البداية والنهاية/الجزء السابع/أول غزو الترك
وهو تصديق الحديث المتقدم الثابت في الصحيح عن أبي هريرة وعمر بن تغلب أن رسول الله ﷺ قال: « لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قوما عراض الوجوه، دلف الأنوف، حمر الوجوه، كأن وجوهم المجان المطرقة ».
وفي رواية: « ينتلعون الشعر ».
لما جاء كتاب عمر إلى عبد الرحمن بن ربيعة يأمره بأن يغزو الترك، سار حتى قطع الباب قاصدا لما أمره عمر، فقال له شهربراز: أين تريد؟.
قال: أريد ملك الترك بلنجر.
فقال له شهربراز: إنا لنرضى منهم الموادعة ونحن من وراء الباب.
فقال له عبد الرحمن: إن الله بعث إلينا رسولا، ووعدنا على لسانه بالنصر والظفر، ونحن لا نزال منصورين، فقاتل الترك وسار في بلاد بلنجر مائتي فرسخ، وغزا مرات متعددة.
ثم كانت له وقائع هائلة في زمن عثمان كما سنورده في موضعه إن شاء الله تعالى.
وقال سيف بن عمر: عن الغصن بن القاسم، عن رجل، عن سلمان بن ربيعة قال: لما دخل عليهم عبد الرحمن بن ربيعة بلادهم، حال الله بين الترك والخروج عليه، وقالوا: ما اجترأ علينا هذا الرجل إلا ومعهم الملائكة تمنعهم من الموت. فتحصنوا منه، وهربوا بالغنم والظفر.
ثم إنه غزاهم غزوات في زمن عثمان فظفر بهم كما كان يظفر بغيرهم. فلما ولي عثمان على الكوفة بعض من كان ارتد، غزاهم فتذامرت الترك، وقال بعضهم لبعض: إنهم لا يموتون.
قال: انظروا وفعلوا فاختفوا لهم في الغياض، فرمى رجل منهم رجلا من المسلمين على غرةٍ فقتله وهرب عنه أصحابه، فخرجوا على المسلمين بعد ذلك حتى عرفوا أن المسلمين يموتون، فاقتتلوا قتالا شديدا، ونادى مناد من الجو صبرا آل عبد الرحمن موعدكم الجنة.
فقاتل عبد الرحمن حتى قتل، وانكشف الناس وأخذ الراية سلمان بن ربيعة فقاتل بها، ونادى المنادي من الجو صبرا آل سلمان بن ربيعة، فقاتل قتالا شديدا.
ثم تحيز سلمان، وأبو هريرة بالمسلمين، وفروا من كثرة الترك، ورميهم الشديد السديد على جيلان، فقطعوها إلى جرجان، واجترأت الترك بعدها، ومع هذا أخذت الترك عبد الرحمن بن ربيعة فدفنوه في بلادهم، فهم يستسقون بقبره إلى اليوم، وسيأتي تفصيل ذلك كله.