كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب المواريث

كتاب الأم المؤلف الشافعي
باب المواريث



باب المواريث


[أخبرنا الربيع] قال: [قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك أخاه لأبيه وأمه وجده فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول المال كله للجد وهو بمنزلة الأب في كل ميراث، وكذلك بلغنا عن أبي بكر الصديق، وعن عبد الله بن عباس، وعن عائشة أم المؤمنين، وعن عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهم أنهم كانوا يقولون الجد بمنزلة الأب إذا لم يكن له أب، وكان ابن أبي ليلى يقول في الجد بقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه للأخ النصف وللجد النصف، وكذلك قال زيد بن ثابت وعبد الله بن مسعود في هذه المنزلة.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا هلك الرجل وترك جده وأخاه لأبيه وأمه فالمال بينهما نصفان وهكذا قال زيد بن ثابت وعلي وعبد الله بن مسعود وروي عن عثمان رضي الله عنهم وخالفهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه فجعل المال للجد وقالته معه عائشة وابن عباس وابن الزبير وعبد الله بن عتبة رضي الله عنهم وهو مذهب أهل الكلام في الفرائض، وذلك أنهم يتوهمون أنه القياس وليس واحد من القولين بقياس غير أن طرح الأخ بالجد أبعد من القياس من إثبات الأخ معه، وقد قال بعض من يذهب هذا المذهب إنما طرحنا الأخ بالجد لثلاث خصال أنتم مجتمعون معنا عليها إنكم تحجبون به بني الأم، وكذلك منزلة الأب ولا تنقصونه من السدس، وكذلك منزلة الأب وأنكم تسمونه أبا.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: قلت إنما حجبنا به بني الأم خبرا لا قياسا على الأب قال وكيف ذلك؟ قلت نحن نحجب بني الأم ببنت ابن ابن متسفلة وهذه وإن وافقت منزلة الأب في هذا الموضع فلم نحكم لها نحن وأنت بأن تكون تقوم مقام الأب في غيره، وإذا وافقه في معنى وإن خالفه في غيره وأما أن لا ننقصه من السدس فإنا لم ننقصه خبرا ونحن لا ننقص الجدة من السدس أفرأيتنا وإياك أقمناها مقام الأب إن وافقته في معنى وأما اسم الأبوة فنحن وأنت نلزم من بيننا وبين آدم اسم الأبوة. وإذا كان ذلك ودون أحدهم أب أقرب منه لم يرث، وكذلك لو كان كافرا، والموروث مسلما، أو قاتلا، والموروث مقتولا، أو كان الموروث حرا، والأب مملوكا فلو كان إنما ورثنا باسم الأبوة فقط ورثنا هؤلاء الذين حرمناهم كلهم ولكنا إنما ورثناهم خبرا لا بالاسم قال فأي القولين أشبه بالقياس؟ قلت ما فيهما قياس، والقول الذي اخترت أبعد من القياس، والعقل قال فأين ذلك؟ قلت أرأيت الجد، والأخ إذا طلبا ميراث الميت أيدليان بقرابة أنفسهما أم بقرابة غيرهما؟ قال وما ذلك قلت أليس إنما يقول الجد أنا أبو أبي الميت ويقول الأخ أنا ابن أبي الميت؟ قال بلى قلت فبقرابة أبي الميت يدليان معا إلى الميت قلت فاجعل أبا الميت هو الميت أيهما أولى بكثرة ميراثه ابنه، أو أبوه؟ قال، بل ابنه؛ لأن له خمسة أسداس ولأبيه السدس قلت: فكيف حجبت الأخ بالجد، والأخ إذا مات الأب أولى بكثرة ميراثه من الجد لو كنت حاجبا أحدهما بالآخر انبغى أن تحجب الجد بالأخ قال وكيف يكون القياس فيه؟ قلت لا معنى للقياس فيهما معا يجوز، ولو كان له معنى انبغى أن نجعل للأخ أبدا حيث كان مع الجد خمسة أسداس وللجد السدس وقلت أرأيت الإخوة أمثبتي الفرض في كتاب الله؟ قال نعم قلت فهل للجد في كتاب الله فرض؟ قال لا قلت، وكذلك السنة هم مثبتون فيها ولا أعلم للجد في السنة فرضا إلا من وجه واحد لا يثبته أهل الحديث كل التثبيت فلا أعلمك إلا طرحت الأقوى من كل وجه بالأضعف.

