الفتاوى الكبرى/كتاب النكاح/7

529 - 131 قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

السنة: تخفيف الصداق وأن لا يزيد على نساء النبي وبناته: فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي أنه قال: [ إن أعظم النساء بركة أيسرهن مؤونة ] وعن ابن عباس عن النبي قال: [ خيرهن أيسرهن صداقا ] وعن الحسن البصري قال: [ قال ] رسول الله : [ إلزموا النساء الرجال ولا تغالوا في المهور ] وخطب عمر بن الخطاب الناس فقال: ألا لا تغالوا في مهور النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله: كان أولاكم النبي ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية قال الترمذي: حديث صحيح

ويكره للرجل أن يصدق المرأة صداقا يضر به إن نقده ويعجز عن وفائه إن كان دينا قال أبو هريرة: جاء رجل إلى النبي فقال: إني تزوجت امرأة من الأنصار فقال: [ على كم تزوجتها؟ ] قال: على أربع أوراق فقال النبي : [ على أربع أوراق فكأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ! ما عندنا ما نعطيك ولكن عسى أن نبعثك في بعث تصيب منه ] قال: فبعث بعثا إلى بني عبس فبعث ذلك الرجل فيهم رواه مسلم في صحيحه والأوقية عندهم أربعون درهما وهي مجموع الصداق ليس فيه مقدم ومؤخر وعن أبي عمرو بن الأسلمي: إنه ذكر أنه تزوج امرأة فأتى النبي يستعينه في صداقها فقال: [ كم صدقت؟ ] قال: فقلت: مائتي درهم فقال: [ لو كنتم تغرفون الدراهم من أوديتكم ما زدتم ] رواه الإمام أحمد في مسنده وإذا أصدقها دينا كثيرا في ذمته وهو ينوي أن لا يعطيها إياه كان ذلك حراما عليه فإنه قد روى أبو هريرة قال قال رسول: [ من تزوج امرأة بصداق ينوي أن لا يؤديه إليها فهو زان ومن أدان دينا ينوي أن لا يقضيه فهو سارق ]

وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر وهم لا يقصدون أخذه من الزوج وهو ينوي أن لا يعطيهم إياه: فهذا منكر قبيح مخالف للسنة خارج عن الشريعة

وإن قصد الزوج أن يؤديه وهو في الغالب لا يطيقه فقد حمل نفسه وشغل ذمته وتعرض لنقص حسناته وارتهانه بالدين وأهل المرأة قد آذوا صهرهم وضروه

والمستحب في الصداق مع القدرة واليسار: أن يكون جميع عاجله وآجله لا يزيد على مهر أزواج النبي ولا بناته وكان ما بين أربعمائة إلى خمسمائة بالدراهم الخالصة نحوا من تسعة عشر دينارا فهذه سنة رسول الله من فعل ذلك فقد استن بسنة رسول الله في الصداق قال أبو هريرة رضي الله عنه: كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله عشر أواق وطبق بيديه وذلك أربعمائه درهم رواه الإمام أحمد في مسنده وهذا لفظ أبي داود في سننه وقال أبو سلمة: قلت لعائشة: كم كان صداق رسول الله؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش؟ قلت: لا قالت: نصف أوقية: فذلك خمسمائة درهم رواه مسلم في صحيحه وقد تقدم عن عمر أن صداق بنات رسول الله كان نحوا من ذلك فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة: فهو جاهل أحمق وكذلك صداق أمهات المؤمنين وهذا مع القدرة واليسار فأما الفقر ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا ما يقدر على وفائه من غير مشقة

والأولى تعجيل الصداق كله للمرأة قبل الدخول إذا أمكن فإن قدم البعض وأخر البعض فهو جائز وقد كان السلف الصالح الطيب يرخصون الصداق فتزوج عبد الرحمن بن عوف في عهد رسول الله على وزن نواة من ذهب قالوا: وزنها ثلاثة دراهم وثلث وزوج سعيد بن المسيب بنته على درهمين وهي من أفضل أيم من قريش بعد أن خطبها الخليفة لابنه فأبى أن يزوجها به والذي نقل عن بعض السلف من تكثير صداق النساء فإنما كان ذلك لأن المال اتسع عليهم وكانوا يجعلون الصداق كله قبل الدخول فلم يكونوا يؤخرون منه شيئا ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقا كثيرا فلا بأس بذلك كما قال تعالى: { وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا } أما من يشغل ذمته بصداق لا يريد أن يؤديه أو يعجز عن وفائه: فهذا مكروه كما تقدم وكذلك من جعل في ذمته صداقا كثيرا من غير وفاء له: فهذا ليس بمسنون والله أعلم

530 - 132 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل تزوج بامرأة فشرط عليه عند النكاح أنه لا يتزوج عليها ولا ينقلها من منزلها وكانت لها ابنة فشرط عليه أن تكون عند أمها وعنده ما تزال فدخل على ذلك كله فهل يلزمه الوفاء؟ وإذا أخلف هذا الشرط فهل للزوجة الفسخ أم لا؟

أجاب: الحمد لله نعم تصح هذه الشروط وما في معناها في مذهب الإمام أحمد وغيره من الصحابة والتابعين وتابعيهم: كعمر بن الخطاب وعمرو بن العاص رضي الله عنهما وشريح القاضي والأوزاعي وإسحاق ولهذا يوجد في هذا الوقت صداقات أهل المغرب القديمة لما كانوا على مذهب الأوزاعي فيها هذه الشروط ومذهب مالك: إذا شرط أنه إذا تزوج عليها أو تسري أن يكون أمرها بيدها ونحو ذلك صح هذا الشرط أيضا وملكت المرأة نفسها وملكت الفرقة به

وهو في المعنى نحو مذهب أحمد في ذلك لما أخرجاه في الصحيحين عن النبي أنه قال: [ إن أحق الشروط أن توفوا به ما استحللتم به الفروج ] وقال عمر بن الخطاب: مقاطع الحقوق عند الشروط فجعل النبي ما يستحل به الفروج من الشروط أحق بالوفاء من غيره وهذا نص في مثل هذه الشروط إذ ليس هناك شرط يوفى به بالإجماع غير الصداق والكلام فتعين أن تكون هي هذه الشروط

وأما شرط مقام ولدها عندها ونفقته عليه فهذا مثل الزيادة في الصداق والصداق يحتمل من الجهالة فيه في المنصوص وعن أحمد وهو مذهب أبي حنيفة ومالك: ما لا يحتمل في الثمن والأجرة وكل جهالة تنقص عن جهالة مهر المثل تكون أحق بالجواز لا سيما مثل هذا يجوز في الإجارة ونحوها في مذهب أحمد وغيره إن استأجر الأجير بطعامه وكسوته ويرجع في ذلك إلى العرف فكذلك اشتراط النفقة على ولدها يرجع فيه إلى العرف بطريق الأولى

