البداية والنهاية/الجزء السابع/حديث المؤآخاة
قال الحاكم: حدثنا أبو بكر محمد بن عبد الله الجنيد، حدثنا الحسين بن جعفر القرشي، حدثنا العلاء بن عمرو الحنفي، حدثنا أيوب بن مدرك، عن مكحول، عن أبي أمامة قال: لما آخى رسول الله ﷺ بين الناس آخى بينه وبين علي.
ثم قال الحاكم: لم نكتبه من حديث مكحول إلا من هذا الوجه، وكان المشايخ يعجبهم هذا الحديث لكونه من رواية أهل الشام.
قلت: وفي صحة هذا الحديث نظر، وورد من طريق أنس وعمر: أن رسول الله ﷺ قال: « أنت أخي في الدنيا والآخرة ».
وكذلك من طريق زيد بن أبي أوفى، وابن عباس، ومحدوج بن زيد الذهلي، وجابر بن عبد الله، وعامر بن ربيعة، وأبي ذر، وعلي نفسه نحو ذلك وأسانيدها كلها ضعيفة لا يقوم بشيء منها حجة و الله أعلم.
و قد جاء من غير وجه أنه قال: أنا عبد الله، وأخو رسوله لا يقولها بعدي إلا كذاب.
وقال الترمذي: ثنا يوسف بن موسى القطان البغدادي، ثنا علي بن قادم، ثنا علي بن صالح بن حيي، عن حكيم بن جبير، عن جُميع بن عمير التيمي، عن ابن عمر قال: آخى رسول الله بين أصحابه فجاء علي تدمع عيناه فقال: يا رسول الله آخيت بين أصحابك ولم تواخي بيني و بين أحد.
فقال رسول الله ﷺ: « أنت أخي في الدنيا والآخرة ».
ثم قال: هذا حديث حسن غريب وفيه: عن زيد بن أبي أوفى، وقد شهد بدرا.
وقد قال رسول الله لعمر: « وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم؟ »
وبارز يومئذ كما تقدم، وكانت له اليد البيضاء، ودفع إليه رسول الله ﷺ الراية يومئذٍ وهو ابن عشرين سنة قاله الحكم عن مقسم، عن ابن عباس.
قال: وكانت تكون معه راية المهاجرين في المواقف كلها، وكذلك قال سعيد بن المسيب وقتادة.
وقال خيثمة بن سليمان الأطرابلسي الحافظ: حدثنا أحمد بن حازم عن ابن أبي غرزة، ثنا إسماعيل بن أبان، ثنا ناصح بن عبد الله المحملي، عن سماك بن حرب، عن جابر بن سمرة قال:
قالوا يا رسول الله من يحمل رايتك يوم القيامة؟
قال: « ومن عسى أن يحملها يوم القيامة إلا من كان يحملها في الدنيا علي بن أبي طالب؟ » وهذا إسناد ضعيف.
ورواه ابن عساكر، عن أنس بن مالك ولا يصح أيضا.
وقال الحسن بن عرفة: حدثني عمار بن محمد، عن سعيد بن محمد الحنظلي، عن أبي جعفر بن علي قال: نادى منادٍ في السماء يوم بدر: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي.
قال الحافظ ابن عساكر: وهذا مرسل وإنما تنفل عن رسول الله ﷺ سيفه ذا الفقار يوم بدر ثم وهبه لعلي بعد ذلك.
وقال الزبير بن بكار: حدثني علي بن المغيرة، عن معمر بن المثنى قال: كان لواء المشركين يوم بدر مع طلحة بن أبي طلحة فقتله علي بن أبي طالب ففي ذلك يقول الحجاج بن علاط السلمي:
لله أي مذنبٍ عن حربه * أعني ابن فاطمة المعم المخولا
جادت يداك له بعاجل طعنةٍ * تركت طليحة للجبين مجندلا
وشددت شدة باسلٍ فكشفتهم * بالحق إذ يهوون أخول أخولا
وعللت سيفك بالدماء ولم تكن * لترده حران حتى ينهلا
وشهد بيعة الرضوان، وقد قال الله تعالى: { لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحا قَرِيبا } [الفتح: 18] .
وقال رسول الله ﷺ: « لن يدخل أحد بايع تحت الشجرة النار ».
وقد ثبت في (الصحاح) وغيرها أن رسول الله ﷺ قال يوم خيبر: « لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفّرار يفتح الله على يديه ».
