كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب النكاح
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تزوج المرأة بغير مهر مسمى فدخل بها فإن لها مهر مثلها من نسائها لا وكس ولا شطط وقال أبو حنيفة رحمه الله تعالى: نساؤها أخواتها وبنات عمها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: نساؤها أمها وخالاتها.
[قال الشافعي]: وإذا تزوج الرجل المرأة بغير مهر فدخل بها فلها صداق مثلها من نسائها ونساؤها نساء عصبتها الأخوات وبنات العم وليس الأم ولا الخالات إذا لم يكن بنات عصبتها من الرجال ونساؤها اللاتي يعتبر عليها بهن من كان مثلها من أهل بلدها وفي سنها وجمالها ومالها وأدبها وصراحتها لأن المهر يختلف باختلاف هذه الحالات.
. وإذا زوج الرجل ابنته وهي صغيرة ابن أخيه وهو صغير يتيم في حجره فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: النكاح جائز وله الخيار إذا أدرك وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز ذلك عليه حتى يدرك ثم رجع أبو يوسف وقال إذا زوج الولي فلا خيار وهو مثل الأب.
[قال الشافعي]: رحمه الله ولا يجوز نكاح الصغار من الرجال ولا من النساء إلا أن يزوجهن الآباء والأجداد إذا لم يكن لهن آباء وإذا زوجهن أحد سواهم فالنكاح مفسوخ ولا يتوارثان فيه وإن كبرا فإن دخل عليها فأصابها فلها المهر ويفرق بينهما ولو طلقها قبل أن يفسخ النكاح لم يقع طلاقه ولا ظهاره ولا إيلاؤه لأنها لم تكن زوجة قط. وإذا تزوج الرجل المرأة وامرأة أبيها فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: هو جائز بلغنا ذلك عن عبد الله بن جعفر أنه فعل ذلك وبه يأخذ تزوج عبد الله بن جعفر امرأة علي رضي الله عنه وابنته جميعا، وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يجوز النكاح وقال: كل امرأتين لو كانت إحداهما رجلا لم يحل لها نكاح صاحبتها فلا ينبغي للرجل أن يجمع بينهما.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: لا بأس أن يجمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها.
[قال الشافعي]: فإن قال قائل: لم زعمت أن الآباء يزوجون الصغار قيل: (زوج أبو بكر رسول الله ﷺ عائشة وهي بنت ست أو سبع وبنى بها النبي ﷺ وهي بنت تسع) فالحالان اللذان كان فيهما النكاح والدخول كانا وعائشة صغيرة ممن لا أمر لها في نفسها وزوج غير واحد من أصحاب رسول الله ﷺ ابنته صغيرة فإن قال قائل فإذا: أجزت هذا للآباء ولم تلتفت إلى القياس في أنه لا يجوز أن يعقد على حرة صغيرة نكاح ثم يكون لها الخيار لأن أصل النكاح لا يجوز أن يكون فيه خيار إلا في الإماء إذا تحولت حالهن والحرائر لا تحول حالهن ولا يجوز أن يعقد عليهن ما لهن منه بد ثم يلزمهن فكيف لم تجعل الأولياء قياسا على الآباء؟ قيل: لافتراق الآباء والأولياء وأن الأب يملك من العقد على ولده ما لا يملكه منه غيره ألا ترى أنه يعقد على البكر بالغا ولا يرد عنها وإن كرهت ولا يكون ذلك للعم ولا للأخ ولا ولي غيره فإن قال قائل: فإنا لا نجيز للأب أن يعقد على البكر بالغا ونجعله فيها وفي الثيب مثل غيره من الأولياء قيل: فأنت تجعل قبضه لمهر البكر قبضا ولا تجعل ذلك لولي غيره إلا وصي بمال وتجعل عقده عليها صغيرة جائزا لا خيار لها فيه وتجعل لها الخيار إن عقد عليها ولي غيره ولو كان مثل سائر الأولياء ما كنت قد فرقت بينه وبين الأولياء وهذا مكتوب في كتاب النكاح.