ومتى لم يوف لها بهذه الشروط فتزوج أو تسرى فلها فسخ النكاح لكن في توقف ذلك على الحاكم نزاع لكونه خيارا مجتهدا فيه كخيار العنة والعيوب إذ فيه خلاف أو يقال: لا يحتاج إلى اجتهاد في ثبوته وإن وقع نزاع في الفسخ به كخيار المعتقة يثبت في مواضع الخلاف عند القائلين به بلا حكم حاكم: مثل أن يفسخ على التراخي

وأصل ذلك أن توقف الفسخ على الحكم هل هو الاجتهاد في ثبوت الحكم أيضا أو أن الفرقة يحتاط لها؟ والأقوى أن الفسخ المختلف فيه كالعنة لا يفتقر إلى حكم حاكم لكن إذا رفع إلى حاكم يرى فيه إمضاءه أمضاه وإن رأى إبطاله أبطله والله أعلم

531 - 133 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن امرأة لها زوج ولها عليه صداق فلما حضرتها الوفاة أحضرت شاهد عدل وجماعة نسوة وأشهدت على نفسها أنها أبرأته من الصداق فهل يصح الإبراء أم لا؟

وعن رجل وصف له شحم الخنزير لمرض به هل يجوز له ذلك أم لا؟

وعن رجل تزوج بيتيمة صغيرة وعقد عقدها شافعي المذهب ولم تدرك إلا بعد شهرين فهل هذا العقد جائز أم لا؟

أجاب: الحمد لله إن كان الصداق ثابتا عليه إلى أن مرضت مرض الموت لم يصح ذلك إلا بإجازة الورثة الباقين وأما إن كانت أبرأته في الصحة جاز ذلك وثبت بشاهد ويمين عند مالك والشافعي وأحمد وثبت أيضا بشهادة امرأتين ويمين عند مالك وقول في مذهب أحمد وإن أقرت في مرضها أنها أبرأته في الصحة لم يقبل هذا الإقرار عند أبي حنيفة وأحمد وغيرهما ويقبل عند الشافعي وقد قال النبي : [ إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث وليس للمريض أن يخص الوارث بأكثر مما أعطاه الله ]

وأما التداوي: بأكل شحم الخنزير فلا يجوز وأما التداوي بالتلطخ به ثم يغسله بعد ذلك فهذا ينبني على جواز مباشرة النجاسة في غير الصلاة وفيه نزاع مشهور والصحيح أنه يجوز للحاجة كما يجوز استنجاء الرجل بيده وإزالة النجاسة بيده وما أبيح للحاجة جاز التداوي به كما يجوز التداوي بلبس الحرير على أصح القولين وما أبيح للضرورة كالمطاعم الخبيثة فلا يجوز التداوي بها كما لا يجوز التداوي بشرب الخمر لا سيما على قول من يقول أنهم كانوا ينتفعون بشحوم الميتة في طلي السفن ودهن الجلود والاستصباح به وأقرهم النبي على ذلك وإنما نهاهم عن ثمنه ولهذا رخص من لم يقل بطهارة جلود الميتة بالدباغ في الانتفاع بها في اليابسات في أصح القولين وفي المائعات التي لا تنجسها

وأما اليتيمة: التي لم تبلغ قبل وولي تزويجها غير الأب والجد كالأخ والعم والسلطان الذي هو حاكم ونواب الحاكم في العقود فللفقهاء في ذلك ثلاثة أقوال:

أحدها: لا يجوز وهو مذهب مالك والشافعي وأحمد في رواية

والثاني: يجوز النكاح بلا إذنها لها الخيار إذا بلغت وهو مذهب أبي مذهب ورواية عن أحمد

والثالث: أنها تزوج بإذنها ولا خيار لها إذا بلغت وهذا هو مذهب أحمد المشهور عنه فهذه التي لم تبلغ يجوز نكاحها في مذهب أبي حنيفة وأحمد وغيرهما ولو زوجها حاكم يرى ذلك فهل يكون تزويجه حكما لا يمكن نقضه أو يفتقر إلى حكم من غيره يصحح ذلك على وجهين في مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما أصحبوا الأول لكن الحاكم المزوج هنا شافعي فإن كان قد تقلد قول من صحح هذا النكاح وراعى سائر شروطه وكان ممن له ذلك جاز وإن كان أقدم على [ ذلك وهو ] يعتقد تحريمه كان فعله غير جائز وإن كان قد ظنها بالغا فزوجها فبانت غير بالغ لم يكن في الحقيقة قد زوجها فلا يكون النكاح صحيحا والله أعلم

532 - 134 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن بنت الزنا: هل تزوج بأبيها؟

أجاب: الحمد لله مذهب الجمهور من العلماء أنه لا يجوز التزويج بها وهو الصواب المقطوع به حتى تنازع الجمهور: هل يقتل من فعل ذلك؟ على قولين والمنقول عن أحمد: أنه يقتل من فعل ذلك فقد يقال: هذا إذا لم يكن متأولا وأما المتأول فلا يقتل وإن كان مخطئا وقد يقال: هذا مطلقا كما قاله الجمهور: إنه يجلد من شرب النبيذ المختلف فيه متأولا وإن كان مع ذلك لا يفسق عند الشافعي وأحمد في إحدى الروايتين وفسقه مالك وأحمد في الرواية الأخرى والصحيح: أن المتأول المعذور لا يفسق بل ولا يأثم وأحمد لم يبلغه أن في هذه المسألة خلافا فإن الخلاف فيها إنما ظهر في زمنه لم يظهر في زمن السلف فلهذا لم يعرفه

والذين سوغوا نكاح البنت من الزنا حجتهم في ذلك أن قالوا: ليست هذه بنتا في الشرع بدليل أنهما لا يتوارثان ولا يجب نفقتها ولا يلي نكاحها ولا تعتق عليه بالملك ونحو ذلك من أحكام النسب وإذا لم تكن بنتا في الشرع لم تدخل في آية التحريم فتبقى داخلة في قوله: { وأحل لكم ما وراء ذلكم }

وأما حجة الجمهور فهو أن يقال: قول الله تعالى: { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم } الآية هو متناول لكل من شمله هذا اللفظ سواء كان حقيقة أو مجازا وسواء ثبت في حقه التوارث وغيره من الأحكام أم لم يثبت إلا التحريم خاصة ليس العموم في آية التحريم كالعموم في آية الفرائض ونحوها كقوله تعالى: { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } وبيان ذلك من ثلاثة أوجه:

أحدها أن آية التحريم تتناول البنت وبنت الابن وبنت البنت كما يتناول لفظ العمة عمة الأب والأم والجد وكذلك بنت الأخت وبنت ابن الأخت وبنت بنت الأخت ومثل هذا العموم لا يثبت لا في آية الفرائض ولا نحوها من الآيات والنصوص التي علق فيها الأحكام بالأنساب

