البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة



ثم دخلت سنة خمس وتسعين وستمائة


استهلت وخليفة الوقت الحاكم بأمر الله أبو العباس أحمد العباسي، وسلطان البلاد الملك العادل زين الدين كتبغا، ونائبه بمصر الأمير حسام الدين لاجين السلحداري المنصوري، ووزيره فخر الدين بن الخليلي، وقضاة مصر والشام هم المذكورون في التي قبلها، ونائب الشام عز الدين الحموي، ووزيره تقي الدين توبة، وشاد الدواوين الأعسر، وخطيب البلد وقاضيها ابن جماعة.

وفي المحرم ولي نظر الأيتام برهان الدين بن هلال عوضا عن شرف الدين بن الشيرجي.

وفي مستهل هذه السنة كان الغلاء والفناء بديار مصر شديدا جدا، وقد تفانى الناس إلا القليل، وكانوا يحفرون الحفيرة فيدفنون فيها الفئام من الناس، والأسعار في غاية الغلاء، والأقوات في غاية القلة والغلاء، والموت عمال، فمات بها في شهر صفر مائة ألف ونحو من ثلاثين ألفا، ووقع غلاء بالشام فبلغت الغرارة إلى مائتين، وقدمت طائفة من التتر العويراتية لما بلغهم سلطنة كتبغا إلى الشام لأنه منهم، فتلقاهم الجيش بالرحب والسعة، ثم سافروا إلى الديار المصرية مع الأمير قراسنقر المنصوري، وجاء الخبر باشتداد الغلاء والفناء بمصر، حتى قيل إنه بيع الفروج بالإسكندرية بستة وثلاثين درهما، وبالقاهرة بتسعة عشر، والبيض كل ثلاثة بدرهم، وأفنيت الحمر والخليل والبغال والكلاب من أكل الناس لها، ولم يبق شيء من هذه الحيوانات يلوح إلا أكلوه.

وفي يوم السبت الثاني عشر من جمادى الأولى ولي قضاء القضاة بمصر الشيخ العلامة تقي الدين بن دقيق العيد عوضا عن تقي الدين بن بنت الأعز، ثم وقع الرخص بالديار المصرية، وزال الضر والجوع في جمادى الآخرة ولله الحمد.

وفي يوم الأربعاء ثاني شهر رجب درّس القاضي إمام الدين بالقيمرية عوضا عن صدر الدين بن رزين الذي توفي.

قال البرزالي: وفيها وقعت صاعقة على قبة زمزم فقتلت الشيخ علي بن محمد بن عبد السلام مؤذن المسجد الحرام، كان يؤذن على سطح القبة المذكورة، وكان قد روى شيئا من الحديث.

وفيها: قدمت امرأة الملك الظاهر أم سلامش من بلاد الاشكري إلى دمشق في أواخر رمضان فبعث إليها نائب البلد بالهدايا والتحف ورتبت لها الروائب والإقامات، وكان قد نفاهم خليل بن المنصور لما ولي السلطنة.

قال الجزري: وفي رجب درّس كمال الدين بن القلانسي عوضا عن جلال الدين القزويني.

وفي يوم الأربعاء سابع عشر شعبان درّس الشيخ الإمام العلامة شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية الحراني بالمدرسة الحنبلية عوضا عن الشيخ زين الدين بن المنجى توفي إلى رحمة الله، ونزل ابن تيمية عن حلقة العماد بن المنجا لشمس الدين بن الفخر البعلبكي.

وفي آخر شوال ناب القاضي جمال الدين الزرعي الذي كان حاكما بزرع، وهو سليمان بن عمر بن سالم الأزرعي عن ابن جماعة بدمشق، فشكرت سيرته.

وفيها: خرج السلطان كتبغا من مصر قاصدا الشام في أواخر شوال، ولما جاء البريد بذلك ضربت البشائر بالقلعة، ونزلوا بالقلعة السلطان ونائبه لاجين ووزيره ابن الخليلي.

