبق لهم منك سابقة الحسنى، وأنه قد أسخطك سبه إياهم، فاجعله اليوم آية وعبرة.

قال: فخرجت بختية نادة من دار آل فلان لا يردها شيء حتى دخلت بين أضعاف الناس، فافترق الناس فأخذته بين قوائمها، فلم يزل تتخبطه حتى مات.

قال: فلقد رأيت الناس يشتدون وراء سعد يقولون: استجاب الله دعاءك يا أبا إسحاق.

ورواه حماد بن سلمة، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب فذكر نحوه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثني الحسن بن داود بن محمد بن المنكدر القرشي، ثنا عبد الرزاق، عن أبيه، عن مينا مولى عبد الرحمن بن عوف: أن امرأة كانت تطلع على سعد فنهاها فلم تنته، فاطلعت يوما وهو يتوضأ، فقال: شاه وجهك، فعاد وجهها في قفاها.

وقال كثير النوري: عن عبد الله بن بديل قال: دخل سعد على معاوية فقال له: مالك لم تقاتل معنا؟

فقال: إني مرت بي ريح مظلمة فقلت: أخ أخ.

فأنخت راحلتي حتى انجلت عني ثم عرفت الطريق فسرت.

فقال معاوية: ليس في كتاب الله أخ أخ.

ولكن قال الله تعالى: { وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ } [الحجرات: 9] ، فوالله ما كنت مع الباغية على العادلة، ولا مع العادلة على الباغية.

فقال سعد: ما كنت لأقاتل رجلا قال له رسول الله : «أنت مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي».

فقال معاوية: من سمع هذا معك؟

فقال: فلان، وفلان، وأم سلمة.

فقال معاوية: أما إني لو سمعته منه لما قاتلت عليا.

وفي رواية من وجه آخر: أن هذا الكلام كان بينهما وهما بالمدينة في حجة حجها معاوية، وأنهما قاما إلى أم سلمة فسألاها فحدثتهما بما حدث به سعد.

فقال معاوية: لو سمعت هذا قبل هذا اليوم لكنت خادما لعلي حتى يموت أو أموت.

وفي إسناد هذا ضعف والله أعلم.

وقد روي عن سعد أنه سمع رجلا يتكلم في علي وفي خالد، فقال: إنه لم يبلغ ما بيننا إلى ديننا.

وقال محمد بن سيرين: طاف سعد على تسع جوار في ليلة، فلما انتهى إلى العاشرة أخذه النوم فاستحيت أن توقظه.

ومن كلامه الحسن أنه قال لابنه مصعب: يا بني إذا طلبت شيئا فاطلبه بالقناعة، فإنه من لا قناعة له لم يغنه المال.

وقال حماد بن سلمة عن سماك بن حرب، عن مصعب بن سعد.

قال: كان رأس أبي في حجري وهو يقضي فبكيت، فقال: ما يبكيك يا بني؟ والله إن الله لا يعذبني أبدا، وإني من أهل الجنة، إن الله يدين للمؤمنين بحسناتهم فاعملوا لله، وأما الكفار فيخفف عنهم بحسناتهم، فإذا نفدت قال: ليطلب كل عامل ثواب عمله ممن عمل له.

وقال الزهري: لما حضرت سعدا الوفاة، دعا بخلق جبة فقال: كفنوني في هذه فإني لقيت فيها المشركين يوم بدر، وإنما خبأتها لهذا اليوم.

وكانت وفاة سعد بالعقيق خارج المدينة، فحمل إلى المدينة على أعناق الرجال فصلى عليه مروان، وصلى بصلاته أمهات المؤمنين الباقيات الصالحات، ودفن بالبقيع، وكان ذلك في هذه السنة - سنة خمس وخمسين - على المشهور الذي عليه الأكثرون، وقد جاوز الثمانين على الصحيح.

قال علي بن المديني: وهو آخر العشرة وفاة.

وقال غيره: كان آخر المهاجرين وفاة رضي الله عنه وعنهم أجمعين.

وقال الهيثم بن عدي: سنة خمسين.

وقال أبو معشر، وأبو نعيم مغيث بن المحرر: توفي سعد سنة ثمان وخمسين.

زاد مغيث: وفيها: توفي الحسن بن علي، وعائشة، وأم سلمة، والصحيح الأول - خمس وخمسين - قالوا: وكان قصيرا، غليظا، شثن الكفين، أفطس، أشعر الجسد، يخضب بالسواد، وكان ميراثه مائتي ألف وخمسين ألفا.

