البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة



ثم دخلت سنة سبع وأربعين وستمائة


فيها: كانت وفاة الملك الصالح أيوب، وقتل ابنه توران شاه وتوليه المعز عز الدين أيبك التركماني.

وفي رابع المحرم يوم الاثنين توجه الملك الصالح من دمشق إلى الديار المصرية في محفة. قاله ابن السبط.

وكان قد نادى في دمشق: من له عندنا شيء فليأت، فاجتمع خلق كثير بالقلعة، فدفعت إليهم أموالهم وفي عاشر صفر دخل إلى دمشق نائبها الأمير جمال الدين بن يغمور من جهة الصالح أيوب فنزل بدرب الشعارين داخل باب الجابية.

وفي جمادى الآخرة أمر النائب بتخريب الدكاكين المحدثة وسط باب البريد، وأمر أن لا يبقى فيها دكان سوى ما في جانبيه إلى جانب الخياطين القبلي والشامي، وما في الوسط يهدم.

قال أبو شامة: وقد كان العادل هدم ذلك ثم أعيد ثم هدمه ابن يغمور، والمرجو استمراره على هذه الصفة.

وفيها: توجه الناصر داود من الكرك إلى حلب فأرسل الصالح أيوب إلى نائبه بدمشق جمال الدين بن يغمور بخراب دار أسامة المنسوبة إلى الناصر بدمشق، وبستانه الذي بالقابون، وهو بستان القصر، وأن تقلع أشجاره ويخرب القصر، وتسلم الصالح أيوب الكرك من الأمجد حسن بن الناصر.

وأخرج من كان بها من بيت المعظم، واستحوذ على حواصلها وأموالها، فكان فيها من الذهب ألف ألف دينار، وأقطع الصالح الأمجد هذا إقطاعا جيدا.

وفيها: طغى الماء ببغداد حتى أتلف شيئا كثيرا من المحال والدور الشهيرة، وتعذرت الجمع في أكثر الجوامع بسبب ذلك سوى ثلاث جوامع، ونقلت توابيت جماعة من الخلفاء إلى الترب من الرصافة خوفا عليهم من أن تغرق محالهم، منهم المقتصد بن الأمير أبي أحمد المتوكل، وذلك بعد دفنه بنيف وخمسين سنة وثلاثمائة سنة، وكذا نقل ولده المكتفي وكذا المقتفي بن المقتدر بالله رحمهم الله تعالى.

وفيها: هجمت الفرنج على دمياط فهرب من كان فيها من الجند والعامة واستحوذ الفرنج على الثغر وقتلوا خلقا كثيرا من المسلمين، وذلك في ربيع الأول منها، فنصب السلطان المخيم تجاه العدو بجميع الجيش، وشنق خلقا ممن هرب من الفرنج، ولامهم على ترك المصابرة قليلا ليرهبوا عدو الله وعدوهم، وقوى المرض وتزايد بالسلطان جدا.

فلما كانت ليلة النصف من شعبان توفي إلى رحمة الله تعالى بالمنصورة، فأخفت جاريته أم خليل المدعوة شجرة الدر موته.

وأظهرت أنه مريض مدنف لا يوصل إليه، وبقيت تعلم عنه بعلامته سواء.

وأعلمت إلى أعيان الأمراء فأرسلوا إلى ابنه الملك المعظم توران شاه وهو بحصن كيفا، فأقدموه إليهم سريعا، وذلك بإشارة أكابر الأمراء منهم فخر الدين ابن الشيخ، فلما قدم عليهم ملكوه عليهم وبايعوه أجمعين، فركب في عصائب الملك وقاتل الفرنج فكسرهم وقتل منهم ثلاثين ألفا ولله الحمد.

وذلك في أول السنة الداخلة.

ثم قتلوه بعد شهرين من ملكه، ضربه بعض الأمراء وهو عز الدين أيبك التركماني فضربه في يده فقطع بعض أصابعه فهرب إلى قصر من خشب في المخيم فحاصروه فيه وأحرقوه عليه، فخرج من بابه مستجيرا برسول الخليفة فلم يقبلوا منه، فهرب إلى النيل فانغمر فيه ثم خرج فقتل سريعا شر قتلة وداسوه بأرجلهم ودفن كالجيفة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وكان فيمن ضربه البندقداري على كتفه فخرج السيف من تحت إبطه الآخر وهو يستغيث فلا يغاث.

وممن قتل في هذه السنة:

فخر الدين يوسف بن الشيخ بن حمويه

وكان فاضلا دينا مهيبا وقورا خليقا بالملك، كانت الأمراء تعظمه جدا ولو دعاهم إلى مبايعته بعد الصالح لما اختلف عليه اثنان، ولكنه كان لا يرى ذلك حماية لجانب بني أيوب، قتلته الداوية من الفرنج شهيدا قبل قدوم المعظم توران شاه إلى مصر، في ذي القعدة.

ونهبت أمواله وحواصله وخيوله، وخربت داره ولم يتركوا شيئا من الأفعال الشنيعة البشعة إلا صنعوه به، مع أن الذين تعاطوا ذلك من الأمراء كانوا معظمين له غاية التعظيم. ومن شعره:

عصيت هو نفسي صغيرا فعندما ** رمتني الليالي بالمشيب وبالكبر

أطعت الهوى عكس القضية ليتني ** خلقت كبيرا ثم عدت إلى الصغر

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697