البداية والنهاية/الجزء السابع/حديث الطير
وهذا الحديث قد صنف الناس فيه، وله طرق متعددة، وفي كل منها نظر، ونحن نشير إلى شيء من ذلك.
قال الترمذي: حدثنا سفيان بن وكيع، حدثنا عبيد الله بن موسى، عن عيسى بن عمر، عن السُّدي، عن أنس قال: كان عند النبي ﷺ طير.
فقال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير »، فجاء علي فأكل معه.
ثم قال الترمذي: غريب لا نعرفه من حديث السُّدي إلا من هذا الوجه.
قال: وقد رُوي من غير وجه عن أنس، وقد رواه أبو يعلى عن الحسين بن حماد، عن شهر بن عبد الملك، عن عيسى بن عمر به.
وقال أبو يعلى: ثنا قطن بن بشير، ثنا جعفر بن سليمان الضبعي، ثنا عبد الله بن مثنى، ثنا عبد الله بن أنس، عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله ﷺ حجل مشوي بخبزه وضيافة.
فقال رسول الله ﷺ: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطعام ».
فقالت عائشة: اللهم اجعله أبي.
وقالت حفصة: اللهم اجعله أبي.
وقال أنس: وقلت: اللهم اجعله سعد بن عبادة.
قال أنس: فسمعت حركة بالباب فقلت: إن رسول الله ﷺ على حاجة فانصرف، ثم سمعت حركة بالباب فخرجت فإذا علي بالباب.
فقلت: إن رسول الله ﷺ على حاجة فانصرف
ثم سمعت حركة بالباب فسلم عليَّ فسمع رسول الله ﷺ صوته فقال: « انظر من هذا؟ » فخرجت فإذا هو علي، فجئت إلى رسول الله ﷺ فأخبرته، فقال: « ائذن له يدخل عليَّ » فأذنت له فدخل.
فقال رسول الله ﷺ: « اللهم والِ من والاه ».
والى ورواه الحاكم في (مستدركه) عن أبي علي الحافظ، عن محمد بن أحمد الصفار، وحميد بن يونس الزيات، كلاهما عن محمد بن أحمد بن عياض، عن أبي غسان أحمد بن عياض، عن أبي ظبية، عن يحيى بن حسان، عن سليمان بن بلال، عن يحيى بن سعيد، عن أنس فذكره، وهذا إسناد غريب.
ثم قال الحاكم: هذا الحديث على شرط البخاري ومسلم، وهذا فيه نظر، فإن أبا علاثة محمد بن أحمد بن عياض هذا معروف، لكن روى هذا الحديث عنه جماعة عن أبيه، وممن رواه عنه أبو القاسم الطبراني، ثم قال: تفرد به عن أبيه والله أعلم.
قال الحاكم: وقد رواه عن أنس أكثر من ثلاثين نفسا.
قال شيخنا الحافظ الكبير أبو عبد الله الذهبي: فصلهم بثقة يصح الإسناد إليه.
ثم قال الحاكم: وصحت الرواية عن علي، وأبي سعيد، وسفينة.
قال شيخنا أبو عبد الله: لا والله ما صح شيء من ذلك.
ورواه الحاكم من طريق إبراهيم بن ثابت القصار وهو مجهول، عن ثابت البناني، عن أنس قال: دخل محمد بن الحجاج فجعل يسب عليا فقال أنس: اسكت عن سب علي، فذكر الحديث مطولا وهو منكر سندا ومتنا.
لم يورد الحاكم في (مستدركه) غير هذين الحديثين وقد رواه ابن أبي حاتم عن عمار بن خالد الواسطي، عن إسحاق الأزرق، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس، وهذا أجود من إسناد الحاكم.
ورواه عبد الله بن زياد، أبو العلاء، عن علي بن زيد، عن سعيد بن المسيب، عن أنس بن مالك فقال: أُهدي لرسول الله ﷺ طير مشوي.
فقال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فذكره نحوه.
ورواه محمد بن مصفى، عن حفص بن عمر، عن موسى بن سعد، عن الحسن، عن أنس فذكره.
ورواه علي بن الحسن الشامي، عن خليل بن دعلج، عن قتادة، عن أنس بنحوه.
ورواه أحمد بن يزيد الورتنيس، عن زهير، عن عثمان الطويل، عن أنس فذكره.
ورواه عبيد الله بن موسى، عن مسكين بن عبد العزيز، عن ميمون أبي خلف، حدثني أنس بن مالك فذكره.
قال الدار قطني: من حديث ميمون أبي خلف تفرد به مسكين بن عبد العزيز، ورواه الحجاج بن يوسف بن قتيبة، عن بشر بن الحسين، عن الزبير بن عدي، عن أنس.