البداية والنهاية - الجزء الثامن
سنة إحدى وأربعين | معاوية بن أبي سفيان وملكه | فضل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه | خروج طائفة من الخوارج عليه | رفاعة بن رافع بن مالك بن العجلان | ركانة بن عبد العزيز | صفوان بن أمية | عثمان بن طلحة | عمرو بن الأسود السكوني | عاتكة بنت زيد | سنة ثنتين وأربعين | سنة ثلاث وأربعين | أما عمرو بن العاص | وممن توفي فيها عبد الله بن سلام أبو يوسف الإسرائيلي | سنة أربع وأربعين | وفى هذه السنة توفيت أم حبيبة بنت أبي سفيان أم المؤمنين | سنة خمس وأربعين | سنة ست وأربعين | سراقة بن كعب شهد بدرا وما بعدها عبد الرحمن بن خالد بن الوليد | سنة سبع وأربعين | ثم دخلت سنة ثمان وأربعين | سنة تسع وأربعين | الحسن بن علي بن أبي طالب | سنة خمسين من الهجرة | وفيها توفي مدلاج بن عمرو السلمي صحابي جليل | صفية بنت حيي بن أخطب | وأما أم شريك الأنصارية | وأما عمرو بن أمية الضمري | أما جبير بن مطعم | وأما حسان بن ثابت | وأما الحكم بن عمر بن مجدع الغفاري | وأما دحية بن خليفة الكلبي | وأما عقيل بن أبي طالب | وأما كعب بن مالك الأنصاري السلمي | المغيرة بن شعبة | جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية | سنة إحدى وخمسين | وذكر ابن عساكر له مراثي كثيرة | فأما جرير بن عبد الله البجلي | وأما جعفر بن أبي سفيان بن عبد المطلب | وأما حارثة بن النعمان الأنصاري النجاري | وأما سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل القرشي | وأما عبد الله أنيس بن الجهني أبو يحيى المدني | وأما أبو بكرة نفيع بن الحارث | وفيها توفيت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث الهلالية | ثم دخلت سنة ثنتين وخمسين | خالد بن زيد بن كليب | وفيها كانت وفاة أبي موسى الأشعري | قصة يزيد بن ربيعة بن مفرغ الحميري مع ابني زياد عبيد الله وعباد | الحطيئة الشاعر | عبد الله بن مالك بن القشب | قيس بن سعد بن عبادة الخزرجي | معقل بن يسار المزني | أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه | عبد الله بن المغفل المزني | وفيها توفي عمران بن حصين بن عبيد | كعب بن عجزة الأنصاري أبو محمد المدني | معاوية بن خديج | هانئ بن نيار أبو بردة البلوي | ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين | وفيها توفي الربيع بن زياد الحارثي | رويفع بن ثابت | صعصعة بن ناجية | جبلة بن الأيهم الغساني | سنة أربع وخمسين | أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي | ثوبان بن مجدد | جبير بن مطعم | الحارث بن ربعي | حكيم بن حزام | حويطب بن عبد العزى العامري | معبد بن يربوع بن عنكثة | مرة بن شراحيل الهمداني | النعيمان بن عمرو | سودة بنت زمعة | ثم دخلت سنة خمس وخمسين | أرقم بن أبي الأرقم | سحبان بن زفر بن إياس | سعد بن أبي وقاص | فضالة بن عبيد الأنصاري الأوسي | قثم بن العباس بن عبد المطلب | كعب بن عمرو أبو اليسر | ثم دخلت سنة ست وخمسين | سنة سبع وخمسين | قال ابن الجوزي وفيها توفي عثمان بن حنيف الأنصاري الأوسي | سنة ثمان وخمسين | قصة غريبة | توفي في هذا العام سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف | شداد بن أوس بن ثابت | عبد الله بن عامر | عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما | قصته مع ليلى بنت الجودي ملك عرب الشام | عبيد الله بن عباس بن عبد المطلب | أم المؤمنين عائشة بنت أبو بكر الصديق | ثم دخلت سنة تسع وخمسين | سنة ستين من الهجرة النبوية | وهذه ترجمة معاوية وذكر شيء من أيامه وما ورد في مناقبه وفضائله | ذكر من تزوج من النساء ومن ولد له | فصل قضاء معاوية | صفوان بن المعطل بن رخصة بن المؤمل بن خزاعي