البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة أربع تسعين وخمسمائة



ثم دخلت سنة أربع تسعين وخمسمائة


فيها: جمعت الفرنج جموعها وأقبلوا فحاصروا تبنين، فاستدعى العادل بني أخيه لقتالهم، فجاءه العزيز من مصر، والأفضل من صرخند.

فأقلعت الفرنج عن الحصن وبلغهم موت ملك الألمان فطلبوا من العادل الهدنة والأمان، فهادنهم ورجعت الملوك إلى أماكنها، وقد عظم المعظم عيسى بن العادل في هذه المرة، واستنابه أبوه على دمشق، وسار إلى ملكه بالجزيرة، فأحسن فيهم السيرة.

وكان قد توفي في هذه السنة السلطان صاحب سنجار وغيرها من المدائن الكبار، وهو عماد الدين زنكي بن مودود بن زنكي الأتابكي، كان من خيار الملوك وأحسنهم شكلا وسيرة، وأجودهم طوية وسريرة، غير أنه كان يبخل، وكان شديد المحبة للعلماء، ولا سيما الحنفية.

وقد ابتنى لهم مدرسة بسنجار، وشرط لهم طعاما يطبخ لكل واحد منهم في كل يوم، وهذا نظر حسن، والفقيه أولى بهذه الحسنة من الفقير، لاشتغال الفقيه بتكراره ومطالعته عن الفكر فيما يقيته، فعدى على أولاده ابن عمه صاحب الموصل، فأخذ الملك منهم، فاستغاث بنوه بالملك العادل، فرد فيهم الملك ودرأ عنهم الضيم، واستقرت بالمملكة لولده قطب الدين محمد.

ثم سار الملك إلى ماردين فحاصرها في شهر رمضان، فاستولى على ريفها ومعاملتها، وأعجزته قلعتها، فطاف عليها ومشى، وما ظن أحد أنه تملكها، لأن ذلك لم يكن مثبوتا ولا مقدارا.

وفيها: ملكت الخزر مدينة بلخ وكسروا الخطا وقهروهم، وأرسل الخليفة إليهم أن يمنعوا خوارزم شاه من دخول العراق، فإنه كان يروم أن يخطب له ببغداد.

وفيها: حاصر خوارزم شاه مدينة بخارى ففتحها بعد مدة، وقد كانت امتنعت عليه دهرا ونصرهم الخطا، فقهرهم جميعا وأخذها عنوة، وعفا عن أهلها وصفح.

وقد كانوا ألبسوا كلبا أعور قباء وسموه خوارزم شاه، ورموه في المنجيق إلى الخوارزمية، وقالوا هذا مالكم، وكان خوارزم شاه أعور، فلما قدر عليهم عفا عنهم، جزاه الله خيرا.

وفيها توفي من الأعيان:

العوام بن زيادة

كاتب الإنشاء بباب الخلافة، وهو أبو طالب يحيى بن سعيد بن هبة الله بن علي بن زيادة، انتهت إليه رياسة الرسائل والإنشاء والبلاغة والفصاحة في زمانه بالعراق.

وله علوم كثيرة غير ذلك من الفقه على مذهب الشافعي، أخذه عن ابن فضلان، وله معرفة جيدة بالأصلين الحساب واللغة، وله شعر جيد وقد ولي عدة مناصب كان مشكورا في جميعها، ومن مستجاد شعره قوله:

لا تحقرن عدوا تزدريه فكم ** قد أتعس الدهر جد الجد باللعب

فهذه الشمس يعروها الكسوف لها ** على جلالتها بالرأس والذنب

وله:

باضطراب الزمان ترتفع الأنـ ** ـذال فيه حتى يعم البلاء

وكذا الماء راكدٌ فإذا ** حرك ثارت من قعره الأقذاء

وله أيضا:

قد سلوت الدنيا ولم يسلها ** من علقت في آماله والأراجي

فإذا ما صرفت وجهي عنها ** قذفتني في بحرها العجاج

يستضيئون بي وأهلك وحدي ** فكأني ذبالة في سراج

توفي في ذي الحجة وله ثنتان وسبعون سنة، وحضر جنازته خلق كثير، ودفن عند موسى بن جعفر.

القاضي أبو الحسن علي بن رجاء بن زهير

ابن علي البطائحي، قدم بغداد فتفقه بها وسمع الحديث وأقام برحبة مالك بن طوق مدة يشتغل على أبي عبد الله بن النبيه الفرضي، ثم ولي قضاء العراق مدة.

وكان أديبا، وقد سمع من شيخه أبي عبد الله بن النبيه ينشد لنفسه معارضا للحريري في بيتيه اللذين زعم أنهما لا يعزوان ثالثا لهما، وهما قوله:

سمْ ممة يحُمد آثارها ** واشكر لمن أعطا ولو سمسمة

والمكر مهما اسطعت لا تأته ** لتقتني السؤدد والمكرمة

فقال ابن النبيه:

ما الأمة الوكساء بين الورى ** أحسن من حر أتى ملامه

فمه إذا استجديت عن قول لا ** فالحر لا يملأ منها فمه

الأمير عز الدين جرديك

كان من أكابر الأمراء في أيام نور الدين، وكان ممن شرك في قتل شاور، وحظي عند صلاح الدين، وقد استنابه على القدس حين افتتحها، وكان يستند به للمهمات الكبار فيسدها بنفسه وشجاعته.

ولما ولي الأفضل عزله عن القدس فترك بلاد الشام وانتقل إلى الموصل، فمات بها في هذه السنة.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697