الثاني إن تحريم النكاح يثبت بمجرد الرضاعة كما قال النبي : [ يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة ] وفي لفظ [ ما يحرم من النسب ] وهذا حديث متفق على صحته وعمل الأئمة به: فقد حرم الله على المرأة أن تتزوج بطفل غذته من لبنها أو أن تنكح أولاده وحرم على أمهاتها وعماتها وخالتها بل حرم على الطفلة المرتضعة من امرأة أن تتزوج بالفحل صاحب اللبن وهو الذي وطئ المرأة حتى در اللبن بوطئه فإذا كان يحرم على الرجل أن ينكح بنته من الرضاع ولا يثبت في حقها شيء من أحكام النسب سوى التحريم وما يتبعها من الحرمة فكيف يباح لم نكاح بنت خلقت من مائه؟ ! وأين المخلوقة من مائه من المتغذية بلبن در بوطئه؟ ! فهذا يبين التحريم من جهة عموم الخطاب ومن جهة التنبيه والفحوى وقياس الأولى

الثالث إن الله تعالى قال: { وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم } قال العلماء: احتراز عن ابنه الذي تبناه كما قال: { لكي لا يكون على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهن وطرا } ومعلوم أنهم في الجاهلية كانوا يستلحقون ولد الزنا أعظم مما يستلحقون ولد المتبني فإذا كان الله تعالى قيد ذلك بقوله: ( من أصلابكم ) علم أن لفظ البنات ونحوها يشمل كل من كان في لغتهم داخلا في الاسم

وأما قول القائل: إنه لا يثبت في حقها الميراث ونحوه فجوابه أن النسب تتبعض أحكامه فقد ثبت بعض أحكام النسب دون بعض كما وافق أكثر المنازعين في ولد الملاعنة على أنه يحرم على الملاعن ولا يرثه واختلف العلماء في استلحاق ولد الزنا إذا لم يكن فراشا؟ على قولين كما ثيت عن النبي أنه ألحق ابن وليدة زمعة بن الأسود بن زمعة بن الأسود وكان قد أحبلها عتبة بن أبي وقاص فاختصم فيه سعد وعبد بن زمعة فقال سعد: ابن أخي عهد إلي أن ابن وليدة زمعة هذا ابني فقال عبد: أخي وابن وليدة أبي ولد على فراش أبي فقال النبي : [ هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر احتجبي منه يا سودة ] لما رأى من شبهه البين بعتبة فجعله أخاها في الميراث دون حرمة

وقد تنازع العلماء في ولد الزنا: هل يعتق بالملك؟ على قولين في مذهب أبي حنيفة وأحمد

وهذه المسألة لها بسط لا تسعه هذه الورقة ومثل هذه المسألة الضعيفة ليس لأحد أن يحكيها عن إمام من أئمة المسلمين لا على وجه القدح فيه ولا على وجه المتابعة له فيها فإن في ذلك ضربا من الطعن في الأئمة واتباع الأقوال الضعيفة وبمثل ذلك صار وزير التتر يلقي الفتنة بين مذاهب أهل السنة حتى يدعوهم إلى الخروج عن السنة والجماعة ويوقعهم في مذاهب الرافضة وأهل الإلحاد والله أعلم

533 - 135 وسئل عمن زنى بأخته ماذا يجب عليه؟

أجاب: أما من زنى بأخته مع علمه بتحريم ذلك وجب قتله والحجة في ذلك ما رواه البراء بن عازب قال: مر بي خالي أبو بردة ومعه راية فقلت له: أين تذهب يا خالي؟ قال: بعثني رسول الله إلى رجل تزوج بامرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه وأخمس ماله والله أعلم

534 - 136 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن أقوام يعاشرون المردان وقد يقع من أحدهم قبلة ومضاجعة للصبي ويدعون أنه يصحبون لله ولا يعدون ذلك ذنبا ولا عارا ويقولون: نحن نصحبهم بغير خنا ويعلم أبو الصبي بذلك وعمه وأخوه فلا ينكرون: فما حكم الله تعالى في هؤلاء؟ وماذا ينبغي للمرء المسلم أن يعاملهم به والحالة هذه؟

أجاب: الحمد لله الصبي الأمرد المليح بمنزلة المرأة الأجنبية في كثير من الأمور ولا يجوز تقبيله على وجه اللذة بل لا يقبله إلا من يؤمن عليه: كالأب والأخوة ولا يجوز النظر إليه على هذا الوجه باتفاق للناس بل يحرم عند جمهورهم النظر إليه عند خوف ذلك وإنما ينظر إليه لحاجة بلا ريبة مثل معاملته والشهادة عليه ونحو ذلك كما ينظر إلى المرأة للحاجة

وأما مضاجعته : فهذا أفحش من أن يسأل عنه فإن النبي قال: [ مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ] إذا بلغوا عشر سنين ولم يحتلموا بعد فكيف بما هو فوق ذلك وإذا كان النبي قد قال: [ لا يخلو رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ] وقال: [ إياكم والدخول على النساء قالوا: يا رسول الله ! أفرأيت الحم؟ قال الحم الموت ] فإذا كانت الخلوة محرمة لما يخاف منها فكيف بالمضاجعة؟

وأما قول القائل: إنه يفعل ذلك لله فهذا أكثره كذب وقد يكون لله مع هوى النفس كما يدعي من يدعي مثل ذلك في صحبة النساء الأجانب فكيف يبقى كما قال تعالى في الخمر: { فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما } وقد روى الشعبي عن النبي : [ أن وفد عبد القيس لما قدموا على النبي وكان فيهم غلام ظاهر الوضاءة أجلسه خلف ظهره وقال: إنما كانت خطيئة داود عليه السلام النظر ] وهذا وهو رسول الله وهو مزوج بتسع نسوة والوفد قوم صالحون ولن تكن الفاحشة معروفة في العرب؟ ! ! وقد روى عن المشائخ من التحذير عن صحبة الأحداث ما يطول وصفه

وليس لأحد من الناس أن يفعل ما يفضي إلى هذه المفاسد المحرمة وإن ضم إلى ذلك مصلحة من تعليم أو تأديب فإن المردان يمكن تعليمهم وتأديبهم بدون هذه المفاسد التي هي مضرة عليهم وعلى من يصحبهم وعلى المسلمين: بسوء الظن تارة وبالشبهة أخرى بل روي: أن رجلا كان يجلس إليه المردان فنهى عمر رضي الله عنه عن مجالسته ولقي عمر بن الخطاب شابا فقطع شعره لميل بعض النساء إليه مع ما في ذلك من إخراجه من وطنه والتفريق بينه وبين أهله

ومن أقر صبيا يتولاه: مثل ابنه وأخيه أو مملوكه أو يتيم عند من يعاشره على هذا الوجه: فهو ديوث ملعون [ ولا يدخل الجنة ديوث ] فإن الفاحشة الباطنة ما يقوم عليها بينة في العادة وإنما تقوم على الظاهرة وهذه العشرة القبيحة من الظاهرة وقد قال تعالى: { ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن } وقال تعالى: { قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن } فلو ذكرنا ما حصل في مثل هذا من الضرر والمفاسد وما ذكره العلماء: لطال سواء كان الرجل تقيا أو فاجرا فإن التقي يعالج مرارة في مجاهدة هواه وخلاف نفسه وكثيرا ما يغلبه شيطانه ونفسه بمنزلة من يحمل حملا لا يطيقه فيعذبه أو يقتله والفاجر يكمل فجوره بذلك والله أعلم

