البداية والنهاية/الجزء السابع/ذكر شيء من سيرته وهي دالة على فضيلته
قال ابن مسعود: لما توفي عمر بايعنا خيرنا ولم نأل.
وفي رواية: بايعوا خيرهم ولم يألوا.
وقال الأصمعي: عن أبي الزناد، عن أبيه، عن عمرو بن عثمان بن عفان قال: كان نقش خاتم عثمان آمنت بالذي خلق فسوى.
وقال محمد بن المبارك: بلغني أنه كان نقش خاتم عثمان آمن عثمان بالله العظيم.
وقال البخاري في (التاريخ): ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا مبارك بن فضالة قال: سمعت الحسن يقول: أدركت عثمان على ما نقموا عليه، قل ما يأتي على الناس يوم إلا وهم يقتسمون فيه خيرا، يقال لهم: يا معشر المسلمين اغدوا على أعطياتكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على أرزاقكم فيأخذونها وافرة، ثم يقال لهم: اغدوا على السمن والعسل الأعطيات جارية، والأرزاق دارة، والعدو متقى، وذات البين حسن، والخير كثير، وما من مؤمن يخاف مؤمنا، ومن لقيه فهو أخوه، قد كان من إلفته ونصيحته ومودته قد عهد إليهم أنها ستكون أثره، فإذا كانت فاصبروا.
قال الحسن: فلو أنهم صبروا حين رأوها لوسعهم ما كانوا فيه من العطاء والرزق والخير الكثير، بل قالوا: لا والله ما نصابرها: فوالله ما وردوا وما سلموا والأخرى كان السيف مغمدا عن أهل الإسلام فسلوه على أنفسهم، فوالله ما زال مسلولا إلى يوم الناس، هذا وأيم الله إني لأراه سيفا مسلولا إلى يوم القيامة.
وقال غير واحد عن الحسن البصري قال: سمعت عثمان يأمر في خطبته بذبح الحمام وقتل الكلاب.
وروى سيف ابن عمر: أن أهل المدينة اتخذ بعضهم الحمام ورمى بعضهم بالجلاهقات، فوكل عثمان رجلا من بني ليث يتبع ذلك فيقص الحمام ويكسر الجلاهقات - وهي قسي البندق -.
وقال محمد بن سعد: أنبأنا القعنبي وخالد بن مخلد، ثنا محمد بن هلال، عن جدته - وكانت تدخل على عثمان وهو محصور - فولدت هلالا ففقدها يوما فقيل له: إنها قد ولدت هذه الليلة غلاما، قالت: فأرسل إلي بخمسين درهما وشقيقة سنبلانية، وقال: هذا عطاء ابنك وكسوته، فإذا مرت به سنة رفعناه إلى مائة.
وروى الزبير بن أبي بكر: عن محمد بن سلام، عن ابن بكار قال: قال ابن سعيد بن يربوع بن عتكة المخزومي: انطلقت وأنا غلام في الظهيرة ومعي طير أرسله في المسجد، والمسجد بيننا، فإذا شيخ جميل حسن الوجه نائم، تحت رأسه لبنة أو بعض لبنة، فقمت أنظر إليه أتعجب من جماله، ففتح عينيه فقال: من أنت يا غلام؟
فأخبرته، فإذا غلام نائم قريبا منه فدعاه فلم يجبه، فقال لي: ادعه! فدعوته فأمره بشيء، وقال لي: اقعد! فذهب الغلام فجاء بحلة وجاء بألف درهم، ونزع ثوبي وألبسني الحلة، وجعل الألف درهم فيها، فرجعت إلى أبي فأخبرته، فقال: يا بني من فعل هذا بك؟
فقلت: لا أدري إلا أنه رجل في المسجد نائم لم أر قط أحسن منه، قال: ذاك أمير المؤمنين عثمان بن عفان.
وقال عبد الرزاق: عن ابن جرير، أخبرني يزيد بن خصيفة، عن أبي السائب بن يزيد: أن رجلا سأل عبد الرحمن بن عثمان التميمي، أهي صلاة طلحة بن عبيد الله عن صلاة عثمان؟
قال: نعم!
قال: قلت لأغلبن الليلة النفر على الحجر - يعني: المقام - فلما قمت فإذا رجل يرجمني مقنعا، قال: فالتفت، فإذا بعثمان يزحمني فتأخرت عنه فصلى فإذا هو يسجد بسجود القرآن، حتى إذا قلت هذا هو أذان الفجر أوتر بركعة لم يصل غيرها ثم انطلق.
وقد روي هذا من غير وجه أنه صلى بالقرآن العظيم في ركعة واحدة عند الحجر الأسود، أيام الحج، وقد كان هذا من دأبه رضي الله عنه.
ولهذا روينا عن ابن عمر أنه قال في قوله تعالى: { أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدا وَقَائِما يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ } [الزمر: 9] قال: هو عثمان بن عفان.
وقال ابن عباس: في قوله تعالى: { هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ } [النحل: 76] قال: هو عثمان.
وقال حسان:
ضحوا بأشمط عنوان السجود به * يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
وقال سفيان بن عيينة: ثنا إسرائيل بن موسى، سمعت الحسن يقول: قال عثمان: لو أن قلوبنا طهرت ما شبعنا من كلام ربنا، وإني لأكره أن يأتي علي يوم لا أنظر في المصحف.
وما مات عثمان حتى خرق مصحفه من كثرة ما يديم النظر فيه.
وقال أنس ومحمد بن سيرين: قالت امرأة عثمان يوم الدار: اقتلوه أو دعوه، فوالله لقد كان يحيي بالقرآن في ركعة.
وقال غير واحد: أنه رضي الله عنه كان لا يوقظ أحدا من أهله إذا قام من الليل ليعينه على وضوئه، إلا أن يجده يقظانا، وكان يصوم الدهر، وكان يُعَاتَبُ فيقال: لو أيقظت بعض الخدم؟
فيقول: لا! الليل لهم يستريحون فيه.
وكان إذا اغتسل لا يرفع المئزر عنه، وهو في بيت مغلق عليه، ولا يرفع صلبه جيدا من شدة حيائه رضي الله عنه.