البداية والنهاية/الجزء السابع/خروج الخوارج



خروج الخوارج


وذلك أن الأشعث بن قيس مر على ملأ من بني تميم فقرأ عليهم الكتاب فقام إليه عروة بن أذينة وهي أمه وهو عروة بن جرير من بني ربيعة بن حنظلة، وهو أخو أبي بلال بن مرداس بن جرير فقال: أتحكمون في دين الله الرجال؟

ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث بن قيس، فغضب الأشعث وقومه، وجاء الأحنف بن قيس وجماعة من رؤسائهم يعتذرون إلى الأشعث بن قيس من ذلك.

قال الهيثم بن عدي: والخوارج يزعمون أن أول من حكم عبد الله بن وهب الراسبي.

قلت: والصحيح الأول وقد أخذ هذه الكلمة من هذا الرجل طوائف من أصحاب علي من القراء وقالوا: لا حكم إلا الله، فسموا المحكمية وتفرق الناس إلى بلادهم من صفين، وخرج معاوية إلى دمشق بأصحابه، ورجع علي إلى الكوفة على طريق هيت فلما دخل الكوفة سمع رجلا يقول: ذهب علي ورجع في غير شيء.

فقال علي: للذين فارقناهم خير من هؤلاء وأنشأ يقول:

أخوك الذي إن أحرجتك ملمةٌ * من الدهر لم يبرح لبثك راحما

وليس أخوك بالذي إن تشعبت * عليك أمورٌ ظل يلحاك لائما

ثم مضى فجعل يذكر الله حتى دخل قصر الإمارة من الكوفة، ولما كان قد قارب دخول الكوفة اعتزل من جيشه قريب من - اثني عشر ألفا - وهم الخوارج، وأبوا أن يساكنوه في بلده، ونزلوا بمكان يقال له حروراء وأنكروا عليه أشياء فيما يزعمون أنه ارتكبها.

فبعث إليهم علي رضي الله عنه عبد الله بن عباس فناظرهم فرجع أكثرهم وبقي بقيتهم، فقاتلهم علي بن أبي طالب وأصحابه كما سيأتي بيانه وتفصيله قريبا إن شاء الله تعالى.

والمقصود أن هؤلاء الخوارج هم المشار إليهم في الحديث المتفق على صحته أن رسول الله قال: « تمرق مارقة على حين فرقة من الناس - وفي رواية: من المسلمين، وفي رواية: من أمتي - فيقتلها أولى الطائفتين ».

وهذا الحديث له طرق متعددة، وألفاظ كثيرة، قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، وعفان بن القاسم بن الفضل، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.. قال: قال رسول الله : « تمرق مارقة عند فُرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق ».

رواه مسلم، عن شيبان بن فروخ، عن القاسم بن محمد به.

وقال أحمد: حدثنا أبو عوانة، عن قتادة، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، عن رسول الله : « تكون أمتي فرقتين تخرج بينهما مارقة تلي قتلها أولاهما ».

ورواه مسلم من حديث قتادة وداود بن أبي هند، عن أبي نضرة به.

وقال أحمد: حدثنا ابن أبي عدي، عن سليمان، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد، أن رسول الله « ذكر قوما يكونون في أمته يخرجون في فرقة من الناس، سيماهم التحليق هم شر الخلق - أو من شر الخلق - يقتلهم أدنى الطائفتين من الحق ».

قال أبو سعيد: فأنتم قتلتموهم يا أهل العراق.

وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا عوف، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : « تفترق أمتي فرقتين فتمرق بينهما مارقة فيقتلها أولى الطائفتين بالحق ».

ورواه عن يحيى القطان، عن عوف وهو الأعرابي به مثله.

فهذه طرق متعددة عن أبي نضرة المنذر بن مالك بن قطعة العبدي، وهو أحد الثقات الرفعاء، ورواه مسلم أيضا من حديث سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت، عن الضحاك الشرقي، عن أبي سعيد بنحوه.

فهذا الحديث من دلائل النبوة إذ قد وقع الأمر طبق ما أخبر به عليه الصلاة والسلام، وفيه الحكم بإسلام الطائفتين أهل الشام وأهل العراق، لا كما يزعمه فرقة الرافضة والجهلة الطغام، من تكفيرهم أهل الشام.