535 - 137 سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن رجل تزوج امرأة من سنين ثم طلقها ثلاثا وكان ولي نكاحها فاسقا فهل يصح عقد الفاسق بحيث إذا طلق ثلاثا لا تحل له إلا بعد نكاح غيره أو لا يصح عقده؟ فله أن يتزوجها بعقد جديد وولي مرشد من غير أن ينكحها غيره؟

أجاب: الحمد لله إن كان قد طلقها ثلاثا فقد وقع به الطلاق وليس لأحد بعد الطلاق الثلاث أن ينظر في الولي هل كان عدلا أو فاسقا ليجعل فسق الولي ذريعة إلى عدم وقوع الطلاق فإن أكثر الفقهاء يصححون ولاية الفاسق وأكثرهم يوقعون الطلاق في مثل هذا النكاح بل وفي غيره من الأنكحة الفاسدة وإذا فرع على أن النكاح فاسد وأن الطلاق لا يقع فيه فإنما يجوز أن يستحل الحلال من يحرم الحرام وليس لأحد أن يعتقد الشيء حلالا حراما وهذا الزوج كان يستحل وطأها قبل الطلاق ولو ماتت لورثها فهو عامل على صحة النكاح فكيف يعمل بعد الطلاق على فساده؟ فيكون النكاح صحيحا إذا كان له غرض في صحته فاسدا إذا كان له غرض في فساده

وهذا القول يخالف إجماع المسلمين فإنهم متفقون على أن من اعتقد حل الشيء كان عليه أن يعتقد ذلك سواء وافق غرضه أو خالفه ومن اعتقد تحريمه كان عليه أن يعتقد ذلك في الحالين

وهؤلاء المطلقون لا يفكرون في فساد النكاح بفسق الولي إلا عند الطلاق الثلاث لا عند الاستمتاع والتوارث يكونوا في وقت يقلدون من يفسده وفي وقت يقلدون من يصححه بحسب الغرض والهوى ومثل هذا لا يجوز باتفاق الأمة

وأما إن كان هذا حلف يمينا بالطلاق فليذكر يمينه ليفتي بما يجب في ذلك فإن كثيرا من الناس قد يظن أنه حنث ووقع به الطلاق ويكون الأمر بخلاف ذلك وفي الحنث مسائل فيها نزاع بين العلماء فالأخذ بقول سائغ في ذلك خير من الدخول فيما يخالف الإجماع ونظير هذا أن يعتقد الرجل ثبوت شفعة الجوار إذا كان طالبا لها وعدم ثبوتها إذا كان مشتريا فإن هذا لا يجوز بالإجماع وكذا من بنى على صحة ولاية الفاسق في حال نكاحه وبنى على فساد ولايته في حال طلاقه لم يجز ذلك بإجماع المسلمين

ولو قال المستفتي المعين: أنا لم أكن أعرف ذلك وأنا من اليوم ألتزم ذلك لم يكن ذلك لأن ذلك يفتح باب التلاعب بالدين وفتح الذريعة إلى أن يكون التحليل والتحريم بحسب الأهواء

ولهذا نهى النبي عن نكاح الشغار وهو أن يزوجه أخته على أن يزوجه أخته وقد ظن بعض الفقهاء أن ذلك لأجل شرط عدم المهر فصحح النكاح وأوجب مهر المثل وآخرون قالوا: إنما نهى عن ذلك الأجل الاشتراك في البضع فإن كل واحدة يصير بضعها مملوكا لزوجها وللزوجة الأخرى التي أصدقته لأن الصداق ملك الزوجة

ولهذا قال بعض الفقهاء: إن سموا مهرا صح النكاح وإلا لم يصح وقال بعضهم: إن قال وبضع كل واحدة منهما مهر للأخرى فسد وإلا لم يفسد

والصواب أن نكاح الشغار فاسد كما نهى عنه النبي وإن من صوره ما إذا سموا مهرا وغيره لأنه قد صار مشروطا في نكاح الأخرى وإن كانت هي لم تملكه وإنما ملكه وليها فإنه يكون ما يستحقه من المهر لوليها وهو إنما أخذ بضعا

وفي ذلك مفاسد

أحدها: اشتراط عدم المهر وفرق بين عدم تسميته وبين اشتراط نفيه

فالأول: لا يفسد بالاتفاق والثاني: يفسد في أحد القولين في مذهب مالك وأحمد وهو الصحيح

والثاني: إن ذلك يقتضي محاباة للخاطب وأنه لا ينظر في مصلحة وليته

والثالث: أن هذا يقتضي أن يكون العوض المشروط لغير المرأة بل لزوجها

فحقيقة الأمر أن المرأة زوجت لأجل غيرها وصار بضعها مبذولا لأجل مقصود غيرها والأب له حق في مال ولده كما قال النبي : [ أنت ومالك لأبيك ] وليس له حق في بضعها لأنه لا يتمتع به والله سبحانه أعلم

536 - 138 سئل رحمه الله تعالى أيضا عمن يقول: إن المرأة إذا وقع بها الطلاق الثلاث تباح بدون نكاح ثان للذي طلقها ثلاثا: فهل قال هذا القول أحد من المسلمين ومن قال هذا القول ماذا يجب عليه؟ ومن استحلها بعد وقوع الثلاث بدون نكاح ثان ماذا يجب عليه؟ وما صفة النكاح الثاني الذي يبيحها للأول؟ أفتونا مأجورين مثابين يرحمكم الله

فأجاب: رضي الله عنه الحمد لله رب العالمين إذا وقع بالمرأة الطلاق الثلاث فإنها تحرم عليه حتى تنكح زوجا غيره بالكتاب والسنة إجماع الأمة ولم يقل أحد من علماء المسلمين أنها تباح بعد وقوع الطلاق الثلاث بدون زواج ثان ومن نقل هذا عن أحد منهم فقد كذب ومن قال ذلك أو استحل وطأها بعد وقوع الطلاق الثلاث بدون نكاح زوج ثان فإن كان جاهلا يعذر بجهله مثل أن يكون نشأ بمكان قوم لا يعرفون فيه شرائع الإسلام أو يكون حديث العهد بالإسلام أو نحو ذلك فإنه يعرف دين الإسلام فإن أصر على القول بأنها تباح بعد وقوع الثلاث بدون نكاح ثان أو على استحلال هذا الفعل: فإنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل كأمثاله من المرتدين الذين يجحدون وجوب الواجبات وتحريم المحرمات وحل المباحات التي علم أنها من دين الإسلام وثبت ذلك بنقل الأمة المتواتر عن نبيها عليه أفضل الصلاة والسلام وظهر ذلك بين الخاص والعام كمن يجحد وجوب مباني الإسلام من الشهادتين والصلوات الخمس وصيام شهر رمضان وحج البيت الحرام أو جحد تحريم الظلم وأنواعه كالربا والميسر أو تحريم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما يدخل في ذلك من تحريم نكاح الأقارب سوى بنات العمومة والخؤولة وتحريم المحرمات بالمصاهرة وهن أمهات النساء وبناتهن وحلائل الآباء والأبناء ونحو ذلك من المحرمات أو حل الخبز واللحم والنكاح واللباس وغير ذلك مما علمت إباحته بالاضطرار من دين الإسلام: فهذه المسائل مما لم يتنازع فيها المسلمون لا سنيهم ولا بدعيهم