وإذا أقرت الأخت وهي لأب وأم، وقد ورث معها العصبة بأخ لأب فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول نعطيه نصف ما في يدها؛ لأنها أقرت أن المال كله بينهما نصفان فما كان في يدها منه فهو بينهما نصفان وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول لا نعطيه مما في يدها شيئا لأنها أقرت بما في يدي العصبة وهو سواء في الورثة كلهم ما قالا جميعا.

[قال الشافعي]: وإذا مات الرجل وترك أخته لأبيه وأمه وعصبته فأقرت الأخت بأخ فالقياس أنه لا يأخذ شيئا وهكذا كل من أقر به وهو وارث فكان إقراره لا يثبت نسبة فالقياس أن لا يأخذ شيئا من قبل أنه إنما أقر له بحق عليه في ذلك الحق مثل الذي أقر له به؛ لأنه إذا كان وارثا بالنسب كان موروثا به، وإذا لم يثبت النسب حتى يكون موروثا به لم يجز أن يكون وارثا به، وذلك مثل الرجل يقر أنه باع داره من رجل بألف فجحده المقر له بالبيع لم نعطه الدار وإن كان بائعها قد كان أقر بأنها قد صارت ملكا له، وذلك أنه لم يقر أنها كانت ملكا له إلا وهو مملوك عليه بها شيء فلما سقط أن تكون مملوكة عليه سقط الإقرار له، وذلك مثل الرجلين يتبايعان العبد فيختلفان في ثمنه، وقد تصادقا على أنه قد خرج من ملك المالك إلى ملك المشتري فلما لم يسلم للمشتري ما زعم أنه ملكه به سقط الإقرار فلا يجوز أن يثبت للمقر له بالنسب حق، وقد أحطنا أنه لم يقر له به من دين ولا وصية ولا حق على المقر له إلا الميراث الذي إذا ثبت له ثبت أن يكون موروثا به، وإذا لم يثبت له أن يكون موروثا بالنسب لم يثبت له أن يكون وارثا به.

وإذا مات الرجل وترك امرأة وولدها ولم يقر بحبل امرأته، ثم جاءت بولد بعد موته وجاءت بامرأة تشهد على الولادة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا أقبل هذا ولا أثبت نسبه ولا أورثه بشهادة امرأة، وكان ابن أبي ليلى يقول أثبت نسبه وأورثه بشهادتها وحدها وبه يأخذ.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا مات الرجل وترك ولدا وزوجة فولدت فأنكر ابنه ولدها فجاءت بأربع نسوة يشهدن بأنها ولدته كان نسبه ثابتا، وكان وارثا ولا أقبل فيه أقل من أربع نسوة قياسا على القرآن لأن الله عز وجل ذكر شاهدين وشاهدا وامرأتين فأقام امرأتين حيث أجازهما مقام رجل فلما أجزنا النساء فيما يغيب عنه الرجال لم يجز أن نجيز منهن إلا أربعا قياسا على ما وصفت وجملة هذا القول قول عطاء بن أبي رباح.