فبات الناس يدوكون أيهم يعطاها حتى قال عمر: ما أحببت الإمارة إلا يومئذٍ، فلما أصبح أعطاها عليا ففتح الله على يديه.
ورواه جماعة منهم مالك، والحسن، ويعقوب بن عبد الرحمن، وجرير بن عبد الحميد، وحماد بن سلمة، وعبد العزيز بن المختار، وخالد بن عبد الله بن سهيل عن أبيه، عن أبي هريرة أخرجه مسلم.
ورواه ابن أبي حازم، عن سهل بن سعد أخرجاه في (الصحيحين)، وقال في حديثه: فدعا به رسول الله وهو أرمد فبصق في عينه فبرأ.
ورواه إياس بن سلمة بن الأكوع، عن أبيه، ويزيد بن أبي عبيد، عن مولاه سلمة أيضا، وحديثه عنه في (الصحيحين).
وقال محمد بن إسحاق: حدثني بريدة، عن سفيان، عن أبي فروة الأسلمي، عن أبيه، عن سلمة بن عمرو بن الأكوع قال: بعث رسول الله ﷺ إلى أبي بكر الصديق برايته إلى بعض حصون خيبر، فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد.
ثم بعث عمر بن الخطاب فقاتل ثم رجع ولم يكن فتح وقد جهد.
فقال رسول الله ﷺ: « لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه ليس بفّرار ».
قال سلمة: فدعا رسول الله ﷺ عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ثم قال: « خذ هذه الراية فامض بها حتى يفتح الله عليك ».
قال سلمة: فخرج والله بها يهرول هرولة وإنا لخلفه نتبع أثره حتى ركز رايته في رجم من حجارة تحت الحصن، فاطلع إليه يهودي من رأس الحصن.
فقال: من أنت؟
قال: علي بن أبي طالب.
قال اليهودي: غلبتم ومن أنزل التوراة على موسى.
قال: فما رجع حتى فتح الله علي يديه.
وقد رواه عكرمة بن عمار، عن عطاء مولى السائب، عن سلمة بن الأكوع، وفيه أنه هو الذي جاء به يقوده وهو أرمد حتى بصق رسول الله في عينيه فبرأ.
رواية بريدة بن الحصيب
وقال الإمام أحمد: حدثنا زيد بن الحباب، ثنا الحسين بن واقد، حدثني عبد الله بن بريدة، حدثني بريدة بن الحصيب قال: حاصرنا خيبر فأخذ اللواء أبو بكر فانصرف ولم يفتح له.
ثم أخذه من الغد عمر فخرج فرجع ولم يفتح له، وأصاب الناس يومئذٍ شدة وجهد.
فقال رسول الله ﷺ: « إني دافع اللواء غدا إلى رجل يحبه الله ورسوله ويحب الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له » - وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا -.
قال: فلما أصبح رسول الله ﷺ صلى الغداة، ثم قام قائما فدعا باللواء والناس على مصافهم فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ودفع إليه اللواء ففتح له.
قال بريدة: وأنا فيمن تطاول لها، ورواه النسائي من حديث الحسين بن واقد به أطول منه، ثم رواه أحمد، عن محمد بن جعفر وروح كلاهما عن عوف، عن ميمون أبي عبد الله الكردي، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه به نحوه، وأخرجه النسائي عن بندار، وغندر به وفيه الشعر.
رواية عبد الله بن عمر
ورواه هشيم، عن العوام بن حوشب، عن حبيب بن أبي ثابت، عن ابن عمر فذكر سياق حديث بريدة ورواه كثير من النواء عن جميع بن عمير، عن ابن عمر نحوه وفيه قال علي: فما رمدت بعد يومئذٍ.
ورواه أحمد عن وكيع، عن هشام بن سعيد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر كما سيأتي.
رواية ابن عباس
وقال أبو يعلى: حدثنا يحيى بن عبد الحميد، ثنا أبو عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس قال:
قال رسول الله ﷺ: « لأعطين الراية غدا رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فقال: أين علي؟ »
قالوا: يطحن.
قال: وما أحد منهم يرضى أن يطحن، فأتي به فدفع إليه الراية فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب.
وهذا غريب من هذا الوجه وهو مختصر من حديث طويل.
ورواه الإمام أحمد عن يحيى بن حماد، عن أبي عوانة، عن أبي بلج، عن عمرو بن ميمون، عن ابن عباس فذكره بتمامه.
