البداية والنهاية/الجزء السابع/فتح الجزيرة
قال ابن جرير: وفي هذه السنة: فتحت الجزائر فيما قاله سيف بن عمر.
قال ابن جرير: في ذي الحجة من سنة سبع عشرة، فوافق سيف بن عمر في كونها في هذه السنة.
وقال ابن إسحاق: كان ذلك في سنة تسع عشرة، سار إليها عياض بن غنم، وفي صحبته أبو موسى الأشعري، وعمر بن سعد بن أبي وقاص، وهو غلام صغير السن ليس إليه من الأمر شيء، وعثمان بن أبي العاص، فنزل الرها فصالحه أهلها على الجزية، وصالحت حران على ذلك.
ثم بعث أبا موسى الأشعري إلى نصيبين، وعمر بن سعد إلى رأس العين، وسار بنفسه إلى دارا، فافتتحت هذه البلدان، وبعث عثمان بن أبي العاص إلى أرمينية، فكان عندها شيء من قتال، قتل فيه صفوان بن المعطل السلمي شهيدا.
ثم صالحهم عثمان بن أبي العاص على الجزية على كل أهل بيت دينار.
وقال سيف في روايته: جاء عبد الله بن عبد الله بن غسان، فسلك على رجليه حتى انتهى إلى الموصل، فعبر إلى بلد حتى انتهى إلى نصيبين، فلقوه بالصلح وصنعوا كما صنع أهل الرقة.
وبعث إلى عمر برؤوس النصارى من عرب أهل الجزيرة.
فقال لهم عمر: أدوا الجزية.
فقالوا: أبلغنا مامننا، فوالله لئن وضعت علينا الجزية لندخلن أرض الروم، والله لتفضحنا من بين العرب.
فقال لهم: أنتم فضحتم أنفسكم، وخالفتم أمتكم، ووالله لتؤدن الجزية وأنتم صغرة قمئة، ولئن هربتم إلى الروم لأكتبن فيكم، ثم لأسبينكم.
قالوا: فخذ منا شيئا ولا تسميه جزية.
فقال: أما نحن فنسميه جزية، وأما أنتم فسموه ما شئتم.
فقال له علي بن أبي طالب: ألم يضعف عليهم سعد الصدقة؟.
قال: بلى؛ وأصغى إليه ورضي به منهم.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة: قدم عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام، فوصل إلى سَرْع في قول محمد بن إسحاق.
وقال سيف: وصل إلى الجابية.
قلت: والأشهر أنه وصل سرع، وقد تلقاه أمراء الأجناد: أبو عبيدة، ويزيد بن أبي سفيان، وخالد بن الوليد إلى سرع، فأخبروه أن الوباء قد وقع في الشام، فاستشار عمر المهاجرين والأنصار فاختلفوا عليه، فمن قائل يقول: أنت قد جئت لأمر فلا ترجع عنه، ومن قائل يقول: لا نرى أن تقدم بوجوه أصحاب رسول الله ﷺ على هذا الوباء.
فيقال: أن عمر أمر الناس بالرجوع من الغد.
فقال أبو عبيدة: أفرارا من قدر الله؟.
قال: نعم! نفر من قدر الله إلى قدر الله، أرأيت لو هبطت واديا ذا عدوتين، إحداهما: مخصبة، والأخرى: مجدبة، فإن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله، وإن أنت رعيت الجدبة رعيتها بقدر الله؟
ثم قال: لو غيرك يقولها يا أبا عبيدة.
قال ابن إسحاق في روايته وهو في صحيح البخاري: وكان عبد الرحمن بن عوف متغيبا في بعض شأنه، فلما قدم قال: إن عندي من ذلك عِلما، سمعت رسول الله ﷺ يقول: « إذا سمعتم به بأرض قومٍ فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا فرارا منه ».
فحمد الله عمر - يعني لكونه وافق رأيه - ورجع بالناس.
وقال الإمام أحمد: ثنا وكيع، ثنا سفيان بن حسين بن أبي ثابت، عن إبراهيم بن سعد، عن سعد بن مالك بن أبي وقاص وخزيمة بن ثابت وأسامة بن زيد قالوا: قال رسول الله ﷺ:
« إن هذا الطاعون رجزٌ وبقية عذاب عذب به قوم قبلكم، فإذا وقع بأرض أنتم فيها فلا تخرجوا منها فرارا منه، وإذا سمعتم به بأرض فلا تدخلوا عليه ».
ورواه الإمام أحمد أيضا من حديث سعيد بن المسيب، ويحيى بن سعيد، عن سعد بن أبي وقاص به.
قال سيف بن عمر: كان الوباء قد وقع بالشام في المحرم من هذه السنة ثم ارتفع، وكان سيفا يعتقد أن هذا الوباء هو طاعون عمواس الذي هلك فيه خلق من الأمراء، ووجوه المسلمين، وليس الأمر كما زعم؛ بل طاعون عمواس من السنة المستقبلة بعد هذه، كما سنبينه إن شاء الله تعالى.
وذكر سيف بن عمر: أن أمير المؤمنين عمر كان قد عزم على أن يطوف البلدان، ويزور الأمراء، وينظر فيما اعتمدوه، وما آثروا من الخير، فاختلف عليه الصحابة، فمن قائل يقول: ابدأ بالعراق، ومن قائل يقول: بالشام.
فعزم عمر على قدوم الشام لأجل قسم مواريث من مات من المسلمين في طاعون عمواس، فإنه أشكل قسمها على المسلمين بالشام، فعزم على ذلك وهذا يقتضي أن عمر عزم على قدوم الشام بعد طاعون عمواس، وقد كان الطاعون في سنة ثماني عشرة كما سيأتي، فهو قدوم آخر غير قدوم سرع. والله أعلم.
قال سيف: عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع بن النعمان قالوا: قال عمر: ضاعت مواريث الناس بالشام أبدأ بها فأقسم المواريث، وأقيم لهم ما في نفسي، ثم أرجع فأتقلب في البلاد، وأنبذ إليهم أمري.
قالوا: فأتى عمر الشام أربع مرات، مرتين في سنة ست عشرة، ومرتين في سنة سبع عشرة، ولم يدخلها في الأولى من الأخريين.
وهذا يقتضي ما ذكرناه عن سيف أنه يقول: بكون طاعون عمواس في سنة سبع عشرة.
وقد خالفه محمد بن إسحاق وأبو معشر وغير واحد، فذهبوا إلى: أنه كان في سنة ثماني عشرة.
وفيه توفي أبو عبيدة، ومعاذ، ويزيد بن أبي سفيان، وغيرهم من الأعيان على ما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى.