البداية والنهاية/الجزء الخامس/فصل ارتداد العرب بوفاته صلى الله عليه وسلم
قال محمد بن إسحاق: ولما توفي رسول الله ﷺ ارتدت العرب، واشرأبت اليهودية والنصرانية، ونجم النفاق، وصار المسلمون كالغنم المطيرة في الليلة الشاتية لفقد نبيهم حتى جمعهم الله على أبي بكر رضي الله عنه.
قال ابن هشام: وحدثني أبو عبيدة وغيره من أهل العلم أن أكثر أهل مكة لما توفي رسول الله ﷺ هموا بالرجوع عن الإسلام وأرادوا ذلك، حتى خافهم عتاب بن أسيد رضي الله عنه فتوارى، فقام سهيل بن عمرو رضي الله عنه، فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر وفاة رسول الله ﷺ وقال: إن ذلك لم يزد الإسلام إلا قوة، فمن رابنا ضربنا عنقه، فتراجع الناس وكفوا عما هموا به، فظهر عتاب بن أسيد.
فهذا المقام الذي أراد رسول الله ﷺ في قوله لعمر بن الخطاب - يعني: حين أشار بقلع ثنيته حين وقع في الأسارى يوم بدر - إنه عسى أن يقوم مقاما لا تذمنه.
قلت: وسيأتي عما قريب إن شاء الله ذكر ما وقع بعد وفاة رسول الله ﷺ من الردة في أحياء كثيرة من العرب، وما كان من أمر مسيلمة بن حبيب المتنبئ باليمامة، والأسود العنسي باليمن، وما كان من أمر الناس حتى فاءوا ورجعوا إلى الله تائبين نازعين عما كانوا عليه في حال ردتهم من السفاهة والجهل العظيم، الذي استفزهم الشيطان به، حتى نصرهم الله وثبتهم وردهم إلى دينه الحق على يدي الخليفة الصديق أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه كما سيأتي مبسوطا مبينا مشروحا، إن شاء الله.