وإذا كان للرجل عبدان ولدا في ملكه كل واحد منهما من أمة فأقر في صحته أن أحدهما ابنه، ثم مات ولم يبين ذلك فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول لا يثبت نسب واحد منهما ويعتق من كل منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما وبه يأخذ، وكان ابن أبي ليلى يثبت نسب أحدهما ويرثان ميراث ابن ويسعى كل واحد منهما في نصف قيمته، وكذلك أمهاتهما.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كان لرجل أمتان لا زوج لواحدة منهما فولدتا ولدين فأقر السيد بأن أحدهما ابنه ومات ولا يعرف أيهما أقر به فإنا نريهما القافة فإن ألحقوا به أحدهما جعلناه ابنه وورثناه منه وجعلنا أمه أم ولد تعتق بموته وأرققنا الآخر وإن لم تكن قافة، أو كانت فأشكل عليهم لم نجعل ابنه واحدا منهما وأقرعنا بينهما فأيهما خرج سهمه أعتقناه وأمه بأنها أم ولد وأرققنا الآخر وأمه وأصل هذا مكتوب في كتاب العتق.

وإذا كانت الدار في يدي رجل فأقام ابن عم له البينة أنها دار جدهما والذي هي في يديه منكر لذلك فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول لا أقضي بشهادتهم حتى يشهدوا أن الجد تركها ميراثا لأبيه ولأبي صاحبه لا يعلمون له وارثا غيرهما، ثم توفي أبو هذا وترك نصيبه منها ميراثا لهذا لا يعلمون له وارثا غيره، وكان ابن أبي ليلى يقول أقضي له بشهادتهم وأسكنه في الدار مع الذي هي في يديه ولا يقتسمان حتى تقوم البينة على المواريث كما وصفت لك في قول أبي حنيفة ولا يقولان لا نعلم في قول ابن أبي ليلى لكن يقولان لا وارث له غيرهما في قول ابن أبي ليلى وقال أبو يوسف أسكنه ولا يقتسمان.

[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا كانت الدار في يدي الرجل فأقام ابن عمه البينة أنها دار جدهما أبي أبيهما ولم تقل البينة أكثر من ذلك والذي في يديه الدار ينكر قضيت بها دارا لجدهما ولم أقسمها بينهما حتى تثبت البينة على من ورث جدهما ومن ورث أباهما لأني لا أدري لعل معهما ورثة، أو أصحاب دين، أو وصايا وأقبل البينة إذا قالوا مات جدهما وتركها ميراثا لا وارث له غيرهما ولا يكونون بهذا شهودا على ما لا يعلمون؛ لأنهم في هذا كله إنما يشهدون على الظاهر كشهادتهم على النسب وكشهادتهم على الملك وكشهادتهم على العدل ولا أقبلهم إذا قالوا لا نعلم وارثا غير فلان وفلان إلا أن يكونوا من أهل الخبرة بالمشهود عليه الذين يكون الأغلب منهم أنه لا يخفى عليهم وارث لو كان له، وذلك أن يكونوا ذوي قرابة، أو مودة، أو خلطة، أو خبرة بجوار، أو غيره فإذا كانوا هكذا قبلتهم على العلم لأن معنى البت معنى العلم ومعنى العلم معنى البت.

وإذا توفي الرجل وترك امرأته وترك في بيته متاعا فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يحدث عن حماد عن إبراهيم أنه قال ما كان للرجال من المتاع فهو للرجل وما كان للنساء فهو للمرأة وما كان للرجال والنساء فهو للباقي منهما المرأة كانت، أو الرجل، وكذلك الزوج إذا طلق، والباقي الزوج في الطلاق وبه كان يأخذ أبو حنيفة وأبو يوسف، ثم قال بعد ذلك لا يكون للمرأة إلا ما يجهز به مثلها في ذلك كله؛ لأنه يكون رجل تاجر عنده متاع النساء من تجارته، أو صانع، أو تكون رهونا عند رجل، وكان ابن أبي ليلى يقول إذا مات الرجل، أو طلق فمتاع البيت كله متاع الرجل إلا الدرع، والخمار وشبهه إلا أن تقوم لأحدهما بينة على دعواه، ولو طلقها في دارها كان أمرهما على ما وصفت في قولهما جميعا.