وإذا نظر الرجل إلى فرج المرأة من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: تحرم على ابنه وعلى أبيه وتحرم عليه أمها وابنتها بلغنا ذلك عن إبراهيم وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه خلا بجارية له فجردها وأن ابنا له استوهبها منه فقال له: إنها لا تحل لك وبلغنا عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه قال ملعون من نظر إلى فرج وأمها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: لا يحرم من ذلك شيء ما لم يلمسه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم عليه بالنظر دون اللمس.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إذا لمس الرجل الجارية حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم عليه بالنظر دون اللمس.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا بأس أن يتزوج الرجل ابنة الرجل وامرأة الرجل فيجمع بينهما لأن الله عز وجل إنما حرم الجمع بين الأختين وهاتان ليستا بأختين وحرم الأم والبنت إحداهما بعد الأخرى وهذه ليست بأم ولا بنت وقد جمع عبد الله بن جعفر بين امرأة علي رضي الله عنه وابنته وعبد الله بن صفوان بين امرأة رجل وابنته.
وإذا نظر الرجل إلى فرج أمته من شهوة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: لا تحل لأبيه ولا لابنه ولا تحل له أمها ولا بنتها وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى رضي الله عنه يقول: هي له حلال حتى يلمسها.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا زنى الرجل بالمرأة فلا تحرم عليه هي إن أراد أن ينكحها ولا أمها ولا ابنتها لأن الله عز وجل إنما حرم بالحلال والحرام ضد الحلال، وهذا مكتوب في كتاب النكاح من أحكام القرآن.
وإذا تزوج الرجل المرأة بشاهدين من غير أن يزوجها ولي والزوج كفؤ لها فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يقول: النكاح جائز ألا ترى أنها لو رفعت أمرها إلى الحاكم وأبى وليها أن يزوجها كان للحاكم أن يزوجها ولا يسعه إلا ذلك ولا ينبغي له غيره فكيف يكون ذلك من الحاكم والولي جائزا ولا يجوز ذلك منها وهي قد وضعت نفسها في الكفاءة بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أن امرأة زوجت ابنتها فجاء أولياؤها فخاصموا الزوج إلى علي رضي الله تعالى عنه فأجاز علي النكاح وكان ابن أبي ليلى لا يجيز ذلك وقال أبو يوسف: هو موقوف وإن رفع إلى الحاكم وهو كفء أجزت ذلك كأن القاضي ها هنا ولي بلغه أن ابنته قد تزوجت فأجاز ذلك.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: كل نكاح بغير ولي فهو باطل لقول النبي ﷺ: (أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل ثلاثا).
وإذا تزوج الرجل المرأة فأعلن المهر وقد كان أسر قبل ذلك مهرا وأشهد شهودا عليه وأعلم الشهود أن المهر الذي يظهره فهو كذا وكذا سمعة يسمع بها لقوم وأن أصل المهر هو كذا وكذا الذي في السر ثم تزوج فأعلن الذي قال فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول: المهر هو الأول وهو المهر الذي في السر والسمعة باطل الذي أظهر للقوم وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: السمعة هي المهر والذي أسر باطل أبو يوسف عن مطرف عن عامر قال: إذا أسر الرجل مهرا وأعلن أكثر من ذلك أخذ بالعلانية أبو يوسف عن الحسن بن عمارة عن الحكم عن شريح وإبراهيم مثله.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل امرأة بمهر علانية وأسر قبل ذلك مهرا أقل منه فالمهر مهر العلانية الذي وقعت عليه عقدة النكاح إلا أن يكون شهود المهرين واحدا فيثبتون على أن المهر مهر السر وأن المرأة والزوج عقدا النكاح عليه وأعلنا الخطبة بمهر غيره أو يشهدون أن المرأة بعد العقد أقرت بأن ما شهد لها به منه سمعة لا مهر.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا يجوز النكاح إلا بولي وشاهدي عدل ورضا المنكوحة والناكح إلا في الأمة فإن سيدها يزوجها والبكر فإن أباها يزوجها ومن لم يبلغ فإن الآباء يزوجونهم وهذا مكتوب في كتاب النكاح.
