البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة



ثم دخلت سنة ثمان عشرة وستمائة


فيها: استولت التتر على كثير من البلدان بكلادة وهمذان وأردبيل وتبريز وكنجة، وقتلوا أهاليها ونهبوا ما فيها، واستأسروا ذراريها واقتربوا من بغداد فانزعج الخليفة لذلك، وحصن بغداد واستخدم الأجناد، وقنت الناس في الصلوات والأوراد.

وفيها: قهروا الكرج واللان، ثم قاتلوا القبجاق فكسروهم، وكذلك الروس، وينهبون ما قدروا عليه، ثم قاتلوهم سبوا نساءهم وذراريهم.

وفيها: سار المعظم إلى أخيه الأشرف فاستعطفه على أخيه الكامل، وكان في نفسه موجدة عليه فأزالها وسارا جميعا نحو الديار المصرية لمعاونة الكامل على الفرنج الذين قد أخذوا ثغر دمياط واستحكم أمرهم هنالك من سنة أربع عشرة؛ وعرض عليهم في بعض الأوقات أن يرد إليهم بيت المقدس وجميع ما كان صلاح الدين فتحه من بلاد الساحل ويتركوا دمياط، فامتنعوا من ذلك ولم يفعلوا.

فقدر الله تعالى أنهم ضاقت عليهم الأقوات فقدم عليهم مراكب فيها ميرة لهم فأخذها الأسطول البحري، وأرسلت المياه على أراضي دمياط من كل ناحية فلم يمكنهم بعد ذلك أن يتصرفوا في نفسهم، وحصرهم المسلمون من الجهة الأخرى حتى اضطروهم إلى أضيق الأماكن.

فعند ذلك أنابوا إلى المصالحة بلا معاوضة، فجاء مقدموهم إليه وعنده أخواه المعظم عيسى وموسى الأشرف، وكانا قائمين بين يديه، وكان يوما مشهودا، فوقع الصلح على ما أراد الكامل محمد بيض الله وجهه، وملوك الفرنج والعساكر كلها واقفة بين يديه، ومد سماطا عظيما، فاجتمع عليه المؤمن والكافر والبر والفاجر، وقام راجح الحلي الشاعر فأنشد:

هنيئا فإن السعد راح مخلدا ** وقد أنجز الرحمن بالنصر موعدا

حبانا إله الخلق فتحا بدا لنا ** مبينا وإنعاما وعـزا مؤبـدا

تهلل وجه الدهر بعد قطوبه ** وأصبح وجه الشرك بالظلم أسودا

ولما طغى البحر الخضم بأهله الط**ـغـاة وأضحى بالمراكب مزبدا

أقام لهذا الدين من سل عزمه ** صقيلا كما سل الحسام مجـردا

فلم ينج إلا كل شلو مجدلٍ ** ثوى منهم أو من تراه مقيـدا

ونادى لسان الكون في الأرض رافعا ** عقيرته في الخافقين ومنشدا

أعباد عيسى إن عيسى وحزبه ** وموسى جميعا يخدمون محمدا

قال أبو شامة: وبلغني أنه أشار عند ذلك إلى المعظم عيسى، والأشرف موسى، والكامل محمد.

قال: وهذا من أحسن شيء اتفق، وكان ذلك يوم الأربعاء التاسع عشر رجب من هذه السنة، وتراجعت الفرنج إلى عكا وغيرها، ورجع المعظم إلى الشام واصطلح الأشرف والكامل على أخيهما المعظم.

وفيها: ولى الملك المعظم قضاء دمشق كمال الدين المصري الذي كان وكيل بيت المال بها، وكان فاضلا بارعا يجلس في كل يوم جمعة قبل الصلاة بالعادلية بعد فراغها لإثبات المحاضر، ويحضر عنده في المدرسة جميع الشهود من كل المراكز حتى يتيسر على الناس إثبات كتبهم في الساعة الواحدة، جزاه الله خيرا.

من الأعيان:

ياقوت الكاتب الموصلي رحمه الله

أمين الدين المشهور بطريقة ابن البواب.

قال ابن الأثير:لم يكن في زمانه من يقاربه، وكانت لديه فضائل جمة والناس متفقون على الثناء عليه، وكان نعم الرجل.

