البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة تسع وتسعين وخمسمائة



ثم دخلت سنة تسع وتسعين وخمسمائة


قال سبط ابن الجوزي في مرآته: في ليلة السبت سلخ المحرم هاجت النجوم في السماء وماجت شرقا وغربا، وتطايرت كالجراد المنتشر يمينا وشمالا، قال: ولم ير مثل هذا إلا في عام المبعث، وفي سنة إحدى وأربعين ومائتين..

وفيها: شرع بعمارة سور قلعة دمشق وابتدئ ببرج الزاوية الغربية القبلية المجاور لباب النصر.

وفيها: أرسل الخليفة الناصر الخلع وسراويلات الفتوة إلى الملك العادل وبنيه.

وفيها بعث العادل ولده موسى الأشرف لمحاصرة ماردين، وساعده جيش سنجار والموصل ثم وقع الصلح على يدي الظاهر، على أن يحمل صاحب ماردين في كل سنة مائة ألف وخمسين ألف دينار، وأن تكون السكة والخطبة للعادل، وأنه متى طلبه بجيشه يحضر إليه.

وفيها: كمل بناء رباط الموريانية، ووليه الشيخ شهاب الدين عمر بن محمد الشهرزوري، ومعه جماعة من الصوفية، ورتب لهم من المعلوم والجراية ما ينبغي لمثلهم. وفيها: احتجر الملك العادل على محمد بن الملك العزيز وإخوته وسيرهم إلى الرها خوفا من آفائهم بمصر.

وفيها: استحوذت الكرج على مدينة دوين فقتلوا أهلها ونهبوها، وهي من بلاد أذربيجان، لاشتغال ملكها بالفسق وشرب الخمر قبحه الله، فتحكمت الكفرة في رقاب المسلمين بسببه، وذلك كله غل في عنقه يوم القيامة.

وفيها توفي:

الملك غياث الدين الغوري أخو شهاب الدين

فقام بالملك بعده ولده محمود، وتلقب بلقب أبيه، وكان غياث الدين عاقلا حازما شجاعا، لم تكسر له راية مع كثرة حروبه، وكان شافعي المذهب، ابتنى مدرسة هائلة للشافعية، وكانت سيرته حسنة في غاية الجودة.

وفيها توفي من الأعيان:

الأمير علم الدين أبو منصور

سليمان بن شيروه بن جندر أخو الملك العادل لأبيه، في تاسع عشر من المحرم، ودفن بداره التي خطها مدرسة في داخل باب الفراديس في محلة الافتراس، ووقف عليها الحمام بكمالها تقبل الله منه.

القاضي الضياء الشهرزوري

أبو الفضائل القاسم بن يحيى بن عبد الله بن القاسم الشهرزوري الموصلي، قاضي قضاة بغداد، وهو ابن أخي قاضي قضاة دمشق كمال الدين الشهرزوري، أيام نور الدين. ولما توفي سنة ست وسبعين في أيام صلاح الدين أوصى لولد أخيه هذا بالقضاء فوليه، ثم عزل عنه بابن أبي عصرون، وعوض بالسفارة إلى الملوك، ثم تولى قضاء بلدة الموصل، ثم استدعى إلى بغداد فوليها سنتين وأربعة أشهر، ثم استقال الخليفة فلم يقله لحظوته عنده، فاستشفع في زوجته ست الملوك على أم الخليفة، وكان لها مكانة عندها، فأجيب إلى ذلك فصار إلى قضاء حماه لمحبته إياها، وكان يعاب عليه ذلك، وكانت لديه فضائل وله أشعار رائقة، توفي في حماه في نصف رجب منها.