[قال]: وإذا زوج الرجل ابنته وقد أدركت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول: إذا كرهت ذلك لم يجز النكاح عليها لأنها قد أدركت وملكت أمرها فلا تكره على ذلك، بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: (البكر تستأمر في نفسها وإذنها صماتها) فلو كانت إذا كرهت أجبرت على ذلك لم تستأمر وبه يأخذ وكان ابن أبي ليلى يقول: النكاح جائز عليها وإن كرهت.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إنكاح الأب خاصة جائز على البكر بالغة وغير بالغة والدلالة على ذلك قول رسول الله ﷺ: (الأيم أحق بنفسها من وليها والبكر تستأمر في نفسها) ففرق رسول الله ﷺ بينهما فجعل الأيم أحق بنفسها وأمر في هذه بالمؤامرة والمؤامرة قد تكون على استطابة النفس لأنه روي أن النبي ﷺ قال: (وآمروا النساء في بناتهن) ولقول الله عز وجل: {وشاورهم في الأمر} ولو كان الأمر فيهن واحدا لقال: الأيم والبكر أحق بنفسيهما وهذا كله مستقصى بحججه في كتاب النكاح.
وإذا تزوج الرجل المرأة ثم اختلفا في المهر فدخل بها وليس بينهما بينة فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك: لها مهر مثلها إلا أن يكون ما ادعت أقل من ذلك فيكون لها ما ادعت، وكان ابن أبي ليلى يقول: إنما لها ما سمى لها الزوج وليس لها شيء غير ذلك وبه يأخذ ثم قال أبو يوسف بعد أن أقر الزوج بما يكون مهر مثلها أو قريبا منه قبل منه وإلا لم يقبل منه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا تزوج الرجل المرأة دخل بها أو لم يدخل فاختلفا في المهر تحالفا وكان لها مهر مثلها كان أقل مما ادعت أو أقل مما أقر به الزوج أو أكثر كالقول في البيوع الفائتة إلا أنا لا نرد العقد في النكاح بما يرد به العقد في البيوع ونحكم له حكم البيوع الفائتة لأن البيوع الفائتة يحكم فيها بالقيمة وهذا يحكم فيه بالقيمة والقيمة فيه مهر مثلها كما هي في البيوع قيمة مثل السلعة.
وإذا أعتقت الأمة وزوجها حر فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يجعل لها الخيار إن شاءت اختارت نفسها وإن شاءت أقامت مع زوجها وكان ابن أبي ليلى يقول: لا خيار لها ومن حجة ابن أبي ليلى في بريرة أنه يقول: كان زوجها عبدا ومن حجة أبي حنيفة في ذلك أنه يقول: إن الأمة لا تملك نفسها ولا نكاحها وقد بلغنا: (عن رسول الله ﷺ أنه خير بريرة حين عتقت) وقد بلغنا عن عائشة رضي الله عنها أن زوج بريرة كان حرا.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا أعتقت الأمة فإن كانت تحت عبد فلها الخيار وإن كانت تحت حر فلا خيار لها وذلك أن زوج بريرة كان عبدا وهذا مكتوب في كتاب النكاح.
وإذا تزوجت وزوجها غائب كان قد نعي إليها فولدت من زوجها الآخر ثم جاء زوجها الأول فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول: الولد للأول وهو صاحب الفراش وقد بلغنا عن رسول الله ﷺ أنه قال: (الولد للفراش وللعاهر الحجر) وكان ابن أبي ليلى يقول: الولد للآخر لأنه ليس بعاهر والعاهر الزاني لأنه متزوج وكذلك بلغنا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وبه يأخذ.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا بلغ المرأة وفاة زوجها فاعتدت ثم نكحت فولدت أولادا ثم جاء زوجها المنعى حيا فسخ النكاح الآخر واعتدت منه وكانت زوجة الأول كما هي وكان الولد للآخر لأنه نكحها نكاحا حلالا في الظاهر حكمه حكم الفراش.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: وإذا لمس الرجل الجارية: حرمت على أبيه وابنه ولا تحرم على أبيه وابنه بالنظر دون اللمس.