ولكن تنازعوا في مسائل كثيرة من مسائل الطلاق والنكاح وغير ذلك من الأحكام كتنازع الصحابة والفقهاء بعدهم في الحرام هل هو طلاق أو يمين أو غير ذلك؟ وكتنازعهم في الكنايات الظاهرة كالخلية والبرية والبتة: هل يقع بها واحدة رجعية أو بائن أو ثلاث؟ أو يفرق بين حال وحال؟ وكتنازعهم في المولي : هل يقع به الطلاق عند انقضاء المدة إذا لم يف فيها؟ أم يوقف بعد انقضائها حتى يفيء أو يطلق؟ وكتنازع العلماء في طلاق السكران والمكره وفي الطلاق بالخط وطلاق الصبي المميز وطلاق الأب على ابنه وطلاق الحكم الذي هو من أهل الزوج بدون توكيله كما تنازعوا في بذل أجر العوض بدون توكيلها وغير ذلك من المسائل التي يعرفها العلماء وتنازعوا أيضا في مسائل تعليق الطلاق بالشرط ومسائل الحلف بالطلاق والعتاق والظهار والحرام والنذر كقوله: إن فعلت كذا فعلي الحج أو صوم شهر أو الصدقة بألف وتنازعوا أيضا في كثير من مسائل الأيمان مطلقا في موجب اليمين

وهذا كتنازعهم في تعليق الطلاق بالنكاح: هل يقع أو لا يقع؟ أو يفرق بين العموم والخصوص؟ أو بين ما يكون فيه مقصود شرعي وبين أن يقع في نوع ملك أو غير ملك؟ وتنازعوا في الطلاق المعلق بالشرط بعد النكاح؟ على ثلاثة أقوال فقيل: يقع مطلقا وقيل: لا يقع وقيل: يفرق بين الشرط الذي يقصد وقوع الطلاق عند كونه وبين الشرط الذي يقصد عدمه وعدم الطلاق عنده فالأول كقوله: إن أعطيتيني ألفا فأنت طالق والثاني كقوله: إن فعلت كذا فعبيدي أحرار ونسائي طوالق وعلي الحج

وأما النذر المتعلق بالشرط فاتفقوا على أنه إذا كان مقصوده وجود الشرط كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم مالي الغائب فعلي صوم شهر أو الصدقة بمائة: أنه يلزمه وتنازعوا فيما إذا لم يكن مقصوده وجود الشرط بل مقصوده عدم الشرط وهو حالف بالنذر كما إذا قال: لا أسافر وإن سافرت فعلي الصوم أو الحج أو الصدقة أو علي عتق رقبة ونحو ذلك؟ على ثلاثة أقوال: فالصحابة وجمهور السلف على أنه يجزيه كفارة يمين وهو مذهب الشافعي وأحمد وهو آخر الروايتين عن أبي حنيفة وقول طائفة من المالكية: كابن وهب وابن أبي العمر وغيرهما وهل يتعين ذلك أم يجزيه الوفاء؟ على قولين في مذهب الشافعي وأحمد وقيل: عليه الوفاء كقول مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وحكاه بعض المتأخرين قولا للشافعي ولا أصل له في كلامه وقيل: لا شيء عليه بحال كقول طائفة من التابعين وهو قول داود وابن حزم

وهكذا تنازعوا على هذه الأقوال الثلاثة فيمن حلف بالعتاق أو الطلاق أن لا يفعل شيئا كقوله: إن فعلت كذا فعبدي حر أو امرأتي طالق هل يقع ذلك إذا حنث أو يجزيه كفارة يمين أو لا شيء عليه؟ على ثلاثة أقوال ومنهم من فرق بين الطلاق والعتاق واتفقوا على أنه إذا قال: إن فعلت كذا فعلي أن أطلق امرأتي لا يقع به الطلاق بل ولا يجب عليه إذ لم يكن قربة ولكن هل عليه كفارة يمين؟ على قولين أحدهما يجب عليه كفارة يمين وهو مذهب أحمد في المشهور عنه ومذهب أبي حنيفة فيما حكاه ابن المنذر والخطابي وابن عبد البر وغيرهم وهو الذي وصل إلينا في كتب أصحابه وحكى القاضي أبو يعلى وغيره وعنه أنه لا كفارة فيه و الثاني لا شيء عليه وهو مذهب الشافعي

فصل

وأما إذا قال: إن فعلته فعلي إذا عتق عبدي فاتفقوا على أنه لا يقع العتق بمجرد الفعل لكن يجب عليه العتق وهو مذهب مالك وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة وقيل: لا يجب عليه شيء وهو قول طائفة من التابعين وقول داود وابن حزم وقيل: عليه كفارة يمين وهو قول الصحابة وجمهور التابعين ومذهب الشافعي وأحمد وهو مخير بين التكفير والإعتاق على المشهور عنهما وقيل: يجب التكفير عينا ولم ينقل عن الصحابة شيء في الحلف بالطلاق فيما بلغنا بعد كثرة البحث وتتبع كتب المتقدمين والمتأخرين بل المنقول عنهم إما ضعيف بل كذب من جهة النقل وإما أن لا يكون دليلا على الحلف بالطلاق فإن الناس لم يكونوا يحلفون بالطلاق على عهدهم ولكن نقل عن طائفة منهم في الحلف بالعتق أن يجزيه كفارة يمين كما إذا قال: إن فعلت كذا فعبدي حر وقد نقل عن بعض هؤلاء نقيض هذا القول وأنه يعتق وقد تكلمنا على أسانيد ذلك في غير هذا الموضع ومن قال من الصحابة والتابعين: إنه لا يقع العتق فإنه لا يقع الطلاق بطريق الأولى كما صرح بذلك من صرح به من التابعين وبعض العلماء ظن أن الطلاق لا نزاع فيه فاضطره ذلك إلى أن عكس موجب الدليل فقال: يقع الطلاق دون العتاق ! وقد بسط الكلام على هذه المسائل وبين ما فيها من مذاهب الصحابة والتابعين لهم بإحسان والأئمة الأربعة وغيرهم من علماء المسلمين وحجة كل قوم في غير هذا الموضع