وقد قال فيه نجيب الدين الواسطي قصيدة يمدحه بها:

جامع شارد العـلوم ولولا ** ه لكانت أم الفضائـلِ ثكـلى

ذو يراع تخاف ريقتـه الأسـ ** د، وتعنو له الكتائـب ذلا

وإذا افتر ثغره عن بياض ** في سوادٍ فالسمر والبيـض خجلا

أنت بدر والكاتب ابن هلال ** كأبيـه لا فخر فيمن تـولى

إن يكن أولى فإنك بالتفـضـ ** يل أولى فقد سبقت وصلـى

جلال الدين الحسن من أولاد الحسن بن الصباح مقدم الإسماعيلية

وكان قد أظهر في قومه شعائر الإسلام، وحفظ الحدود والمحرمات والقيام فيها بالزواجر الشرعية.

الشيخ الصالح شهاب الدين محمد بن خلف بن راجح المقدسي الحنبلي

الزاهد العابد الناسك، كان يقرأ على الناس يوم الجمعة الحديث النبوي وهو جالس على أسفل منبر الخطابة بالجامع المظفري، وقد سمع الحديث الكثير، ورحل وحفظ مقامات الحريري في خمسين ليلة، وكانت له فنون كثيرة، وكان ظريفا مطبوعا رحمه الله.

والخطيب موفق الدين أبو عبد الله عمر بن يوسف بن يحيى بن عمر بن كامل المقدسي

خطيب بيت الأبار، وقد تاب في دمشق عن الخطيب جمال الدين الدولعي حين سار في الرسلية إلى خوارزم شاه، حتى عاد.

المحدث تقي الدين أبو طاهر

إسماعيل بن عبد الله بن عبد المحسن بن الأنماطي، قرأ الحديث ورحل وكتبه.

وكان حسن الخط متقنا في علوم الحديث، حافظا له، وكان الشيخ تقي الدين ابن الصلاح يثني عليه ويمدحه، وكانت له كتب بالبيت الغربي من الكلاسة الذي كان للملك المحسن بن صلاح الدين.

ثم أخذ من ابن الأنماطي وسلم إلى الشيخ عبد الصمد الدكائي، واستمر بيد أصحابه بعد ذلك، وكانت وفاته بدمشق ودفن بمقابر الصوفية، وصلى عليه بالجامع الشيخ موفق الدين، وبباب النصر الشيخ فخر الدين بن عساكر، وبالمقبرة قاضي القضاة جمال الدين المصري رحمه الله تعالى.

أبو الغيث شعيب بن أبي طاهر بن كليب

ابن مقبل الضرير الفقيه الشافعي، أقام ببغداد إلى أن توفي، وكانت لديه فضائل وله رسائل، ومن شعره قوله:

إذا كنتم للناس أهل سياسةٍ ** فسوسوا كرام الناس بالجود والبذلِ

وسوسوا لئام الناس بالذل يصلحوا ** عليه، فإن الذل أصلح للنذلِ

أبو العز شرف بن علي ابن أبي جعفر بن كامل الخالصي

المقري الضرير الفقيه الشافعي، تفقه بالنظامية وسمع الحديث ورواه، وأنشد عن الحسن بن عمرو الحلبي:

تمثلتم لي والديار بعيدةٌ ** فخيل لي أن الفـؤاد لكـم معنى

وناجاكم قلبي على البعد بيننا ** فأوحشتم لفظا وآنستم معنى

أبو سليمان داوود بن إبراهيم

ابن مندار الجيلي، أحد المعيدين بالمدرسة النظامية، ومما أنشده:

أيا جامعا أمسك عنانك مقصرا ** فإن مطايا الدهر تكبو وتقصرُ

ستقرع سنا أو تعض ندامـةً ** إذا خـان الزمان واقصـرُ

ويلقاك رشد بعد غيك واعـٌظ ** ولكنه يلقاك والأمر مدبرُ

أبو المظفر عبد الودود بن محمود بن المبارك

ابن علي بن المبارك بن الحسن الواسطي الأصل، البغدادي الدار والمولد، كمال الدين المعروف والده بالمجيد، تفقه على أبيه وقرأ عليه علم الكلام، ودرس بمدرسته عند باب الأزج، ووكله الخليفة الناصر.

واشتهر بالديانة والأمانة، وباشر مناصب كبارا، وحج مرارا عديدة، وكان متواضعا حسن الأخلاق، وكان يقول:

وما تركت ست وستون حجةً ** لنا حجة أن نركب اللهو مركبا

وكان ينشده:

العلم يأتي كل ذي خفـ **ض ويأبى على كل آبي

كالماء ينزل في الوها ** د وليس يصعد في الروابي

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697