كتاب الأم/كتاب ما اختلف فيه أبو حنيفة وابن أبي ليلى/باب في الأوصياء
[قال الشافعي]: رحمه الله: ولو أن رجلا، أوصى إلى رجل فمات الموصى إليه فأوصى إلى آخر فإن أبا حنيفة رضي الله تعالى عنه كان يقول هذا الآخر وصي الرجلين جميعا وبهذا يأخذ، وكذلك بلغنا عن إبراهيم، وكان ابن أبي ليلى رحمه الله تعالى يقول هذا الآخر وصي الذي أوصى إليه ولا يكون وصيا للأول إلا أن يكون الآخر أوصى إليه بوصية الأول فيكون وصيهما جميعا وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بعد لا يكون وصيا للأول إلا أن يقول الثاني قد أوصيت إليك في كل شيء، أو يذكر وصية الآخر.
[قال الشافعي]: رحمه الله: وإذا، أوصى الرجل إلى رجل، ثم حضرت الوصي الوفاة فأوصى بماله وولده ووصية الذي، أوصى إليه إلى رجل آخر فلا يكون الآخر بوصية الأوسط وصيا للأول ويكون وصيا للأوسط الموصى إليه، وذلك أن الأول رضي بأمانة الأوسط ولم يرض أمانة الذي بعده، والوصي أضعف حالا في أكثر أمره من الوكيل، ولو أن رجلا وكل رجلا بشيء لم يكن للوكيل أن يوكل غيره بالذي وكله به ليستوجب الحق، ولو كان الميت الأول، أوصى إلى الوصي أن لك أن توصي بما، أوصيت به إليك إلى من رأيت فأوصى إلى رجل بتركة نفسه لم يكن وصيا للأول ولا يكون وصيا للأول حتى يقول قد أوصيت إليك بتركة فلان فيكون حينئذ وصيا له، ولو أن وصيا لأيتام تجر لهم بأموالهم، أو دفعها مضاربة. فإن أبا حنيفة رضي الله عنه كان يقول هو جائز عليهم ولهم بلغنا ذلك عن إبراهيم النخعي، وكان ابن أبي ليلى يقول لا تجوز عليهم، والوصي ضامن لذلك وقال ابن أبي ليلى أيضا على اليتامى الزكاة في أموالهم فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن وقال أبو حنيفة رضي الله عنه ليس على يتيم زكاة حتى يبلغ، ألا ترى أنه لا صلاة عليه ولا فريضة عليه وبهذا يأخذ.
[قال الشافعي]: رضي الله عنه وإذا كان الرجل وصيا بتركة ميت يلي أموالهم كان أحب إلي أن يتجر لهم بها لم تكن التجارة بها عندي تعديا، وإذا لم تكن تعديا لم يكن ضامنا إن تلفت، وقد اتجر عمر بن الخطاب رضي الله عنه بمال يتيم كان يليه، وكانت عائشة رضي الله عنها تبضع بأموال بني محمد بن أبي بكر في البحر وهم أيتام وتليهم وتؤدي منها الزكاة وعلى ولي اليتيم أن يؤدي الزكاة عنه في جميع ماله كما يؤديها عن نفسه لا فرق بينه وبين الكبير البالغ فيما يجب عليهما كما على ولي اليتيم أن يعطي من مال اليتيم ما لزمه من جناية لو جناها، أو نفقة له من صلاحه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا عبد المجيد بن عبد العزيز عن معمر بن راشد عن أيوب بن أبي تميمة عن محمد بن سيرين أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال لرجل إن عندنا مالا ليتيم قد أسرعت فيه الزكاة وذكر أنه دفعه إلى رجل يتجر فيه.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: إما قال مضاربة وإما قال بضاعة وقال بعض الناس لا زكاة في مال اليتيم الناض وفي زرعه الزكاة وعليه زكاة الفطر تؤدى عنه وجناياته التي تلزم من ماله واحتج بأنه لا صلاة عليه وأنه لو كان سقوط الصلاة عنه يسقط عنه الزكاة كان قد فارق قوله إذ زعم أن عليه زكاة الفطر وزكاة الزرع، وقد كتب هذا في كتاب الزكاة.
[قال]: ولو أن وصي ميت ورثته كبار وصغار ولا دين على الميت ولم يوص بشيء باع عقارا من عقار الميت فإن أبا حنيفة رحمه الله تعالى كان يقول في ذلك بيعه جائز على الصغار، والكبار، وكان ابن أبي ليلى يقول يجوز على الصغار، والكبار إذا كان ذلك مما لا بد منه وقال أبو يوسف رحمه الله تعالى بيعه على الصغار جائز في كل شيء كان منه بدأ ولم يكن ولا يجوز على الكبار في شيء من بيع العقار إذا لم يكن الميت، أوصى بشيء يباع فيه، أو يكون عليه دين.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولو أن رجلا مات وأوصى إلى رجل وترك ورثة بالغين أهل رشد وصغارا ولم يوص بوصية ولم يكن عليه دين فباع الوصي عقارا مما ترك الميت كان بيعه على الكبار باطلا ونظر في بيعه على الصغار فإن كان باع عليهم فيما لا صلاح لمعاشهم إلا به، أو باع عليهم نظرا لهم بيع غبطة كان بيعا جائزا وإن لم يبع في واحد من الوجهين ولا أمر لزمهم كان بيعه مردودا، وإذا أمرناه إذا كان في يده الناض أن يشتري لهم به العقار الذي هو خير لهم من الناض لم نجز له أن يبيع العقار إلا ببعض ما وصفت من العذر.