كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب المزارعة

كتاب الأم المؤلف الشافعي
باب المزارعة



باب المزارعة


[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أعطى الرجل الرجل أرضا مزارعة بالنصف، أو الثلث، أو الربع، أو أعطى نخلا، أو شجرا معاملة بالنصف، أو أقل من ذلك، أو أكثر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هذا كله باطل لأنه استأجره بشيء مجهول يقول أرأيت لو لم يخرج من ذلك شيء أليس كان عمله ذلك بغير أجر، وكان ابن أبي ليلى يقول ذلك كله جائز بلغنا: (عن رسول الله أنه أعطى خيبر بالنصف) فكانت كذلك حتى قبض وخلافة أبي بكر رضي الله تعالى عنه وعامة خلافة عمر وبه يأخذ وإنما قياس هذا عندنا مع الأثر، ألا ترى أن الرجل يعطي الرجل مالا مضاربة بالنصف ولا بأس بذلك، وقد بلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وعن عبد الله بن مسعود، وعن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه أنهم أعطوا مالا مضاربة وبلغنا عن سعد بن أبي وقاص، وعن ابن مسعود رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يعطيان أرضهما بالربع والثلث.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا دفع الرجل إلى الرجل النخل، أو العنب يعمل فيه على أن للعامل نصف الثمرة، أو ثلثها، أو ما تشارطا عليه من جزء منها فهذه المساقاة الحلال التي عامل عليها رسول الله أهل خيبر.

، وإذا دفع الرجل إلى الرجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوعة إليه فما أخرج الله منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة، والمخابرة، والمزارعة التي نهى عنها رسول الله فأحللنا المعاملة في النخل خبرا عن رسول الله وحرمنا المعاملة في الأرض البيضاء خبرا عن رسول الله ولم يكن تحريم ما حرمنا بأوجب علينا من إحلال ما أحللنا ولم يكن لنا أن نطرح بإحدى سنتيه الأخرى ولا نحرم بما حرم ما أحل كما لا نحل بما أحل ما حرم ولم أر بعض الناس سلم من خلاف النبي من واحد من الأمرين لا الذي أحلهما جميعا ولا الذي حرمهما جميعا فأما ما روي عن سعد وابن مسعود أنهما دفعا أرضهما مزارعة فما لا يثبت هو مثله ولا أهل الحديث، ولو ثبت ما كان في أحد مع النبي حجة وأما قياسه وما أجاز من النخل، والأرض على المضاربة فعهدنا بأهل الفقه يقيسون ما جاء عمن دون النبي على ما جاء عن النبي وأما أن يقاس سنة النبي على خبر واحد من الصحابة كأنه يلتمس أن يثبتها بأن توافق الخبر عن أصحابه فهذا جهل إنما جعل الله عز وجل للخلق كلهم الحاجة إلى النبي وهو أيضا يغلط في القياس، إنما أجزنا نحن المضاربة، وقد جاءت عن عمر وعثمان أنها كانت قياسا على المعاملة في النخل فكانت تبعا قياسا لا متبوعة مقيسا عليها، فإن قال قائل فكيف تشبه المضاربة المساقاة؟ قيل النخل قائمة لرب المال دفعها على أن يعمل فيها المساقي عملا يرجى به صلاح ثمرها على أن له بعضها فلما كان المال المدفوع قائما لرب المال في يدي من دفع إليه يعمل فيه عملا يرجو به الفضل جاز له أن يكون له بعض ذلك الفضل على ما تشارطا عليه، وكان في مثل المساقاة فإن قال فلم لا يكون هذا في الأرض؟ قيل الأرض ليست بالتي تصلح فيؤخذ منه الفضل إنما يصلح فيها شيء من غيرها وليس بشيء قائم يباع ويؤخذ فضله كالمضاربة ولا شيء مثمر بالغ فيؤخذ ثمره كالنخل وإنما هو شيء يحدث فيها، ثم بتصرف لا في معنى واحد من هذين فلا يجوز أن يكون قياسا عليها وهو مفارق لها في المبتدإ، والمتعقب، ولو جاز أن يكون قياسا ما جاز أن يقاس شيء نهى عنه النبي فيحل به شيء حرمه كما جعل رسول الله في المفسد للصوم بالجماع رقبة فلم يقس عليها المفسد للصلاة بالجماع وكل أفسد فرضا بالجماع.

كتاب الأم - كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى
كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | باب الغصب | باب الاختلاف في العيب | باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها | باب المضاربة | باب السلم | باب الشفعة | باب المزارعة | باب الدعوى والصلح | باب الصدقة والهبة | باب في الوديعة | باب في الرهن | باب الحوالة والكفالة في الدين | باب في الدين | باب في الأيمان | باب الوصايا | باب المواريث | باب في الأوصياء | باب في الشركة والعتق وغيره | باب في المكاتب | باب في العارية وأكل الغلة | باب في الأجير والإجارة | باب القسمة | باب الصلاة | باب صلاة الخوف | باب الزكاة | باب الصيام | باب في الحج | باب الديات | باب السرقة | باب القضاء | باب الفرية | باب النكاح | باب الطلاق | باب الحدود