ورواه ابن يعقوب إسحاق بن الفيض، ثنا المضاء بن الجارود، عن عبد العزيز بن زياد: أن الحجاج بن يوسف دعا أنس بن مالك من البصرة، فسأله عن علي بن أبي طالب فقال: أهدي للنبي ﷺ طائر فأمر به فطبخ وصنع، فقال: « اللهم ائتني بأحب الخلق إليّ يأكل معي ». فذكره.
وقال الخطيب البغدادي: أنا الحسن بن أبي بكير، أنا أبو بكر محمد بن العباس بن نجيح، حدثنا محمد بن القاسم النحوي أبو عبد الله، ثنا أبو عاصم، عن أبي الهندي، عن أنس فذكره.
ورواه الحاكم بن محمد، عن محمد بن سليم، عن أنس بن مالك فذكره.
وقال أبو يعلى: حدثنا الحسن بن حماد الوراق، ثنا مسهر بن عبد الملك بن سلع ثقة، ثنا عيسى بن عمر، عن إسماعيل السدي: أن رسول الله ﷺ كان عنده طائر.
فقال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير » فجاء أبو بكر فرده، ثم جاء عمر فرده، ثم جاء عثمان فرده، ثم جاء علي فأذن له.
وقال أبو القاسم بن عقدة: ثنا محمد بن أحمد بن الحسن، ثنا يوسف بن عدي، ثنا حماد بن المختار الكوفي، ثنا عبد الملك بن عمير، عن أنس بن مالك قال: أهدي لرسول الله ﷺ طائر فوضع بين يديه.
فقال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي »
قال: فجاء علي فدق الباب، فقلت: من ذا؟
فقال: أنا علي.
فقلت: إن رسول الله على حاجة حتى فعل ذلك ثلاثا، فجاء الرابعة فضرب الباب برجله فدخل، فقال النبي ﷺ: « ما حبسك؟ »
فقال: جئت ثلاث مرات فيحبسني أنس.
فقال النبي ﷺ: « ما حملك على ذلك؟ »
قال: قلت: كنت أحب أن يكون رجلا من قومي.
وقد رواه الحاكم النيسابوري عن عبدان بن يزيد، عن يعقوب الدقاق، عن إبراهيم بن الحسن الشامي، عن أبي توبة الربيع بن نافع، عن حسين بن سليمان بن عبد الملك بن عمير، عن أنس فذكره.
ثم قال الحاكم: لم نكتبه إلا بهذا الإسناد.
وساقه ابن عساكر من حديث الحرث بن نبهان، عن إسماعيل - رجل من أهل الكوفة - عن أنس بن مالك فذكره.
ومن حديث حفص بن عمر المهرقاني، عن الحكم بن شبير بن إسماعيل أبي سليمان أخي إسحاق بن سليمان الرازي، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن أنس فذكره.
ومن حديث سليمان بن قرم، عن محمد بن علي السلمي، عن أبي حذيفة العقيلي، عن أنس فذكره.
وقال أبو يعلى: ثنا أبو هشام، ثنا ابن فضيل، ثنا مسلم الملائي، عن أنس قال: أهدت أم أيمن إلى رسول الله ﷺ طيرا مشويا.
فقال: « اللهم ائتني بمن تحبه يأكل معي من هذا الطير ».
قال أنس: فجاء علي فاستأذن.
فقلت: هو على حاجته، فرجع ثم عاد فاستأذن.
فقلت: هو على حاجته فرجع، ثم عاد فاستأذن فسمع النبي ﷺ صوته فقال: « ائذن له »، فدخل وهو موضوع بين يديه، فأكل منه وحمد الله.
فهذه طرق متعددة عن أنس بن مالك، وكل منها فيه ضعف ومقال.
وقال شيخنا أبو عبد الله الذهبي - في جزء جمعه في هذا الحديث بعد ما أورد طرقا متعددة نحو مما ذكرنا -ويروى هذا الحديث من وجوه باطلة أو مظلمة عن حجاج بن يوسف، وأبي عاصم خالد بن عبيد، ودينار أبي كيسان، وزياد بن محمد الثقفي، وزياد العبسي، وزياد بن المنذر.
وسعد بن ميسرة البكري، وسليمان التيمي، وسليمان بن علي الأمير، وسلمة بن وردان، وصباح بن محارب، وطلحة بن مصرف، وأبي الزناد، وعبد الأعلى بن عامر، وعمر بن راشد، وعمر بن أبي حفص الثقفي الضرير، وعمر بن سليم البجلي، وعمر بن يحيى الثقفي، وعثمان الطويل.
وعلي بن أبي رافع، وعيسى بن طهمان، وعطية العوفي، وعباد بن عبد الصمد، وعمار الذهبي، وعباس بن علي، وفضيل بن غزوان، وقاسم بن جندب، وكلثوم بن جبر، ومحمد بن علي الباقر، والزهري، ومحمد بن عمرو بن علقمة.