فقال الإمام أحمد عن يحيى بن حماد: حدثنا أبو عوانة، حدثنا أبو بلج، ثنا عمر بن ميمون قال: إني لجالس إلى عن ابن عباس، إذا أتاه تسعة رهط فقالوا: يا بن عباس إما أن تقوم معنا، وإما أن تخلونا هؤلاء؟
فقال: بل أقوم معكم - وهو يومئذٍ صحيح قبل أن يعمى - قال: ابتدأوا فتحدثوا فلا ندري ما قالوا.
قال: فجاء ينفض ثوبه ويقول: أف وتف، وقعوا في رجل له عشر وقعوا في رجل قال له النبي ﷺ: « لأبعثن رجلا لا يخزيه الله أبدا يحب الله ورسوله ».
قال: فاستشرف لها من استشرف.
قال: « أين علي؟ »
قالوا: في الرحا يطحن.
قال: « وما كان أحدكم ليطحن ».
قال: فجاء وهو أرمد لا يكاد أن يبصر فنفث في عينيه، ثم هز الراية ثلاثا فأعطاها إياه فجاء بصفية بنت حيي بن أخطب قال: ثم بعث فلانا بسورة التوبة فبعث عليا خلفه فأخذها، ثم قال: « لا يذهب بها إلا رجل مني وأنا منه ».
قال: وقال لبني عمه: « أيكم يواليني في الدنيا والآخرة؟ »، فأبوا.
فقال علي: أنا أواليك في الدنيا والآخرة.
فقال: « أنت وليي في الدنيا والآخرة »
قال: وكان أول من أسلم من الناس بعد خديجة.
قال: وأخذ رسول الله ثوبه فوضعه على علي وفاطمة وحسن وحسين فقال: « إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا ».
قال: وشرى علي نفسه لبس ثوب رسول الله ﷺ ثم نام مكانه، قال: وكان المشركون يرمون رسول الله ﷺ فجاء أبو بكر وعلي نائم وأبو بكر يحسب أنه نبي الله.
فقال: يا نبي الله!.
فقال له علي: إن نبي الله قد انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه.
قال: فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار، قال: وجعل علي يُرمي بالحجارة كما كان يرمى رسول الله ﷺ وهو يتضرر، وقد لف رأسه في الثوب لا يخرجه حتى أصبح، ثم كشف عن رأسه فقالوا: إنك لئيم كان صاحبك ترميه فلا يتضرر، وأنت تتضرر وقد استنكرنا ذلك.
قال: وخرج - يعني: رسول الله ﷺ في غزوة تبوك - فقال له علي: أخرج معك؟
فقال له النبي ﷺ: « لا! »
فبكى علي فقال: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنك لست بنبي؟ إنه لا ينبغي أن أذهب إلا وأنت خليفتي ».
قال: وقال له رسول الله ﷺ: « أنت ولي كل مؤمن بعدي ».
قال: وسد أبواب المسجد غير باب علي فيدخل المسجد جنبا وهو طريقه ليس له طريق غيره.
قال: وقال: « من كنت مولاه فإن عليا مولاه ».
قال: وأخبرنا الله في القرآن أنه قد رضي عن أصحاب الشجرة فعلم ما في قلوبهم فهل حدثنا أنه سخط عليهم بعد.
قال: وقال نبي الله ﷺ لعمر حين قال: ائذن لي أن أضرب عنق هذا المنافق - يعني: حاطب بن أبي بلتعة - قال: « وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: « اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ».
وقد روى الترمذي بعضه من طريق شعبة، عن أبي بلج يحيى بن أبي سليم واستغربه.
وأخرج النسائي بعضه أيضا، عن محمد بن المثنى، عن يحيى بن حماد به.
وقال البخاري في (التاريخ): حدثنا عمر بن عبد الوهاب الرماحي، حدثنا معمر بن سليمان، عن أبيه، عن منصور، عن ربعي، عن عمران بن حصين.
قال: قال رسول الله ﷺ: « لأدفعن الراية إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله » فبعث إلى علي وهو أرمد فتفل في عينيه وأعطاه الراية فما رد وجهه وما اشتكاهما بعد.
، ورواه أبو القاسم البغوي، عن إسحاق بن إبراهيم، عن أبي موسى الهروي، عن علي بن هاشم، عن محمد بن علي عن منصور، عن ربعي عن عمران فذكره.
