البداية والنهاية/الجزء الخامس/قدوم طارق بن عبيد الله وأصحابه
روى الحافظ البيهقي من طريق أبي خباب الكلبي عن جامع بن شداد المحاربي، حدثني رجل من قومي يقال له: طارق بن عبد الله قال: إني لقائم بسوق ذي المجاز إذ أقبل رجل عليه جبة وهو يقول: يا أيها الناس قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، ورجل يتبعه يرميه بالحجارة وهو يقول: يا أيها الناس إنه كذاب.
فقلت: من هذا؟
فقالوا: هذا غلام من بني هاشم يزعم أنه رسول الله.
قال: قلت: من هذا الذي يفعل به هذا؟
قالوا: هذا عمه عبد العزى.
قال: فلما أسلم الناس وهاجروا، خرجنا من الربذة نريد المدينة نمتار من تمرها، فلما دنونا من حيطانها ونخلها قلت: لو نزلنا فلبسنا ثيابا غير هذه، إذا رجل في طمرين فسلم علينا وقال: من أين أقبل القوم؟
قلنا: من الربذة.
قال: وأين تريدون؟
قلنا: نريد هذه المدينة.
قال: ما حاجتكم منها؟
قلنا: نمتار من تمرها.
قال: ومعنا ظعينة لنا، ومعنا جمل أحمر مخطوم.
فقال: أتبيعوني جملكم هذا؟
قلنا: نعم!بكذا وكذا صاعا من تمر.
قال: فما استوضعنا مما قلنا شيئا، وأخذ بخطام الجمل وانطلق، فلما توارى عنا بحيطان المدينة ونخلها.
قلنا: ما صنعنا والله ما بعنا جملنا ممن يعرف، ولا أخذنا له ثمنا.
قال: تقول المرأة التي معنا: والله لقد رأيت رجلا كأن وجهه شقة القمر ليلة البدر، أنا ضامنة لثمن جملكم، إذ أقبل الرجل فقال: أنا رسول الله إليكم، هذا تمركم فكلوا، واشبعوا، واكتالوا، واستوفوا، فأكلنا، وشبعنا، واكتلنا، واستوفينا، ثم دخلنا المدينة، فدخلنا المسجد فإذا هو قائم على المنبر يخطب الناس، فأدركنا من خطبته وهو يقول: «تصدقوا فإن الصدقة خير لكم، اليد العليا خير من اليد السفلى، أمك وأباك، وأختك وأخاك، وأدناك أدناك».
إذ أقبل رجل من بني يربوع أو قال: رجل من الأنصار، فقال: يا رسول الله لنا في هؤلاء دماء في الجاهلية، فقال: «إن أبا لا يجني على ولد، ثلاث مرات».
وقد روى النسائي فضل الصدقة منه عن يوسف بن عيسى، عن الفضل بن موسى، عن يزيد بن زياد ابن أبي الجعد، عن جامع بن شداد، عن طارق بن عبد الله المحاربي ببعضه.
ورواه الحافظ البيهقي أيضا عن الحاكم، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن يزيد بن زياد، عن جامع بن طارق بطوله، كما تقدم وقال فيه: فقالت الظعينة: لا تلاوموا فلقد رأيت وجه رجل لا يغدر ما رأيت شيئا أشبه بالقمر ليلة البدر من وجهه.