البداية والنهاية/الجزء السابع/قصة نيل مصر
روينا من طريق ابن لهيعة، عن قيس بن الحجاج عمن حدثه قال: لما افتتحت مصر آتى أهلها عمرو بن العاص - حين دخل بؤنة من أشهر العجم - فقالوا: أيها الأمير، لنيلنا هذا سنة لا يجري إلا بها.
قال: وما ذلك؟.
قالوا: إذا كانت اثنتي عشرة ليلة خلت من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر من أبويها، فأرضينا أبويها، وجعلنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في هذا النيل.
فقال لهم عمرو: إن هذا مما لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما قبله.
قال: فأقاموا بؤنة وأبيب ومسرى والنيل لا يجري قليلا ولا كثيرا حتى هموا بالجلاء.
فكتب عمرو إلى عمر بن الخطاب بذلك، فكتب إليه إنك قد أصبت بالذي فعلت، وإني قد بعثت إليك بطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل.
فلما قدم كتابه أخذ عمرو البطاقة فإذا فيها من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى نيل أهل مصر، أما بعد: فإن كنت إنما تجري من قبلك ومن أمرك فلا تجر فلا حاجة لنا فيك، وإن كنت إنما تجري بأمر الله الواحد القهار، وهو الذي يجريك فنسأل الله تعالى أن يجريك.
قال: فألقى البطاقة في النيل فأصبحوا يوم السبت وقد أجرى الله النيل ستة عشر ذراعا في ليلة واحدة، وقطع الله تلك السُّنَّة عن أهل مصر إلى اليوم.
قال سيف بن عمرو: وفي ذي القعدة من هذه السنة - وهي عنده سنة ست عشرة - جعل عمرو المسالح على أرجاء مصر، وذلك لأن هرقل أغزا الشام ومصر في البحر.
قال ابن جرير: وفي هذه السنة غزا أرض الروم أبو بحرية عبد الله بن قيس العبدي - وهو أول من دخلها فيما قيل - فسلم وغنم، وقيل: أول من دخلها ميسرة بن مسروق العبسي.
قال الواقدي: وفيها عزل عمر قدامة بن مظعون عن البحرين، وحده في الشراب. وولي على البحرين واليمامة أبا هريرة الدوسي رضي الله عنه.
قال: وفيها: شكا أهل الكوفة سعدا في كل شيء، حتى قالوا: لا يحسن يصلي، فعزله عنها، وولي عليها عبد الله بن عبد الله بن عتبان - وكان نائب سعد -.
وقيل: بل ولاها عمرو بن ياسر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن عبد الملك سمعه من جابر بن سمرة قال: شكا أهل الكوفة سعدا إلى عمر فقالوا: إنه لا يحسن يصلي.
قال الأعاريب: والله ما آلو بهم صلاة رسول الله ﷺ في الظهر والعصر، أردد في الأوليين وأصرف في الأخيرين.
فسمعت عمر يقول: كذا الظن بك يا أبا إسحاق.
وفي صحيح مسلم: أن عمر بعث من يسأل عنه أهل الكوفة فأثنوا خيرا إلا رجلا يقال له: أبو سعدة قتادة بن أسامة قام فقال: أما إذا أنشدتنا فإن سعدا لا يقسم بالسوية ولا يعدل في القضية، ولا يخرج في السرية.
فقال سعد: اللهم إن كان عبدك هذا قام مقام رياء سمعه فأطل عمره وأدم فقره وعرضه للفتن. فأصابته دعوة سعد فكان شيخا كبيرا يرفع حاجبيه عن عينيه، ويتعرض للجواري في الطرق فيغمزهن.
فيقال له في ذلك فيقول: شيخ كبير مفتون أصابته دعوة سعد.
وقد قال عمر في وصيته: - وذكره في الستة - فإن أصابت الإمرة سعدا فذاك، وإلا فليستعن به أيكم ولي، فإني لم أعزله عن عجز ولا خيانة.
قال: وفيها: أجلى عمر يهود خيبر عنها إلى أذرعات وغيرها.
وفيها: أجلى عمر يهود نجران منها أيضا إلى الكوفة، وقسم خيبر، ووادي القرى، ونجران بين المسلمين.
قال: وفيها دون عمر الدواوين، وزعم غيره أنه دونها قبل ذلك فالله أعلم.
قال: وفيها: بعث عمر علقمة بن مجزر المدجلي إلى الحبشة في البحر فأصيبوا فآلى عمر على نفسه أن لا يبعث جيشا في البحر بعدها.
وقد خالف الواقدي في هذا أبو معشر فزعم أن غزوة الحبشة إنما كانت في سنة إحدى وثلاثين - يعني: في خلافة عثمان بن عفان - والله أعلم.
قال الواقدي: وفيها: تزوج عمر فاطمة بنت الوليد بن عتبة. التي مات عنها الحارث بن هشام في الطاعون. وهي: أخت خالد بن الوليد.
قال: وفيها: مات هلال بدمشق، وأسيد بن الحضير في شعبان، وزينب بنت جحش أم المؤمنين. وهي أول من مات من أمهات المؤمنين رضي الله عنها.
قال: وفيها: مات هرقل وقام بعده ولده قسطنطين.
قال: وحج بالناس في هذه السنة عمرو ونوابه وقضاته ومن تقدم في التي قبلها. سوى من ذكرنا أنه عزل وولي غيره.