كتاب الأم/كتاب الحكم في قتال المشركين ومسألة مال الحربي/الصلح على الجزية
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: ولا أعرف أن النبي ﷺ صالح أحدا من أهل الجزية على شيء إلا ما أصف صالح أهل أيلة على ثلثمائة دينار وكان عددهم ثلثمائة رجل وصالح نصرانيا بمكة يقال له موهب على دينار وصالح ذمة اليمن على دينار دينار وجعله على المحتلمين من أهل اليمن وأحسب كذلك جعله في كل موضع وإن لم يحك في الخبر كما حكي خبر اليمن ثم صالح أهل نجران على حلل يؤدونها فدل صلحه إياهم على غير الدنانير على أنه يجوز ما صالحوا عليه وصالح عمر بن الخطاب رضي الله عنه أهل الشام على أربعة دنانير وروى عنه بعض الكوفيين أنه صالح الموسر من ذمتهم على ثمانية وأربعين والوسط على أربعة وعشرين والذي دونه على اثني عشر درهما ولا بأس بما صالح عليه أهل الذمة وإن كان أكثر من هذا إذا كان العقد على شيء مسمى بعينه وإن كان أضعاف هذا وإذا عقد لهم العقد على شيء مسمى لم يجز عندي أن يزاد على أحد منهم فيه بالغا يسره ما بلغ وإن صالحوا على ضيافة مع الجزية فلا بأس وكذلك لو صالحوا على مكيلة طعام كان ذلك كما يصالحون عليه من الذهب والورق ولا تكون الجزية إلا في كل سنة مرة ولو حاصرنا أهل مدينة من أهل الكتاب فعرضوا علينا أن يعطونا الجزية لم يكن لنا قتالهم إذا أعطوناها وأن يجري عليهم حكمنا وإن قالوا نعطيكموها ولا يجري علينا حكمكم لم لم يلزمنا أن نقبلها منهم لأن الله عز وجل قال {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} فلم أسمع مخالفا في أن الصغار أن يعلو حكم الإسلام على حكم الشرك ويجري عليهم ولنا أن نأخذ منهم متطوعين وعلى النظر للإسلام وأهله وإن لم يجر عليهم الحكم كما يكون لنا ترك قتالهم ولو عرضوا علينا أن يعطونا الجزية ويجري عليهم الحكم فاختلفنا نحن وهم في الجزية فقلنا: لا نقبل إلا كذا وقالوا: لا نعطيكم إلا كذا رأيت والله تعالى أعلم أن يلزمنا أن نقبل منهم دينارا دينارا لأن النبي ﷺ قد أخذه من نصراني بمكة مقهور ومن ذمة اليمن وهم مقهورون ولم يلزمنا أن نأخذ منهم أقل منه والله تعالى أعلم لأنا لم نجد رسول الله ﷺ ولا أحدا من الأئمة أخذ منهم أقل منه واثنا عشر درهما في زمان عمر رضي الله تعالى عنه كانت دينارا فإن كان أخذها فهي دينار وهي أقل ما أخذ ونزداد منهم ما لم نعقد لهم شيئا مما قدرنا عليه وإن كنت في العقد لهم أن يخفف عمن افتقر منهم إلى أن يجد كان ذلك جائزا وإن لم يكن في العقدة كان ذلك لازما لهم والبالغون منهم في ذلك سواء الزمن وغير الزمن فإن أعوز أحدهم بجزيته فهي دين عليه يؤخذ منه متى قدر عليها وإن غاب سنين ثم رجع أخذت منه لتلك السنين إذا كانت غيبته في بلاد الإسلام والحق لا يوضع عن شيخ ولا مقعد ولو حال عليه حول أو أحوال ولم تؤخذ منه ثم أسلم أخذت منه لأنها كانت لزمته في حال شركه فلا يضع الإسلام عنه دينا لزمه لأنه حق لجماعة المسلمين وجب عليه ليس للإمام تركه قبله كما لم يكن له تركه قبله في حال شركه.