وفي يوم الأحد سادس عشر ذي القعدة ولي قضاء الحنابلة الشيخ تقي الدين سليمان بن حمزة المقدسي عوضا عن شرف الدين مات رحمه الله، وخلع عليه وعلى بقية الحكام وأرباب الولايات الكبار وأكابر الأمراء.

وولي نجم الدين بن أبي الطيب وكالة بيت المال عوضا عن ابن الشيرازي، وخلع عليه مع الجماعة، ورسم على سنقر الأعسر وجماعة من أصحابه وخلق من الكتبة والولاة وصودروا بمال كثير، واحتيط على أموالهم وحواصلهم، وعلى بنت ابن السلعوس وابن عدنان وخلق، وجرت خبطة عظيمة.

وقدم ابنا الشيخ علي الحريري حسن وشيث من بسر لزيارة السلطان فحصل لهما منه رفد وإسعاف وعادا إلى بلادهما، وضيفت القلندرية السلطان بسفح جبل المزة، فأعطاه نحوا من عشرة آلاف، وقدم صاحب حماة إلى خدمة السلطان ولعب معه الكرة بالميدان، واشتكت الأشراف من نقيبهم زين الدين بن عدنان، فرفع الصاحب يده عنهم وجعل أمرهم إلى القاضي الشافعي.

فلما كان يوم الجمعة الثاني والعشرين من ذي القعدة صلى السلطان الملك العادل كتبغا بمقصورة الخطابة، وعن يمينه صاحب حماة، وتحته بدر الدين أمير سلاح، وعن يساره أولاد الحريري حسن وأخواه، وتحتهم نائب المملكة حسام الدين لاجين، وإلى جانبه نائب الشام عز الدين الحموي، وتحته بدر الدين بيسرى، وتحته قراسنقر وإلى جانبه الحاج بهادر، وخلفهم أمراء كبار، وخلع على الخطيب بدر الدين بن جماعة خلعة سنية.

ولما قضيت الصلاة سلم على السلطان وزار السلطان المصحف العثماني.

ثم أصبح يوم السبت فلعب الكرة بالميدان.

وفي يوم الاثنين ثاني ذي الحجة عزل الأمير عز الدين الحموي عن نيابة الشام، وعاتبه السلطان عتابا كثيرا على أشياء صدرت منه، ثم عفا عنه وأمره بالمسير معه إلى مصر، واستناب بالشام الأمير سيف الدين غرلو العادلي، وخلع على المولى وعلى المعزول.

وحضر السلطان دار العدل وحضر عند الوزير والقضاة والأمراء، وكان عادلا كما سمي، ثم سافر السلطان في ثاني عشر ذي الحجة نحو بلاد حلب فاجتاز على حرستا، ثم أقام بالبرية أياما، ثم عاد فنزل حمص، وجاء إليه نواب البلاد، وجلس الأمير غرلو نائب دمشق بدار العدل، فحكم وعدل.

وكان محمود السيرة سديد الحكم رحمه الله تعالى.

من الأعيان:

الشيخ زين الدين بن منجى الإمام العالم العلامة مفتي المسلمين

الصدر الكامل، زين الدين أبو البركات بن المنجى بن الصدر عز الدين أبي عمر عثمان بن أسعد بن المنجى بن بركات بن المتوكل التنوخي، شيخ الحنابلة وعالمهم، ولد سنة إحدى وثلاثين وستمائة، وسمع الحديث وتفقه، فبرع في فنون من العلم كثيرة من الأصول والفروع والعربية والتفسير وغير ذلك.

وانتهت إليه رياسة المذهب، وصنّف في الأصول، وشرح (المقنع)، وله تعاليق في التفسير، وكان قد جمع له بين حسن السمت والديانة، والعلم والوجاهة، وصحة الذهن والعقيدة، والمناظرة، وكثرة الصدقة، ولم يزل يواظب على الجامع للاشتغال متبرعا حتى توفي يوم الخميس رابع شعبان، وتوفيت معه زوجته أم محمد ست البها بنت صدر الدين الخجندي، وصلّي عليهما بعد الجمعة بجامع دمشق، وحملا جميعا إلى سفح قاسيون شمال الجامع المظفري تحت الروضة، فدفنا في تربة واحدة رحمهما الله تعالى.