أبو عمرو | أبو مسلم الخولاني | يزيد بن معاوية وما جرى في أيامه | قصة الحسين بن علي وسبب خروجه من مكة في طلب الإمارة وكيفية مقتله | صفة مخرج الحسين إلى العراق | ثم دخلت سنة إحدى وستين | وهذه صفة مقتله مأخوذة من كلام أئمة هذا الشأن لا كما يزعمه أهل التشيع من الكذب | فصل مقتل الحسين رضي الله عنه | وأما قبر الحسين رضي الله عنه | وأما رأس الحسين رضي الله عنه | فصل شيء من فضائله | فصل في شيء من أشعاره التي رويت عنه | الحسين بن علي رضي الله عنهما | جابر بن عتيك بن قيس | حمزة بن عمرو الأسلمي | شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي | الوليد بن عقبة بن أبي معيط | أم سلمة أم المؤمنين هند بنت أبي أمية حذيفة | ثم دخلت سنة ثنتين وستين | بريدة بن الحصيب الأسلمي | الربيع بن خيثم | علقمة بن قيس أبو شبل النخعي الكوفي | عقبة بن نافع الفهري | عمرو بن حزم | مسلم بن مخلد الأنصاري | مسلم بن معاوية الديلمي | ثم دخلت سنة ثلاث وستين | ثم دخلت سنة أربع وستين | وهذه ترجمة يزيد بن معاوية | أولاد يزيد بن معاوية وعددهم | إمارة معاوية بن يزيد بن معاوية | إمارة عبد الله بن الزبير | ذكر بيعة مروان بن الحكم | وقعة مرج راهط ومقتل الضحّاك بن قيس الفهري رضي الله عنه | وفيها مقتل النعمان بن بشير الأنصاري | وفيها توفي المسوَّر بن مخرمة بن نوفل | المنذر بن الزبير بن العوام | مصعب بن عبد الرحمن بن عوف | وفي هذه السنة أعني سنة أربع وستين | ذكر هدم الكعبة وبنائها في أيام ابن الزبير | ثم دخلت سنة خمس وستين | وقعة عين وردة | ترجمة مروان بن الحكم | خلافة عبد الملك بن مروان | ثم دخلت سنة ست وستين | فصل تتبع قتلة الحسين رضي الله عنه | مقتل شمر بن ذي الجوشن أمير السرية التي قتلت حسنا | مقتل خولي بن يزيد الأصبحي الذي احتز رأس الحسين | مقتل عمر بن سعد بن أبي وقاص أمير الذين قتلوا الحسين | فصل خداع المختار ومكره بابن الزبير | فصل مسير إبراهيم بن الأشتر إلى عبيد الله بن زياد | ثم دخلت سنة سبع وستين | وهذه ترجمة ابن زياد | مقتل المختار بن أبي عبيد على يدي مصعب بن الزبير | وهذه ترجمة المختار بن أبي عبيد الثقفي | فصل استقرار مصعب بن الزبير بالكوفة | ثم دخلت سنة ثمان وستين | عبد الله بن يزيد الأوسي | وعبد الرحمن بن زيد بن الخطاب العدوي | وفيها توفي عبد الله بن عباس ترجمان القرآن | ذكر صفة أخرى لرؤيته جبريل | فصل تولي ابن عباس إمامة الحج | صفة ابن عباس | ثم دخلت سنة تسع وستين | وهذه ترجمة الأشدق | أبو الأسود الدؤلي | جابر بن سمرة بن جنادة | أسماء بنت يزيد | حسان بن مالك | ثم دخلت سنة سبعين من الهجرة | عاصم بن عمر بن الخطاب | قبيصة بن دؤيب الخزاعي الكلبي | قيس بن ذريج | يزيد بن زياد بن ربيعة الحميري | بشير بن النضر | مالك بن يخامر | ثم دخلت سنة إحدى وسبعين | وهذه ترجمة مصعب بن الزبير | إبراهيم بن الأشتر | عبد الرحمن بن عسيلة | عمر بن سلمة | سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم | عمر بن أخطب | يزيد بن الأسود الجرشي السكوني | ثم دخلت سنة ثنتين وسبعين | وهذه ترجمة عبد الله بن خازم | الأحنف بن قيس | البراء بن عازب | عبيدة السلماني القاضي | عطية بن بشر | عبيدة بن نضيلة | عبد الله بن قيس الرقيّات | عبد الله بن حمام | ثم دخلت سنة ثلاث وسبعين | وهذه ترجمة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير | عبد الله بن صفوان | عبد الله بن مطيع | عوف بن مالك رضي الله عنه | أسماء بنت أبي بكر | عبد الله سعد بن جثم الأنصاري | عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي | مالك بن مسمع بن غسان البصري | ثابت بن الضحاك الأنصاري | زينب بنت أبي سلمى المخزومي | توبة بنت الصمة