وتنازع العلماء فيما إذا حلف بالله أو الطلاق أو الظهار أو الحرام أو النذر أنه لا يفعل شيئا ففعله ناسيا ليمينه أو جاهلا بأنه المحلوف عليه: فهل يحنث كقول أبي حنيفة ومالك وأحمد وأحد القولين للشافعي وإحدى الروايات عن أحمد؟ أو لا يحنث بحال كقول المكيين والقول الآخر للشافعي والرواية الثانية عن أحمد؟ أو يفرق بين اليمين بالطلاق والعتاق وغيرهما كالرواية الثالثة عن أحمد وهو اختيار القاضي والخرقي وغيرهما من أصحاب أحمد والقفال من أصحاب الشافعي؟ وكذلك لو اعتقد أن امرأته بانت بفعل المحلوف عليه ثم تبين له أنها لم تبن؟ ففيه قولان وكذلك إذا حلف بالطلاق أو غيره على شيء يعتقده كما حلف عليه فتبين بخلافه؟ ففيه ثلاثة أقوال كما ذكر ولو حلف على شيء يشك فيه ثم تبين صدقه؟ ففيه قولان عند مالك يقع وعند الأكثرين لا يقع وهو المشهور من مذهب أحمد والمنصوص عنه في رواية حرب التوقف في المسألة فيخرج على وجهين كما إذا حلف ليفعلن اليوم كذا ومضى اليوم أو شك في فعله هل يحنث؟ على وجهين

واتفقوا على أنه يرجع في اليمين إلى نية الحالف إذا احتملها لفظه ولم يخالف الظاهر أو خالفه وكان مظلوما وتنازعوا هل يرجع إلى سبب اليمين وسياقها وما هيجها؟ فمذهب المدنيين كمالك وأحمد وغيره أنه يرجع إلى ذلك والمعروف في مذهب أبي حنيفة والشافعي أنه لا يرجع: لكن في مسائلهما ما يقتضي خلاف ذلك وإن كان السبب أعم من اليمين عمل به عند من يرى السبب وإن كان خاصا: فهل يقصر اليمين عليه؟ فيه قولان في مذهب أحمد وغيره وإن حلف على معين يعتقده على صفة فتبين بخلافها؟ ففيه أيضا قولان وكذلك لو طلق امرأته بصفة ثم تبين بخلافها مثل أن يقول: أنت طالق إن دخلت الدار بالفتح أي لأجل دخولك الدار ولم تكن قد دخلت فهل يقع الطلاق؟ على قولين في مذهب أحمد وغيره وكذلك إذا قال: أنت طالق لأنك فعلت كذا ونحو ذلك ولم تكن فعلته؟ ولو قيل له: امرأتك فعلت كذا فقال هي طالق لأنك فعلت كذا ونحو ذلك ولم تكن فعلته؟ ولو قيل له: امرأتك فعلت كذا فقال: هي طالق ثم تبين أنهم كذبوا عليها؟ ففيه قولان وتنازعوا في الطلاق المحرم: كالطلاق في الحيض وكجمع الثلاث عند الجمهور الذين يقولون إنه حرام ولكن الأربعة وجمهور العلماء يقولون: كونه حراما لا يمنع وقوعه كما أن الظهار محرم وإذا ظاهر ثبت حكم الظهار وكذلك النذر قد ثبت في الصحيح عن النبي أنه نهى عنه ومع هذا يجب عليه الوفاء به بالنص والإجماع

والذين قالوا لا يقع: اعتقدوا أن كل ما نهى الله عنه فإنه يقع فاسدا لا يترتب عليه حكم والجمهور فرقوا بين أن يكون الحكم يعمه لا يناسب فعل المحرم: كحل الأموال والإبضاع وإجزاء العبادات وبين أن يكون عبادة تناسب فعل المحرم كالإيجاب والتحريم فإن المنهي عن شيء إذا فعله قد تلزمه بفعله كفارة أو حد أو غير ذلك من العقوبات: فكذلك قد ينهى عن فعل شيء فإذا فعله لزمه به واجبات ومحرمات ولكن لا ينهى عن شيء إذا فعله أحلت له بسبب فعل المحرم الطيبات فبرئت ذمته من الواجبات فإن هذا من باب الكرام والإحسان والمحرمات لا تكون سببا محضا للإكرام والإحسان بل هي سبب للعقوبات إذا لم يتقوا الله تبارك وتعالى كما قال تعالى: { فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم } وقال تعالى: { وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر } إلى قوله تبارك وتعالى: { ذلك جزيناهم ببغيهم } وكذلك ما ذكره تعالى في قصة البقرة من كثرة سؤالهم وتوقفهم عن امتثال أمره كان سببا لزيادة الإيجاب ومنه قول تعالى: { لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم } وحديث النبي : [ إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته ] ولما سألوه عن الحج: أفي كل عام؟ قال: [ لا ولو قلت: نعم لوجب ولو وجب لم تطيقوه ذروني ما تركتم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ]

ومن هنا قالت طائفة من العلماء: إن الطلاق الثلاث حرمت به المرأة عقوبة للرجل حتى لا الثلاثاءفإن الله يبغض الطلاق وإنما يأمر به الشياطين والسحرة كما قال تعالى في السحر: { فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه } وفي الصحيح عن النبي أنه قال: [ إن الشيطان ينصب عرشه على البحر ويبعث جنوده فأقربهم إليه منزلة أعظمهم فتنة فيأتي أحدهم فيقول ما زلت به حتى شرب الخمر فيقول الساعة يتوب ويأتي الآخر فيقول: ما زلت به حتى فرقت بينه وبين امرأته فيقبله بين عينيه ويقول: أنت ! أنت ! ] وقد روى أهل التفسير والحديث والفقه: أنهم كانوا في أول الإسلام يطلقون بغير عدد: يطلق الرجل المرأة ثم يدعها حتى إذا شارفت انقضاء العدة راجعها ثم طلقها ضرارا فقصرهم الله على الطلقات الثلاث لأن الثلاث أول حد الكثرة وآخر حد القلة ولولا أن الحاجة وداعية إلى الطلاق لكان الدليل يقتضي تحريمه كما دلت عليه الآثار والأصول ولكن الله تعالى أباحه رحمة منه بعباده لحاجتهم إليه أحيانا وحرمه في مواضع باتفاق العلماء كما إذا طلقها في الحيض ولم تكن قد سألته الطلاق فإن هذا الطلاق حرام باتفاق العلماء

والله تعالى بعث محمدا بأفضل الشرائع وهي الحنيفية السمحة كما قال: [ أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة ] فأباح لعباده المؤمنين الوطء بالنكاح والوطء بملك اليمين واليهود والنصارى لا يطئون إلا بالنكاح لا يطئون بملك اليمين و أصل ابتداء الرق إنما يقع من السبي والغنائم لم تحل إلا لأمة محمد كما ثبت في الحديث الصحيح أنه قال: [ فضلنا على الأنبياء بخمس: جعلت صفوفنا كصفوف الملائكة وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وأحلت لي الغنائم ولم يحل لأحد كان قبلنا وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة وأعطيت الشفاعة ] فأباح سبحانه للمؤمنين أن ينكحوا وأن يطلقوا وأن يتزوجوا المرأة المطلقة بعد أن تتزوج بغير زوجها

والنصارى يحرمون النكاح على بعضهم ومن أباحوا له النكاح لم يبيحوا له الطلاق واليهود يبيحون الطلاق لكن إذا تزوجت المطلقة بغير زوجها حرمت عليه عندهم والنصارى لا طلاق عندهم واليهود لا مراجعة بعد أن تتزوج غيره عندهم والله تعالى أباح للمؤمنين هذا وهذا