ومحمد بن مالك الثقفي، ومحمد بن جحادة، وميمون بن مهران، وموسى الطويل، وميمون بن جابر السلمي، ومنصور بن عبد الحميد، ومعلى بن أنس، وميمون أبي خلف الجراف.
وقيل: أبو خالد، ومطر بن خالد، ومعاوية بن عبد الله بن جعفر، وموسى بن عبد الله الجهني، ونافع مولى ابن عمر، والنضر بن أنس بن مالك، ويوسف بن إبراهيم، ويونس بن حيان، ويزيد بن سفيان، ويزيد بن أبي حبيب، وأبي المليح، وأبي الحكم، وأبي داود السبيعي، وأبي حمزة الواسطي، وأبي حذيفة العقيلي، وإبراهيم بن هدبة.
ثم قال بعد أن ذكر الجميع: الجميع بضعة وتسعون نفسا أقربها غرائب ضعيفة، وأردؤها طرق مختلفة مفتعلة، وغالبها طرق واهية.
وقد روي من حديث سفينة مولى رسول الله ﷺ، فقال أبو القاسم البغوي، وأبو يعلى الموصلي قالا:
حدثنا القواريري، ثنا يونس بن أرقم، ثنا مطير بن أبي خالد، عن ثابت البجلي، عن سفينة مولى رسول الله ﷺ.
قال: أهدت امرأة من الأنصار طائرين بين رغيفين - ولم يكن في البيت غيري وغير أنس - فجاء رسول الله ﷺ فدعا بغذائه.
فقلت: يا رسول الله قد أهدت لك امرأة من الأنصار هدية، فقدمت الطائرين إليه.
فقال رسول الله ﷺ: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك وإلى رسولك ».
فجاء علي بن أبي طالب فضرب الباب خفيا، فقلت: من هذا؟
قال: أبو الحسن، ثم ضرب الباب ورفع صوته.
فقال رسول الله: « من هذا »؟
قلت: علي بن أبي طالب.
قال: « افتح له »، ففتحت له فأكل معه رسول الله ﷺ من الطيرين حتى فنيا.
وروي عن ابن عباس، فقال أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد: ثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، ثنا حسين بن محمد، ثنا سليمان بن قرم، عن محمد بن شعيب، عن داود بن عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن جده ابن عباس.
قال: أن النبي ﷺ أُتي بطائر.
فقال: « اللهم ائتني برجل يحبه الله ورسوله »، فجاء علي فقال: « اللهم وإلي ».
وروى عن علي نفسه، فقال عباد بن يعقوب: ثنا عيسى بن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي، حدثني أبي، عن أبيه، عن جده، عن علي قال: أهدي لرسول الله ﷺ طير يقال له الحبارى، فوضعت بين يديه -.
وكان أنس بن مالك يحجبه - فرفع النبي ﷺ يده إلى الله ثم قال: « اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي هذا الطير ».
قال: فجاء علي فاستأذن.
فقال له أنس: أن رسول الله يعني على حاجته.
فرجع ثم أعاد رسول الله ﷺ الدعاء فرجع، ثم دعا الثالثة فجاء علي فأدخله، فلما رآه رسول الله قال: « اللهم وإلي » فأكل معه.
فلما أكل رسول الله وخرج علي، قال أنس: سمعت عليا فقلت: يا أبا الحسن استغفر لي فإن لي إليك ذنب، وإن عندي بشارة، فأخبرته بما كان من النبي ﷺ، فحمد الله، واستغفر لي، ورضي عني أذهب ذنبي عنده بشارتي إياه.
ومن حديث جابر بن عبد الله الأنصاري، أورده ابن عساكر من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث، عن ابن لهيعة، عن محمد بن المنكدر، عن جابر فذكره بطوله.
وقد روي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري، وصححه الحاكم، ولكن إسناده مظلم، وفيه ضعفاء.
وروي من حديث حبشي بن جنادة، ولا يصح أيضا.
ومن حديث يعلى بن مرة، والإسناد إليه مظلم، ومن حديث أبي رافع نحوه، وليس بصحيح.
وقد جمع الناس في هذا الحديث مصنفات مفردة منهم: أبو بكر بن مردويه، والحافظ أبو طاهر محمد بن أحمد بن حمدان فيما رواه شيخنا أبو عبد الله الذهبي، ورأيت فيه مجلدا في جمع طرقه وألفاظه لأبي جعفر بن جرير الطبري المفسر صاحب (التاريخ).
ثم وقفت على مجلد كبير في رده وتضعيفه سندا ومتنا للقاضي أبي بكر الباقلاني المتكلم.
وبالجملة ففي القلب من صحة الحديث هذا نظر، وإن كثرت طرقه والله أعلم.