البداية والنهاية/الجزء السابع/وقعة حمص الأولى
لما وصل أبو عبيدة في أتباعه الروم المنهزمين إلى حمص، نزل حولها يحاصرها، ولحقه خالد بن الوليد فحاصروها حصارا شديدا، وذلك في زمن البرد الشديد، وصابر أهل البلد رجاء أن يصرفهم عنهم شدة البرد، وصبر الصحابة صبرا عظيما بحيث إنه ذكر غير واحد أن من الروم من كان يرجع، وقد سقطت رجله وهي في الخف، والصحابة ليس في أرجلهم شيء سوى النعال، ومع هذا لم يصب منهم قدم ولا أصبع أيضا، ولم يزالوا كذلك حتى انسلخ فصل الشتاء فاشتد الحصار.
وأشار بعض كبار أهل حمص عليهم بالمصالحة، فأبوا عليه ذلك، وقالوا: أنصالح والملك منا قريب؟
فيقال: إن الصحابة كبروا في بعض الأيام تكبيرة ارتجت منها المدينة حتى تفطرت منها بعض الجدران، ثم تكبيرة أخرى فسقطت بعض الدور، فجاءت عامتهم إلى خاصتهم فقالوا: ألا تنظرون إلى ما نزل بنا، وما نحن فيه؟ إلا تصالحون القوم عنا؟
قال: فصالحوهم على ما صالحوا عليه أهل دمشق، على نصف المنازل، وضرب الخراج على الأراضي، وأخذ الجزية على الرقاب بحسب الغنى والفقر.
وبعث أبو عبيدة بالأخماس والبشارة إلى عمر مع عبد الله بن مسعود.
وأنزل أبو عبيدة بحمص جيشا كثيفا يكون بها مع جماعة من الأمراء، منهم بلال والمقداد، وكتب أبو عبيدة إلى عمر يخبره بأن هرقل قد قطع الماء إلى الجزيرة، وأنه يظهر تارة ويخفى أخرى، فبعث إليه عمر يأمره بالمقام ببلده.