البداية والنهاية/الجزء السابع/فصل مدة حصاره أربعون يوما
كانت مدة حصار عثمان رضي الله عنه في داره أربعين يوما على المشهور، وقيل: كانت بضعا وأربعين يوما.
وقال الشعبي: كانت ثنتين وعشرين ليلة.
ثم كان قتله رضي الله عنه في يوم الجمعة بلا خلاف.
قال سيف بن عمر عن مشايخه: في آخر ساعة منها، ونص عليه مصعب بن الزبير وآخرون.
وقال آخرون: ضحوة نهارها، وهذا أشبه، وكان ذلك لثماني عشر ليلة خلت من ذي الحجة على المشهور.
وقيل: في أيام التشريق.
ورواه ابن جرير حدثني أحمد بن زهير، ثنا أبو خيثمة، ثنا وهب بن جرير سمعت يونس، عن يزيد، عن الزهري قال: قُتل عثمان، فزعم بعض الناس أنه قتل في أيام التشريق، وقال بعضهم: قتل يوم الجمعة لثلاثٍ خلت من ذي الحجة.
وقيل: قتل يوم النحر، حكاه ابن عساكر، ويستشهد له بقول الشاعر:
ضحَّوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
قال: والأول هو الأشهر.
وقيل: إنه قتل يوم الجمعة لثماني عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين على الصحيح المشهور.
وقيل: سنة ست وثلاثين.
قال مصعب بن الزبير وطائفة: وهو غريب فكانت خلافته ثنتي عشرة سنة إلا اثني عشر يوما، لأنه بويع له في مستهل المحرم سنة أربع وعشرين.
فأما عمره رضي الله عنه، فإنه جاوز ثنتين وثمانين سنة.
وقال صالح بن كيسان: توفي عن ثنتين وثمانين سنة وأشهر.
وقيل: أربع وثمانون سنة.
وقال قتادة: توفي عن ثمان وثمانين أو تسعين سنة.
وفي رواية عنه: توفي عن ست وثمانين سنة.
وعن هشام بن الكلبي: توفي عن خمس وسبعين سنة، وهذا غريب جدا.
وأغرب منه ما رواه سيف بن عمر عن مشايخه وهم محمد، وطلحة، وأبو عثمان، وأبو حارثة أنهم قالوا: قتل عثمان رضي الله عنه عن ثلاث وستين سنة.
وأما موضع قبره: فلا خلاف أنه دفن بحش كوكب -شرقي البقيع - وقد بنى عليه زمان بني أمية قبة عظيمة، وهي باقية إلى اليوم.
قال الإمام مالك رضي الله عنه: بلغني أن عثمان رضي الله عنه كان يمر بمكان قبره من حش كوكب فيقول: إنه سيدفن ههنا رجل صالح.
وقد ذكر ابن جرير: أن عثمان رضي الله عنه بقي بعد أن قُتل ثلاثة أيام لا يدفن، قلت: وكأنه اشتغل الناس عنه بمبايعة علي رضي الله عنه حتى تمت.
وقيل: أنه مكث ليلتين.
وقيل: بل دفن من ليلته، ثم كان دفنه ما بين المغرب والعشاء خيفة من الخوارج.
وقيل: بل استؤذن في ذلك بعض رؤسائهم، فخرجوا به في نفر قليل من الصحابة، فيهم: حكيم بن حزام، وحويطب بن عبد العزى، وأبو الجهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم الأسلمي، وجبير بن مطعم، وزيد بن ثابت، وكعب بن مالك، وطلحة، والزبير، وعلي بن أبي طالب، وجماعة من أصحابه، ونسائه منهن امرأتاه نائلة وأم البنين بنت عتبة بن حصين، وصبيان.
وهذا مجموع من كلام الواقدي، وسيف بن عمر التميمي، وجماعة من خدمه حملوه على باب بعد ما غسلوه وكفنوه.
وزعم بعضهم: أنه لم يغسل ولم يكفن، والصحيح الأول. وصلى عليه جبير بن مطعم، وقيل: الزبير بن العوام، وقيل: حكيم بن حزام، وقيل: مروان بن الحكم، وقيل: المسور بن مخرمة.
وقد عارضه بعض الخوارج وأرادوا رجمه وإلقاءه عن سريره، وعزموا على أن يدفن بمقبرة اليهود بدير سلع، حتى بعث علي رضي الله عنه إليهم من نهاهم عن ذلك، وحمل جنازته حكيم بن حزام.
وقيل: مروان بن الحكم.
وقيل: المسور بن مخرمة، وأبو جهم بن حذيفة، ونيار بن مكرم، وجبير بن مطعم.
وذكر الواقدي: أنه لما وُضع ليُصلى عليه - عند مصلى الجنائز - أراد بعض الأنصار أن يمنعهم من ذلك، فقال أبو جهم بن حذيفة: ادفنوه فقد صلى الله عليه وملائكته.
ثم قالوا: لا يدفن في البقيع، ولكن ادفنوه وراء الحائط، فدفنوه شرقي البقيع تحت نخلات هناك.
وذكر الواقدي: أن عمير بن ضابي نزل على سريره وهو موضوع للصلاة عليه، فكسر ضلعا من أضلاعه، وقال: أحبست ضابيا حتى مات في السجن.
وقد قتل الحجاج فيما بعد عمير بن ضابي هذا.
وقال البخاري في (التاريخ): حدثنا موسى بن إسماعيل، عن عيسى بن منهال، ثنا غالب، عن محمد بن سيرين قال: كنت أطوف بالكعبة وإذا رجل يقول: اللهم اغفر لي، وما أظن أن تغفر لي.
فقلت: يا عبد الله، ما سمعت أحدا يقول ما تقول؟.
قال: كنت أعطيت لله عهدا إن قدرت أن ألطم وجه عثمان إلا لطمته، فلما قتل وضع على سريره في البيت والناس يجيئون يصلون عليه، فدخلت كأني أصلي عليه فوجدت خلوة، فرفعت الثوب عن وجهه ولحيته ولطمته، وقد يبست يميني.
قال ابن سيرين: فرأيتها يابسة كأنها عود.
ثم أخرجوا بعبدي عثمان اللذين قتلا في الدار، وهما صبيح ونجيح، رضي الله عنهما، فدفنا إلى جانبه بحش كوكب.
وقيل: إن الخوارج لم يمكنوا من دفنهما، بل جروهما بأرجلهما حتى ألقوهما بالبلاط فأكلتهما الكلاب.
وقد اعتنى معاوية في أيام إمارته بقبر عثمان، ورفع الجدار بينه وبين البقيع، وأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حوله حتى اتصلت بمقابر المسلمين.