البداية والنهاية/الجزء الخامس/قدوم عمرو بن معديكرب في أناس من زبيد
قال ابن إسحاق: وقد كان عمرو بن معدي كرب قال لقيس بن مكشوح المرادي حين انتهى إليهم أمر رسول الله ﷺ: يا قيس إنك سيد قومك، وقد ذكر لنا أن رجلا من قريش يقال له: محمد قد خرج بالحجاز يقال: إنه نبي، فانطلق بنا إليه حتى نعلم علمه فإن كان نبيا كما يقول، فإنه لن يخفى علينا إذا لقيناه اتبعناه، وإن كان غير ذلك علمنا علمه، فأبى عليه قيس ذلك وسفه رأيه، فركب عمرو بن معدي كرب حتى قدم على رسول الله ﷺ فأسلم وصدقه وآمن به.
فلما بلغ ذلك قيس بن مكشوح أوعد عمرا وقال: خالفني وترك أمري ورأيي.
فقال عمرو بن معدي كرب في ذلك:
أمرتك يوم ذي صن * عاء أمرا باديا رشده
أمرتك باتقاء الله وال * معروف تتعده
خرجت من المنى مثل ال * حمير غره وتده
تمناني على فرس * عليه جالسا أسده
علي مفاضة كالنن * هي أخلص ماءه جدده
ترد الرمح منثني ال * سنان عوائرا قصده
فلو لاقيتني للقي * ت ليثا فوقه لبده
تلاقى شنبثا شثن ال * براثن ناشرا كتده
يسامي القرن إن قرن * تيممه فيعتضده
فيأخذه فيرفعه * فيخفضه فيقتصده
فيدمغه فيحطمه * فيمخضه فيزدرده
ظلوم الشرك فيما أح * رزت أنيابه ويده
قال ابن إسحاق: فأقام عمرو بن معديكرب في قومه من بني زبيد، وعليهم فروة بن مسيك، فلما توفي رسول الله ﷺ ارتد عمرو بن معدي كرب فيمن ارتد وهجا فروة بن مسيك فقال:
وجدنا ملك فروة شر ملك * حمار ساف منخره بثفر
وكنت إذا رأيت أبا عمير * ترى الحولاء من خبث وغدر
قلت: ثم رجع إلى الإسلام، وحسن إسلامه، وشهد فتوحات كثيرة في أيام الصديق وعمر الفاروق رضي الله عنهما، وكان من الشجعان المذكورين والأبطال المشهورين، والشعراء المجيدين، توفي سنة إحدى وعشرين بعد ما شهد فتح نهاوند.
وقيل: بل شهد القادسية وقتل يومئذ.
قال أبو عمر ابن عبد البر: وكان وفوده إلى رسول الله ﷺ سنة تسع، وقيل: سنة عشر فيما ذكره ابن إسحاق والواقدي.
قلت: وفي كلام الشافعي ما يدل عليه، فالله أعلم.
قال يونس عن ابن إسحاق: وقد قيل: إن عمرو بن معدي كرب لم يأت النبي ﷺ وقد قال في ذلك:
إنني بالنبي موقنة نف * سي وإن لم أر النبي عيانا
سيد العالمين طرا وأدنا * هم إلى الله حين بان مكانا
جاء بالناموس من لدن الله و * كان الأمين فيه المعانا
حكمة بعد حكمة وضياء * فاهتدينا بنورها من عمانا
وركبنا السبيل حين ركبن * اه جديدا بكرهنا ورضانا
وعبدنا الإله حقا وكنا * للجهالات نعبد الأوثانا
وائتلفنا به وكنا عدوا * فرجعنا به معا إخوانا
فعليه السلام والسلام منا * حيث كنا من البلاد وكانا
إن نكن لم نر النبي فإنا * قد تبعنا سبيله إيمانا