ولو أبيح الطلاق بغير عدد - كما كان في أول الأمر لكان الناس يطلقون دائما: إذا لم يكن أمر يزجرهم عن الطلاق وفي ذلك من الضرر والفساد ما أوجب حرمة ذلك ولم يكن فساد الطلاق لمجرد حق المرأة فقط: كالطلاق في الحيض حتى يباح دائما بسؤالها بل نفس الطلاق إذا لم تدع إليه حاجة منهي عنه باتفاق العلماء: إما نهي تحريم أو نهي تنزيه وما كان مباحا للحاجة قدر بقدر الحاجة الثلاث هي مقدار ما أبيح للحاجة كما قال النبي : [ لا يحل للمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام ] وكما قال: [ لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج فإنها تحد عليه أربعة أشهر وعشرا ] وكما رخص للمهاجر أن يقيم بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثا وهذه الأحاديث في الصحيح وهذا مما احتج به من لا يرى وقوع الطلاق إلا من القصد ولا يرى وقوع طلاق المكره كما لا يكفر من تكلم بالكفر مكرها بالنص والإجماع ولو تكلم بالكفر مستهزئا بآيات الله وبالله ورسوله كفر كذلك من تكلم بالطلاق هازلا وقع به ولو حلف بالكفر فقال: إن فعل ذلك فهو بريء من الله ورسوله أو فهو يهودي أو نصراني لم يكفر بفعل المحلوف عليه وإن كان هذا حكما معلقا بشرط في اللفظ لأن المقصود الحلف به بغضا له ونفورا عنه لا إرادة له بخلاف من قال: إن أعطيتموني ألفا كفرت فإن هذا يكفر وهكذا يقول من يفرق بين الحلف بالطلاق وتعليقه بشرط لا يقصد كونه وبين الطلاق المقصود عند وقوع الشرط

ولهذا ذهب كثير من السلف والخلف إلى أن الخلع فسخ للنكاح وليس هو من الطلقات الثلاث كقول ابن عباس والشافعي وأحمد في أحد قوليهما لأن المرأة افتدت نفسها من الزوج كافتداء الأسير وليس هو من الطلاق المكروه في الأصل ولهذا يباح في الحيض بخلاف الطلاق وأما إذا عدل هو عن الخلع وطلقها إحدى الثلاث بعوض فالتفريط منه وذهب طائفة من السلف: كعثمان بن عفان وغيره ورووا في ذلك حديثا مرفوعا وبعض المتأخرين من أصحاب الشافعي وأحمد جعلوه مع الأجنبي فسخا كالإقالة والصواب أنه مع الأجنبي كما هو مع المرأة فإنه إذا كان افتداء المرأة كما يفدى الأسير بمال منه ومال من غيره وكذلك العبد يعتق بمال يبذله هو ومايبذله الأجنبي وكذلك الصلح يصح مع المدعي عليه ومع أجنبي فإن هذا جميعه من باب الإسقاط والإزالة

وإذ كان الخلع رفعا للنكاح وليس هو من الطلاق الثلاث: فلا فرق بين أن يكون المال المبذول من المرأة أو من أجنبي وتشبيه فسخ النكاح بفسخ البيع: فيه نظر فإن البيع لا يزول إلا برضى المتابعين لا يستقل أحدهما بإزالته بخلاف النكاح فإن المرأة ليس إليها إزالته بل الزوج يستقل بذلك لكن افتداؤها نفسها منه كافتداء الأجنبي لها ومسائل الطلاق وما فيها من الإجماع والنزاع مبسوط في غير هذا الموضوع

والمقصود هنا إذا وقع به الثلاث حرمت عليه المرأة بإجماع المسلمين كما دل عليه الكتاب والسنة ولا يباح إلا بنكاح ثان وبوطئه لها عند عامة السلف والخلف فإن النكاح المأمور به يؤمر فيه بالعقد وبالوطء بخلاف المنهي عنه فإنه ينهى فيه عن كل من العقد والوطء ولهذا كان النكاح الواجب والمستحب يؤمر فيه بالوطء من العقد النكاح المحرم يحرم فيه مجرد العقد وقد ثبت في الصحيح أن النبي قال لامرأة رفاعة القرظي لما أرادت أن ترجع إلى رفاعة بدون وطء [ لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] وليس في هذا خلاف إلا عن سعيد بن المسيب فإنه مع أنه أعلم التابعين لم تبلغه السنة في هذه المسألة والنكاح المبيح هو النكاح المعروف عند المسلمين وهو النكاح الذي جعل الله فيه بين الزوجين مودة ورحمة ولهذا قال النبي فيه: [ حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ] فأما نكاح المحلل فإنه لا يحلها للأول عند جماهير السلف وقد صح عن النبي أنه قال: [ لعن الله المحلل والمحلل له ] وقال عمر بن الخطاب: لا أوتى بمحلل ومحلل له إلا رجمتهما وكذلك قال عثمان وعلي وابن عباس وابن عمر وغيرهم: إنه لا يبيحها إلا بنكاح رغبة لا نكاح محلل ولم يعرف عن أحد من الصحابة أنه رخص في نكاح التحليل

ولكن تنازعوا في نكاح المتعة فإن نكاح المتعة خير من نكاح التحليل من ثلاثة أوجه

أحدها أنه كان مباحا في أول الإسلام بخلاف التحليل

الثاني أنه رخص فيه ابن عباس وطائفة من السلف بخلاف التحليل فإنه لم يرخص فيه أحد من الصحابة

الثالث إن المتمتع له رغبة في المرأة وللمرأة رغبة فيه إلى أجل بخلاف المحلل فإن المرأة ليس لها رغبة فيه بحال وهو ليس له رغبة فيها بل في أخذ ما يعطاه وإن كان له رغبة فهي رغبته في الوطء لا في اتخاذها زوجة من جنس رغبة الزاني ولهذا قال ابن عمر: لا يزالان زانيين وإن مكثا عشرين سنة إذ الله علم من قلبه أنه يريد أن يحلها له ولهذا تعدم فيه خصائص النكاح فإن النكاح المعروف كما قال تعالى: { ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة } والتحليل فيه البغضة والنفرة ولهذا لا يظهره أصحابه بل يكتمونه كما يكتم السفاح ومن شعائر النكاح إعلانه كما قال النبي : [ أعلنوا النكاح واضربوا عليه بالدف ] ولهذا يكفي في إعلانه الشهادة عليه عند طائفة من العلماء وطائفة أخرى توجب الإشهاد والإعلان فإذا تواصوا بكتمانه بطل

ومن ذلك الوليمة عليه والنثار والطيب والشراب ونحو ذلك مما جرت به عادات الناس في النكاح وأما التحليل فإنه لا يفعل فيه شيء من هذا لأن أهله لم يريدوا أن يكون المحلل زوج المرأة ولا أن تكون المرأة امرأته وإنما المقصود استعارته لينزو عليها كما جاء في الحديث المرفوع تسميته بالتيس المستعار ولهذا شبه بحمار العشريين الذي يكترى للتقفيز على الإناث ولهذا لا تبقى المرأة مع زوجها بعد التحليل كما كانت قبله بل يحصل بينهما نوع من النفرة