وهو والد قاضي القضاة علاء الدين، وكان شيخ المسمارية، ثم وليها بعده ولداه شرف الدين وعلاء الدين، وكان شيخ الحنبلية فدرّس بها بعده الشيخ تقي الدين بن تيمية كما ذكرنا ذلك في الحوادث.

المسعودي صاحب الحمام بالمزة

أحد كبار الأمراء، هو الأمير الكبير بدر الدين لؤلؤ بن عبد الله المسعودي، أحد الأمراء المشهورين بخدمة الملوك، توفي ببستانه بالمزة يوم السبت سابع عشرين شعبان، ودفن صبح يوم الأحد بتربته بالمزة، وحضر نائب السلطنة جنازته، وعمل عزاؤه تحت النسر بجامع دمشق.

الشيخ الخالدي هو الشيخ الصالح إسرائيل

بن علي بن حسين الخالدي، له زاوية خارج باب السلامة، كان يقصد فيها للزيارة، وكان مشتملا على عبادة وزهادة، وكان لا يقوم لأحد، ولو كان من كان، وعنده سكون وخشوع ومعرفة بالطريق، وكان لا يخرج من منزله إلا إلى الجمعة، حتى كانت وفاته بنصف رمضان ودفن بقاسيون رحمه الله تعالى.

الشرف حسين المقدسي هو قاضي القضاة شرف الدين أبو الفضل

الحسين بن الإمام الخطيب شرف الدين أبي بكر عبد الله بن الشيخ أبي عمر المقدسي، سمع الحديث وتفقه وبرع في الفروع واللغة، وفيه أدب وحسن محاضرة، مليح الشكل، تولى القضاء بعد نجم الدين بن الشيخ شمس الدين في أواخر سنة سبع وثمانين.

ودرس بدار الحديث الأشرفية بالسفح، توفي ليلة الخميس الثاني والعشرين من شوال، وقد قارب الستين، ودفن من الغد بمقبرة جده بالسفح، وحضر نائب السلطنة والقضاة والأعيان جنازته، وعمل من الغد عزاؤه بالجامع المظفري، وباشر القضاء بعده تقي الدين سليمان بن حمزة، وكذا مشيخة دار الحديث الأشرفية بالسفح، وقد وليها شرف الدين الغابر الحنبلي النابلسي مدة شهور، ثم صرف عنها واستقرت بيد التقي سليمان المقدسي.

الشيخ الإمام العالم الناسك أبو محمد بن أبي حمزة المغربي المالكي

توفي بالديار المصرية في ذي القعدة، وكان قوالا بالحق، أمارا بالمعروف ونهاءا عن المنكر.

الصاحب محيي الدين بن النحاس أبو عبد الله

محمد بن بدر الدين يعقوب بن إبراهيم بن عبد الله بن طارق بن سالم بن النحاس الأسدي الحلبي الحنفي، ولد سنة أربع عشرة وستمائة بحلب، واشتغل وبرع وسمع الحديث وأقام بدمشق مدة، ودرس بها بمدارس كبار، منها الظاهرية، والزنجانية، وولى القضاء بحلب والوزارة بدمشق، ونظر الخزانة ونظر الدواوين والأوقاف، ولم يزل مكرما معظما معروفا بالفضيلة، والإنصاف في المناظرة، محبا للحديث وأهله على طريقة السلف، وكان يحب الشيخ عبد القادر وطائفته، توفي ببستانه بالمزة عشية الاثنين سلخ ذي الحجة، وقد جاوز الثمانين، ودفن يوم الثلاثاء مستهل سنة ست وتسعين بمقبرة له بالمزة، وحضر جنازته نائب السلطنة والقضاة.

قاضي القضاة تقي الدين أبو القاسم عبد الرحمن

بن قاضي القضاة تاج الدين أبي محمد عبد الوهاب بن القاضي الأعز أبي القاسم خلف بن بدر العلائي الشافعي، توفي في جمادى الأولى ودفن بالقرافة بتربتهم.

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697