وفيه: أن أصحاب علي أدنى الطائفتين إلى الحق، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة أن عليا هو المصيب وإن كان معاوية مجتهدا، وهو مأجور إن شاء الله، ولكن علي هو الإمام فله أجران كما ثبت في (صحيح البخاري) من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله قال: « إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر ».

وسيأتي بيان كيفية قتال علي رضي الله عنه للخوارج، وصفة المخدج الذي أخبر عنه عليه السلام فوجد كما أخبر ففرح بذلك علي رضي الله عنه وسجد للشكر.

البداية والنهاية - الجزء السابع
سنة ثلاث عشرة من الهجرة | وقعة اليرموك | انتقال إمرة الشام من خالد إلى أبي عبيدة بعد وقعة اليرموك | وقعة جرت بالعراق بعد مجيء خالد إلى الشام | خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | فتح دمشق | فصل الاختلاف في فتح دمشق صلحا أو عنوة | بعث خالد بن الوليد إلى البقاع لفتحه | وقعة فحل | ما وقع بأرض العراق آنذاك من القتال | وقعة النمارق | وقعة جسر أبي عبيد ومقتل أمير المسلمين وخلق كثير منهم | وقعة البويب التي اقتص فيها المسلمون من الفرس | فصل بعث عمر بن الخطاب سعد بن أبي وقاص أميرا على العراق | ذكر اجتماع الفرس على يزدجرد بعد اختلافهم | ما وقع سنة ثلاث عشرة من الحوادث | ذكر المتوفين في هذه السنة مرتبين على الحروف | سنة أربع عشرة من الهجرة | غزوة القادسية | فصل وقعة القادسية | ذكرى من توفى في هذا العام من المشاهير | ثم دخلت سنة خمس عشرة | وقعة حمص الأولى | وقعة قنسرين | وقعة قيسارية | وقعة أجنادين | فتح بيت المقدس على يدي عمر بن الخطاب | أيام برس وبابل وكوثى | وقعة نهرشير | ومن توفي هذه السنة مرتبين على الحروف | ثم دخلت سنة ست عشرة | ذكر فتح المدائن | وقعة جلولاء | ذكر فتح حلوان | فتح تكريت والموصل | فتح ماسبذان من أرض العراق | فتح قرقيسيا وهيت في هذه السنة | ثم دخلت سنة سبع عشرة | أبو عبيدة وحصر الروم له بحمص وقدوم عمر إلى الشام | فتح الجزيرة | شيء من أخبار طاعون عمواس | كائنة غريبة فيها عزل خالد عن قنسرين أيضا | فتح الأهواز ومناذر ونهر تيري | فتح تستر المرة الأولى صلحا | ذكر غزو بلاد فارس من ناحية البحرين عن ابن جرير عن سيف | ذكر فتح تستر ثانية وأسر الهرمزان وبعثه إلى عمر بن الخطاب | فتح السويس | ثم دخلت سنة ثماني عشرة | ذكر طائفة من أعيانهم رضي الله عنهم | ثم دخلت سنة تسع عشرة | ذكر من توفى فيها من الأعيان | سنة عشرين من الهجرة | صفة فتح مصر عن ابن إسحاق وسيف | قصة نيل مصر | ذكر المتوفين من الأعيان | ثم دخلت سنة إحدى وعشرين وكانت وقعة نهاوند | ذكر من توفي إحدى وعشرين | ثم دخلت سنة ثنتين وعشرين وفيها كانت فتوحات كثيرة | فتح الري | فتح قومس | فتح جرجان | وهذا فتح أذربيجان | فتح الباب | أول غزو الترك | قصة السد | بقية من خبر السد | قصة يزدجرد بن شهريار بن كسرى | خراسان مع الأحنف بن قيس | ثم دخلت سنة ثلاث وعشرين وفيها وفاة عمر بن الخطاب | فتح فسا ودار أبجرد وقصة سارية بن زنيم | فتح كرمان وسجستان ومكران | غزة الأكراد | خبر سلمة بن قيس الأشجعي والأكراد | وفاة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعالى | صفته رضي الله عنه | ذكر زوجاته وأبنائه وبناته | ذكر