عبد الله بن علي بن نصر بن حمزة

أبو بكر البغدادي المعروف بابن المرستانية، أحد الفضلاء المشهورين. سمع الحديث وجمعه، وكان طبيبا منجما يعرف علوم الأوائل وأيام الناس، وصنف ديوان الإسلام في تاريخ دار السلام، ورتبه على ثلاثمائة وستين كتابا إلا أنه لم يشتهر، وجمع سيرة ابن هبيرة، وقد كان يزعم أنه من سلالة الصديق فتكلموا فيه بسبب ذلك. وأنشد بعضهم:

دع الأنساب لا تعرض لتيم ** فإن الهجن من ولد الصميم

لقد أصبحت من تيم دعيا ** كدعوى حيص بيص إلى تميم

ابن النجا الواعظ

علي بن إبراهيم بن نجا زين الدين أبو الحسن الدمشقي، الواعظ الحنبلي، قدم بغداد فتفقه بها وسمع الحديث ثم رجع إلى بلده دمشق، ثم عاد إليها رسولا من جهة نور الدين في سنة أربع وستين، وحدث بها، ثم كانت له حظوة عند صلاح الدين، وهو الذي نم على عمارة اليمني وذويه فصلبوا، وكانت له مكانة بمصر، وقد تكلم يوم الجمعة التي خطب فيها بالقدس بعد الفراغ من الجمعة، وكان وقتا مشهودا، وكان يعيش عيشا أطيب من عيش الملوك في الأطعمة والملابس، وكان عنده أكثر من عشرين سرية من أحسن النساء، كل واحدة بألف دينار، فكان يطوف عليهن ويغشاهن وبعد هذا كله مات فقيرا لم يخلف كفنا، وقد أنشد وهو على منبره للوزير طلائع بن زريك:

مشيبك قد قضى شرخ الشباب ** وحل الباز في وكر الغراب

تنام ومقلة الحدثان يقظى ** وما ناب النوائب عنك ناب

فكيف بقاء عمرك وهو كنز ** وقد أنفقت منه بلا حساب؟

الشيخ أبو البركات محمد بن أحمد بن سعيد التكريتي

يعرف بالمؤيد، كان أديبا شاعرا. ومما نظمه في الوجيه النحوي حين كان حنبليا فانتقل حنفيا، ثم صار شافعيا، نظم ذلك في حلقة النحو بالنظامية فقال:

ألا مبلغا عني الوجيه رسالة ** وإن كان لا تجدي لديه الرسائل

تمذهبت للنعمان بعد ابن حنبل ** وذلك لما أعوزتك المآكل

وما اخترت قول الشافعي ديانة ** ولكنما تهوى الذي هو حاصل

وعما قليل أنت لا شك صائر ** إلى مالك فانظر إلى ما أنت قائل؟

الست الجيلية زمرد خاتون

أم الخليفة الناصر لدين الله زوجة المستضيئ، كانت صالحة عابدة كثيرة البر والإحسان والصلات والأوقاف، وقد بنت لها تربة إلى جانب قبر معروف، وكانت جنازتها مشهورة جدا، واستمر العزاء بسببها شهرا، عاشت في خلافة ولدها أربعا وعشرين سنة نافذة الكلمة مطاعة الأوامر.

وفيها: كان مولد الشيخ شهاب الدين أبي شامة، وقد ترجم نفسه عند ذكر مولده في هذه السنة في الذيل ترجمة مطولة، فينقل إلى سنة وفاته، وذكر بدو أمره واشتغاله ومصنفاته وشيئا كثيرا من شعاره، وما رئي له من المنامات المبشرة.

وفيها: كان ابتداء ملك جنكيز خان ملك التتار، عليه من الله ما يستحقه، وهو صاحب الباسق وضعها ليتحاكموا إليها - يعني التتار ومن معهم من أمراء الترك - ممن يبتغي حكم الجاهلية - وهو والد تولى، وجد هولاكو بن تولى - الذي قتل الخليفة المستعصم وأهل بغداد في سنة ست وخمسين وستمائة كما سيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في موضعه. والله سبحانه وتعالى أعلم.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697