وأخرجه النسائي بعد عن عباس العنبري، عن عمر بن عبد الوهاب به.
رواية أبي سعيد في ذلك
قال الإمام أحمد: حدثنا مصعب بن المقدام، وحجين بن المثنى قالا: ثنا إسرائيل، حدثنا عبد الله بن عصمة قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: أن رسول الله ﷺ أخذ الراية فهزها ثم قال: « من يأخذها بحقها ».
فجاء فلان فقال: أنا.
فقال: « امض ».
ثم جاء رجل آخر، فقال: أنا.
فقال: « امض ».
ثم قال النبي ﷺ: « والذي أكرم وجه محمد لأعطينها رجلا لا يفر »، فجاء علي فانطلق حتى فتح الله عليه خيبر وفدك وجاء بعجوتهما وقديدههما.
ورواه أبو يعلي، عن حسين بن محمد، عن إسرائيل وقال في سياقه: فجاء الزبير فقال: أنا.
فقال: « امض ».
ثم جاء آخر.
فقال: « امض »، وذكره تفرد به أحمد.
رواية علي بن أبي طالب في ذلك
وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن ابن أبي ليلى، عن المنهال، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: كان أبي يسير مع علي، وكان علي يلبس ثياب الصيف في الشتاء، وثياب الشتاء في الصيف.
فقيل له: لو سألته
فسأله فقال: إن رسول الله ﷺ بعث إليّ وأنا أرمد العين يوم خيبر، فقلت: يا رسول الله إني أرمد العين، فتفل في عيني فقال: « اللهم أذهب عنه الحر والبرد » فما وجدت حرا ولا بردا منذ يومئذ.
وقال: « لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، ليس بفرار » فتشرف لها أصحاب النبي ﷺ فأعطانيها.
تفرد به أحمد وقد رواه غير واحد عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبيه، عن علي به مطولا.
وقال أبو يعلى: حدثنا زهير، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن أم موسى قالت: سمعت عليا يقول: ما رمدت ولا صدعت منذ مسح رسول الله وجهي، وتفل في عيني يوم خيبر وأعطاني الراية.
رواية سعد بن أبي وقاص في ذلك
وثبت في (الصحيحين) من حديث شعبة، عن سعد بن إبراهيم بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، عن سعد بن أبي وقاص أن رسول الله ﷺ قال لعلي: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، غير أنه لا نبي بعدي؟ ».
قال أحمد، ومسلم، والترمذي: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا حاتم بن إسماعيل، عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه قال له: أمر معاوية بن أبي سفيان سعدا فقال: ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟
فقال: أما ما ذكرت ثلاثا قالهن له رسول الله ﷺ؟
لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من حمر النعم، سمعت رسول الله ﷺ يقول - وخلفه في بعض مغازيه - فقال له علي: يا رسول الله أتخلفني مع النساء والصبيان؟
فقال رسول الله ﷺ: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ ».
وسمعته يقول يوم خيبر: « لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ».
قال: فتطاولت لها، قال: « ادعوا لي عليا » فأُتي به أرمد فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه.
ولما نزلت هذه الآية { فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ } [آل عمران: 61] .
دعا رسول الله ﷺ عليا وفاطمة وحسنا وحسينا ثم قال: « اللهم هؤلاء أهلي ».
وقد رواه مسلم، والترمذي، والنسائي، من حديث سعيد بن المسيب، عن سعد أن رسول الله ﷺ قال لعلي: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى ».
وقال الترمذي: ويستغرب من رواية سعيد عن سعد.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أحمد الزبيري، حدثنا عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت، عن حمزة بن عبد الله، عن أبيه - يعني: عبد الله بن عمر - عن سعد قال: لما خرج رسول الله ﷺ إلى تبوك خلف عليا فقال: أتخلفني؟
قال: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي »، وهذا إسناد جيد ولم يخرجوه.
وقال الحسن بن عرفة العبدي: حدثنا محمد بن حازم أبو معاوية الضرير، عن موسى بن مسلم الشيباني، عن عبد الرحمن بن سابط، عن سعد بن أبي وقاص قال: قدم معاوية في بعض حجاته فأتاه سعد بن أبي وقاص فذكروا عليا.
فقال سعد: له ثلاث خصال لأن تكون لي واحدة منهن أحب إليّ من الدنيا وما فيها.