بعض ما رثي به | أحداث وقعت في هذه السنة | ذكر من توفي في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه | خلافة أمير المؤمنين عثمان بن عفان ثم استهلت سنة أربع وعشرين | ثم دخلت سنة خمس وعشرين | ثم دخلت سنة ست وعشرين | ثم دخلت سنة سبع وعشرين | غزوة إفريقية | غزوة الأندلس | ثم دخلت سنة ثمان وعشرين فتح قبرص | ثم دخلت سنة تسع وعشرين | سنة ثلاثين من الهجرة النبوية | فصل ذكر الذهبي وفاة أبي بن كعب | ثم دخلت سنة إحدى وثلاثين | كيفية قتل كسرى ملك الفرس وهو يزدجرد | ثم دخلت سنة ثنتين وثلاثين | ذكر من توفي من الأعيان في هذا السنة | ثم دخلت سنة ثلاث وثلاثين | ثم دخلت سنة أربع وثلاثين | ثم دخلت سنة خمس وثلاثين ففيها مقتل عثمان | ذكر مجيء الأحزاب إلى عثمان للمرة الثانية من مصر | ذكر حصر أمير المؤمنين عثمان بن عفان | فصل استمرار حصار عثمان بن عفان | صفة قتله رضي الله عنه | فصل مقتل عثمان رضي الله عنه | فصل مدة حصاره أربعون يوما | ذكر صفته رضي الله عنه | فصل قتل عثمان أول الفتن وآخر الفتن الدجال | وهذا ذكر بعض ما رثي به رضي الله عنه | إن قال قائل كيف وقع قتل عثمان رضي الله عنه بالمدينة وفيها جماعة من كبار الصحابة رضي الله عنهم | بعض الأحاديث الواردة في فضائل عثمان بن عفان | الأول فيما ورد في فضائله مع غيره | القسم الثاني فيما ورد من فضائله وحده | ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته | شيء من خطبه | فصل من مناقبه رضي الله عنه | فصل ومن مناقبه أيضا | ذكر زوجاته وبنيه وبناته رضي الله عنهم | فصل ذكر حديث تدور رحا الإسلام | في ذكر من توفي زمان عثمان ممن لا يعرف وقت وفاته على التعيين | خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه | ذكر بيعة علي رضي الله عنه بالخلافة | ثم دخلت سنة ست وثلاثين من الهجرة | ابتداء وقعة الجمل | مسير علي بن أبي طالب من المدينة إلى البصرة بدلا من الشام | فصل فراغ علي رضي الله عنه من أمر الجمل | فصل في ذكر أعيان من قتل يوم الجمل | وفي هذه السنة أعني سنة ست وثلاثين | فصل في وقعة صفين بين أهل العراق وبين أهل الشام | ثم دخلت سنة سبع وثلاثين | رفع أهل الشام المصاحف | قصة التحكيم | خروج الخوارج | فصل قد تقدم أن عليا رضي الله عنه لما رجع من الشام بعد وقعة صفين | اجتماع الحكمين أبي موسى وعمرو بن العاص بدومة الجندل | خروج الخوارج من الكوفة ومبارزتهم عليا | مسير أمير المؤمنين علي إلى الخوارج | ما ورد فيهم من الأحاديث الشريفة | فصل خطبة علي رضي الله عنه بعد انصرافه من النهروان | فصل ما جرى من أحداث في قصة التحكيم | فصل قتاله للخوارج كان سنة سبع وثلاثين | ذكر من توفي فيها من الأعيان | ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين | فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين | ذكر من توفي في هذه السنة من الأعيان | ثم دخلت سنة تسع وثلاثين | سنة أربعين من الهجرة | ذكر مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | صفة مقتله رضي الله عنه | ذكر زوجاته وبنيه وبناته | شيء من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب | حديث المؤآخاة | تزويجه فاطمة الزهراء رضي الله عنهما | حديث غدير خم | حديث الطير | حديث آخر في فضل علي