البداية والنهاية/الجزء الثالث عشر/ثم دخلت سنة سبع وتسعين وستمائة



ثم دخلت سنة سبع وتسعين وستمائة


استهلت والخليفة الحاكم والسلطان لاجين ونائب مصر منكوتمر ونائب دمشق قبجق.

وفي عاشر صفر تولى جلال الدين بن حسام الدين القضاء مكان أبيه بدمشق، وطلب أبوه إلى مصر فأقام عند السلطان، وولاه قضاء قضاة مصر للحنفية عوضا عن شمس الدين السروجي، واستقر ولده بدمشق قاضي قضاة الحنفية، ودرّس بمدرستي أبيه الخانونية والمقدمية، وترك مدرسة القصاعين والشبلية وجاء الخبر على يدي البريد بعافية السلطان من الوقعة التي كان وقعها فدقت البشائر وزينت البلد، فإنه سقط عن فرسه وهو يلعب بالكرة، فكان كما قال الشاعر:

حويت بطشا وإحسانا ومعرفةً ** وليس يحمل هذا كله الفرس

وجاء على يديه تقليد وخلعة لنائب السلطنة، فقرأ التقليد وباس العتبة.

وفي ربيع الأول درّس بالجوزية عز الدين ابن قاضي القضاة تقي الدين سليمان، وحضر عنده إمام الدين الشافعي وأخوه جلال الدين وجماعة من الفضلاء، وبعد التدريس جلس وحكم عن أبيه بإذنه في ذلك.

وفي ربيع الأول غضب قاضي القضاة تقي الدين بن دقيق العيد وترك الحكم بمصر أياما، ثم استرضي وعاد وشرطوا عليه أن لا يستنيب ولده المحب، وفي يوم الجمعة عاشر ربيع الآخر أقيمت الجمعة بالمدرسة المعظمية، وخطب فيها مدرسها القاضي شمس الدين بن المعز الحنفي، واشتهر في هذا الحين القبض على بدر الدين بيسرى، واحتيط على أمواله بديار مصر.

وأرسل السلطان بجريدة صحبة علم الدين الدويداري إلى تل حمدون ففتحه بحمد الله ومنه، وجاء الخبر بذلك إلى دمشق في الثاني عشر من رمضان، وخربت به الخليلة وأذن بها الظهر، وكان أخذها يوم الأربعاء سابع رمضان.

ثم فتحت مرعش بعدها فدقت البشائر، ثم انتقل الجيش إلى قلعة حموص، فأصيب جماعة من الجيش منهم الأمير علم الدين سنجر طقصبا أصابه زيار في فخذه، وأصاب الأمير علم الدين الدويداري حجر في رجله.

ولما كان يوم الجمعة سابع عشر شوال عمل الشيخ تقي الدين بن تيمية ميعادا في الجهاد، وحرض فيه وبالغ في أجور المجاهدين، وكان ميعادا حافلا جليلا.

وفي هذا الشهر عاد الملك المسعود بن خضو بن الظاهر من بلاد الأشكري إلى ديار مصر، بعد أن مكث هناك من زمن الأشرف بن المنصور، وتلقاه السلطان بالموكب وأكرمه وعظمه.

وحج الأمير خضر بن الظاهر في هذه السنة مع المصريين، وكان فيهم الخليفة الحاكم بأمر الله العباسي.

وفي شهر شوال جلس المدرسون بالمدرسة التي أنشأها نائب السلطنة بمصر وهي المنكوتمرية داخل باب القنطرة.

وفيها: دقت البشائر لأجل أخذ قلعتي حميمص ونجم من بلاد سيس.

وفيها: وصلت الجريدة من بلاد مصر قاصدين بلاد سيس مددا لأصحابهم، وهي نحو ثلاثة آلاف مقاتل، وفي منتصف ذي الحجة أمسك الأمير عز الدين أيبك الحموي الذي كان نائب الشام هو وجماعة من أهله وأصحابه من الأمراء.

وفيها: قلت المياه بدمشق جدا، حتى بقي ثورا في بعض الأماكن لا يصل إلى ركبة الإنسان، وأما بردى فأنه لم يبق فيه مسكة ماء، ولا يصل إلى جسر حسرين، وغلا سعر الثلج بالبلد.

وأما نيل مصر فإنه كان في غاية الزيادة والكثرة.

من الأعيان:

الشيخ حسن بن الشيخ علي الحريري

في ربيع الأول بقرية بسر، وكان من كبار الطائفة، وللناس إليه ميل لحسن أخلاقه وجودة معاشرته، ولد سنة إحدى وعشرين وستمائة.

الصدر الكبير شهاب الدين أبو العباس أحمد بن عثمان بن أبي الرجا بن أبي الزهر التنوخي

المعروف بابن السلعوس، أخو الوزير، قرأ الحديث وسمع الكثير، وكان من خيار عباد الله، كثير الصدقة والبر، توفي بداره في جمادى الأولى، وصلّي عليه بالجامع ودفن بباب الصغير، وعمل عزاؤه بمسجد ابن هشام.

وقد ولي في وقت نظر الجامع وشكرت سيرته، وحصل له وجاهة عظيمة عريضة أيام وزارة أخيه، ثم عاد إلى ما كان عليه قبل ذلك حتى توفي، وشهد جنازته خلق كثير من الناس.

الشيخ شمس الدين الأيكي محمد بن أبي بكر

بن محمد الفارسي، المعروف بالأيكي، أحد الفضلاء الحلالين للمشكلات، الميسرين المعضلات، لا سيما في علم الأصلين والمنطق، وعلم الأوائل، باشر في وقت مشيخة الشيوخ بمصر.

وأقام مدرّس الغزالية قبل ذلك، توفي بقرية المزة يوم جمعة، ودفن يوم السبت ومشى الناس في جنازته، منهم: قاضي القضاة إمام الدين القزويني، وذلك في الرابع من رمضان، ودفن بمقابر الصوفية إلى جانب الشيخ شملة، وعمل عزاؤه بخانقاه السميساطية، وحضر جنازته خلق كثير، وكان معظما في نفوس كثير من العلماء وغيرهم.

الصدر ابن عقبة إبراهيم بن أحمد

بن عقبة بن هبة الله بن عطاء البصراوي، درس وأعاد، وولي في وقت قضاء حلب، ثم سافر قبل وفاته إلى مصر فجاء بتوقيع فيه قضاء قضاة حلب، فلما اجتاز بدمشق، توفي بها في رمضان من هذه السنة، وله سبع وثمانون سنة.

يشيب المرء ويشب معه خصلتان الحرص وطول الأمل.

الشهاب العابر أحمد بن عبد الرحمن بن عبد المنعم بن نعمة المقدسي

الحنبلي، شهاب الدين عابر الرؤيا، سمع الكثير وروى الحديث.

وكان عجبا في تفسير المنامات، وله فيه اليد الطولى، وله تصنيف فيه ليس كالذي يؤثر عنه، من الغرائب والعجائب، ولد سنة ثمان وعشرين وستمائة، توفي في ذي القعدة ودفن بباب الصغير، وكانت جنازته حافلة رحمه الله.

(تم الجزء الثالث عشر من البداية والنهاية. ويليه الجزء الرابع عشر. وأوله سنة ثمان وتسعين وستمائة.)

البداية والنهاية - الجزء الثالث عشر
589 | 590 | 591 | 592 | 593 | 594 | 595 | 596 | 597 | 598 | 599 | 600 | 601 | 602 | 603 | 604 | 605 | 606 | 607 | 608 | 609 | 610 | 611 | 612 | 613 | 614 | 615 | 616 | 617 | 618 | 619 | 620 | 621 | 622 | 623 | 624 | 625 | 626 | 627 | 628 | 629 | 630 | 631 | 632 | 633 | 634 | 635 | 636 | 637 | 638 | 639 | 640 | 641 | 642 | 643 | 644 | 645 | 646 | 647 | 648 | 649 | 650 | 651 | 652 | 653 | 654 | 655 | 656 | 657 | 658 | 659 | 660 | 661 | 662 | 663 | 664 | 665 | 666 | 667 | 668 | 669 | 670 | 671 | 672 | 673 | 674 | 675 | 676 | 677 | 678 | 679 | 680 | 681 | 682 | 683 | 684 | 685 | 686 | 687 | 688 | 689 | 690 | 691 | 692 | 693 | 694 | 695 | 696 | 697