ولهذا لما لم يكن في التحليل مقصود صحيح يأمر به الشارع: صار الشيطان يشبه به أشياء مخالفة للإجماع فصار طائفة من عامة الناس يظنون أن ولادتها لذكر يحلها أو أن وطئها بالرجل على قدمها أو رأسها أو فوق سقف أو سلم هي تحته يحلها ومنهم من يظن أنهما إذا التقيا بعرفات كما التقى آدم وامرأته أحلها ذلك ومنهن من إذا تزوجت بالمحلل به لم تمكنه من نفسها بل تمكنه من أمة لها ومنهن من تعطيه شيئا وتوصيه بأن يقر بوطئها ومنهم من يحلل الأم وبنتها إلى أمور أخر قد بسطت في غير هذا الموضع بيناها في كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل ولا ريب أن المنسوخ من الشريعة وما تنازع فيه السلف خير من مثل هذا فإنه لو قدر أن الشريعة تأتي بأن الطلاق لا عدد له لكان هذا ممكنا وإن كان هذا منسوخا وأما أن يقال: إن من طلق امرأته لا تحل له حتى يستكري من يطأها فهذا لا تأتي به شريعة

وكثير من أهل التحليل يفعلون أشياء محرمة باتفاق المسلمين فإن المرأة المعتدة لا يحل لغير زوجها أن يصرح بخطبتها سواء كانت معتدة من عدة طلاق أو عدة وفاة قال تعالى: { ولا جناح عليكم فيما عرضتم به من خطبة النساء أو أكننتم في أنفسكم علم الله أنكم ستذكرونهن ولكن لا تواعدوهن سرا إلا أن تقولوا قولا معروفا ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله } فنهى الله تعالى عن المواعدة سرا وعن عزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله وإذا كان هذا في عدة الموت فهو في عدة الطلاق أشد باتفاق المسلمين فإن المطلقة قد ترجع إلى زوجها بخلاف من مات عنها وأما التعريض فإنه يجوز في عدة المتوفى عنها ولا يجوز في عدة الرجعية وفيما سواهما فهذه المطلقة ثلاثا لا يحل لأحد أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين وإذا تزوجت بزوج ثان وطلقها ثلاثا لم يحل للأول أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله باتفاق المسلمين وذلك أشد وأشد وإذا كانت مع زوجها لم يحل لأحد أن يخطبها لا تصريحا ولا تعريضا باتفاق المسلمين فإذا كانت لم تتزوج بعد لم يحل للمطلق ثلاثا أن يخطبها لا تصريحا ولا تعريضا باتفاق المسلمين وخطبتها في هذه الحال أعظم من خطبتها بعد أن تتزوج بالثاني

وهؤلاء أهل التحليل قد يواعد أحدهم المطلقة ثلاثا ويعزمان قبل أن تنقضي عدتها وقبل نكاح الثاني على عقدة النكاح بعد النكاح الثاني نكاح المحلل ويعطيها ما تنفقه على شهود عقد التحليل وللمحلل وما ينفقه عليها في عدة التحليل والزوج المحلل لا يعطيها مهرا ولا نفقة عدة ولا نفقة طلاق فإذا كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز في هذه وقت نكاحها بالثاني أن يخطبها الأول لا تصريحا ولا تعريضا فكيف إذا خطبها قبل أن تتزوج بالثاني؟ أو إذا كان بعد أن يطلقها الثاني لا يحل للأول أن يواعدها سرا ولا يعزم عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله: فكيف إذا فعل ذلك من قبل أن يطلق؟ ! بل قبل أن يتزوج ! بل قبل أن تنقضي عدتها منه ! فهذا كله يحرم باتفاق المسلمين وكثير من أهل التحليل يفعله وليس في التحليل صورة اتفق المسلمون على حلها ولا صورة أباحها النص بل من صور التحليل ما أجمع المسلمون على تحريمه ومنها ما تنازع فيه العلماء

وأما الصحابة فلم يثبت عن النبي أنه لعن المحلل والمحلل له منهم وهذا وغيره يبين أن من التحليل ما هو شر من نكاح المتعة وغيره من الأنكحة التي تنازع فيها السلف وبكل حال فالصحابة أفضل هذه الأمة وبعدهم التابعون كما ثبت في الصحيح أن النبي أنه قال: [ خير القرون القرن الذي بعثت فيهم ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ] فنكاح تنازع السلف في جوازه أقرب من نكاح أجمع السلف على تحريمه وإذا تنازع فيه الخلف فإن أولئك أعظم علما ودينا وما أجمعوا على تعظيم تحريمه كان أمره أحق مما اتفقوا على تحريمه وإن اشتبه تحريمه على من بعدهم والله تعالى أعلم

537 - 139 سئل رضي الله عنه عن رجل حلف بالطلاق أنه ما يتزوج فلانة ثم بدا له أن ينكحها فهل له ذلك؟ وفي رجل تزوج امرأة وشرط في العقد أنه لا يتزوج عليها ثم تزوج فهل يثبت لها الخيار أم لا؟

فأجاب نور الله مرقده وضريحه: الحمد لله رب العالمين له أن يتزوجها ولا يقع بها طلاق إذا تزوجها عند جمهور السلف وهو مذهب الشافعي وأحمد وغيرهما

وإذا شرط في العقد أنه لا يتزوج عليها وإن تزوج عليها كان أمرها بيدها كان هذا الشرط صحيحا لازما في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ومتى تزوج عليها فأمرها بيدها إن شاءت أقامت وإن شاءت فارقت والله أعلم

الفتاوى الكبرى لابن تيمية
كتاب السنة والبدعة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطهارة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | كتاب الصلاة: | 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16 | 17 | كتاب الذكر والدعاء | 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب الصيام: 1 | 2 | 3 | كتاب الجنائز: 1 | 2 | 3 | 4 | كتاب النكاح: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الطلاق: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | | كتاب النفقات | كتاب الحدود: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الجهاد: 1 | 2 | كتاب البيوع: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | كتاب الشهادة والأقضية والأموال: 1 | 2 | كتاب الوقف: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | كتاب الوصايا | كتاب الفرائض | كتاب الفضائل: 1 | 2 | كتاب الملاهي | مسائل منثورة: 1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | كتاب الطهارة2 | كتاب الصلاة2: 1 | 2 | كتاب الجنائز2 | كتاب الزكاة2 | كتاب الصوم2 | كتاب الحج | كتاب البيع: 1 | 2 | كتاب الوصية | كتاب الفرائض | كتاب العتق | كتاب النكاح2: 1 | 2 | كتاب الخلع | كتاب الطلاق2 | كتاب الرجعة | كتاب الظهار | كتاب الجنايات | كتاب الأطعمة | كتاب الأيمان | باب القضاء | كتاب إقامة الدليل على إبطال التحليل | كتاب في الرد على الطوائف الملحدة والزنادقة والجهمية والمعتزلة والرافضة: 1 |2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10 | 11 | 12 | 13 | 14 | 15 | 16