[قال الشافعي]: وإذا اختلف الزوجان في متاع البيت يسكنانه قبل أن يتفرقا، أو بعد ما تفرقا كان البيت للمرأة، أو الرجل، أو بعدما يموتان واختلفت في ذلك ورثتهما بعد موتهما، أو ورثة الميت منهما، والباقي كان الباقي الزوج، أو الزوجة فسواء ذلك كله، فمن أقام البينة على شيء من ذلك فهو له ومن لم يقم بينة فالقياس الذي لا يعذر أحد عندي بالغفلة عنه على الإجماع أن هذا المتاع في أيديهما معا فهو بينهما نصفان كما يختلف الرجلان في المتاع بأيديهما جميعا فيكون بينهما نصفين بعد الإيمان فإن قال قائل فكيف يكون للرجل النضوح، والخلوق والدروع، والخمر ويكون للمرأة السيف والرمح والدرع؟ قيل قد يملك الرجال متاع النساء والنساء متاع الرجال أرأيت لو أقام الرجل البينة على متاع النساء، والمرأة البينة على متاع الرجال أليس يقضى لكل بما أقام عليه البينة؟ فإذا قال بلى قيل أفليس قد زعمت وزعم الناس أن كينونة الشيء في يدي المتنازعين تثبت لكل النصف؟ فإن قال بلى قيل كما تثبت له البينة فإن قال بلى قيل فلم لم تجعل الزوجين هكذا وهي في أيديهما فإن استعملت عليهم الظنون وتركت الظاهر قيل لك فما تقول في عطار ودباغ في أيديهما عطر ومتاع الدباغ تداعياه معا فإن زعمت أنك تعطي الدباغ متاع الدباغين، والعطار متاع العطارين قيل فما تقول في رجل غير موسر ورجل موسر تداعيا ياقوتا ولؤلؤا فإن زعمت أنك تجعله للموسر وهو بأيديهما معا خالفت مذهب العامة وإن زعمت أنك تقسمه بينهما ولا تستعمل عليهما الظن فهكذا ينبغي لك أن تقول في متاع الرجل، والمرأة.

[قال]: وإذا أسلم الرجل على يدي الرجل ووالاه وعاقده، ثم مات ولا وارث له فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول ميراثه له بلغنا ذلك عن رسول الله وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعن ابن مسعود رضي الله عنه وبهذا يأخذ، وكان ابن أبي ليلى لا يورثه شيئا مطرف عن الشعبي أنه قال لا ولاء إلا لذي نعمة الليث بن أبي سليم عن أبي الأشعث الصنعاني عن عمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سئل عن الرجل يسلم على يدي الرجل فيموت ويترك مالا فهو له وإن أبى فلبيت المال أبو حنيفة رحمه الله تعالى عن إبراهيم بن محمد عن أبيه عن مسروق أن رجلا من أهل الأرض والى ابن عم له فمات وترك مالا فسألوا ابن مسعود عن ذلك فقال ماله له. [قال فالشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أسلم الرجل على يدي رجل ووالاه، ثم مات لم يكن له ميراثه من قبل قول النبي : (فإنما الولاء لمن أعتق) وهذا يدل على معنيين أحدهما أن الولاء لا يكون إلا لمن أعتق، والآخر أنه لا يتحول الولاء عمن أعتق وهذا مكتوب في كتاب الولاء.

كتاب الأم - كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى
كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى | باب الغصب | باب الاختلاف في العيب | باب بيع الثمار قبل أن يبدو صلاحها | باب المضاربة | باب السلم | باب الشفعة | باب المزارعة | باب الدعوى والصلح | باب الصدقة والهبة | باب في الوديعة | باب في الرهن | باب الحوالة والكفالة في الدين | باب في الدين | باب في الأيمان | باب الوصايا | باب المواريث | باب في الأوصياء | باب في الشركة والعتق وغيره | باب في المكاتب | باب في العارية وأكل الغلة | باب في الأجير والإجارة | باب القسمة | باب الصلاة | باب صلاة الخوف | باب الزكاة | باب الصيام | باب في الحج | باب الديات | باب السرقة | باب القضاء | باب الفرية | باب النكاح | باب الطلاق | باب الحدود