سمعت رسول الله ﷺ يقول: « من كنت مولاه فعلي مولاه ».
وسمعته يقول: « لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ».
وسمعته يقول: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي »، لم يخرجوه، وإسناده حسن.
وقال أبو زرعة الدمشقي: ثنا أحمد بن خالد الذهبي أبو سعيد، ثنا محمد بن إسحاق، عن عبد الله بن أبي نجيح، عن أبيه قال: لما حج معاوية أخذ بيد سعد بن أبي وقاص.
فقال: يا أبا إسحاق إنا قوم قد أجفانا هذا الغزو عن الحج حتى كدنا أن ننسى بعض سننه فطف نطف بطوافك.
قال: فلما فرغ أدخله دار الندوة فأجلسه معه على سريره، ثم ذكر علي بن أبي طالب فوقع فيه.
فقال: أدخلتني دارك وأجلستني على سريرك، ثم وقعت في علي تشتمه؟
والله لأن يكون في إحدى خلاله الثلاث أحب إلي من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال حين غزا تبوكا « إلا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي؟ »
أحب إلي مما طلعت عليه الشمس، ولأن يكون لي ما قال له يوم خيبر: « لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه، ليس بفرار »
أحب إليّ مما طلعت عليه الشمس، ولأن أكون صهره على ابنته ولي منها الولد ماله أحب إليّ من أن يكون لي ما طلعت عليه الشمس، لا أدخل عليك دارا بعد هذا اليوم، ثم نفض رداءه ثم خرج.
وقال أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن الحكم، عن مصعب بن سعد، عن سعد بن أبي وقاص قال: خلف رسول الله ﷺ علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله تخلفني في النساء والصبيان؟
قال: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟ » إسناده على شرطهما، ولم يخرجاه.
وهكذا رواه أبو عوانة، عن الأعمش، عن الحكم بن مصعب، عن أبيه، ورواه أبو داود الطيالسي، عن شعبة، عن عاصم، عن مصعب، عن أبيه فالله أعلم.
وقال أحمد: ثنا أبو سعيد مولى بني هاشم، ثنا سليمان بن بلال، حدثنا الجعد بن عبد الرحمن الجعفي، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها: أن عليا خرج مع رسول الله ﷺ حتى جاء ثنية الوداع وعلي يبكي يقول: تخلفني مع الخوالف؟.
فقال: « أوما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا النبوة؟ ».
وهذا إسناد صحيح أيضا ولم يخرجوه.
وقد رواه غير واحد، عن عائشة بنت سعد، عن أبيها.
قال الحافظ ابن عساكر: وقد روى هذا الحديث عن رسول الله ﷺ جماعة من الصحابة منهم عمر، وعلي، وابن عباس، وعبد الله بن جعفر، ومعاوية، وجابر بن عبد الله، وجابر بن سمرة، وأبو سعيد، والبراء بن عازب، وزيد بن أرقم، وزيد بن أبي أوفى، ونبيط بن شريط، وحبشي بن جنادة، ومالك بن الحويرث، وأنس بن مالك، وأبو الفضل، وأم سلمة، وأسماء بنت عميس، وفاطمة بنت حمزة.
وقد تقصى الحافظ ابن عساكر هذه الأحاديث في ترجمة علي في (تاريخه) فأجاد وأفاد وبرز على النظراء والأشباه والأنداد. رحمه رب العباد يوم التناد.
رواية عمر بن الخطاب رضي الله عنه في ذلك
قال أبو يعلى: حدثنا عبد الله بن عمر، ثنا عبد الله بن جعفر، أخبرني سهل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة قال:
قال عمر: لقد أُعطي علي بن أبي طالب ثلاث خصال لأن تكون لي خصلة منها أحب إليّ من حمر النعم.
قيل: وما هن يا أمير المؤمنين؟
قال: تزويجه فاطمة بنت رسول الله ﷺ، وسكناه المسجد مع رسول الله ﷺ يحل له فيه ما يحل له، والراية يوم خيبر.
وقد روى عن عمر من غير وجه.
رواية ابن عمر رضي الله عنهما
وقد رواه الإمام أحمد: عن وكيع، عن هشام بن سعد، عن عمر بن أسيد، عن ابن عمر قال: كنا نقول في زمان رسول الله ﷺ خير الناس أبو بكر ثم عمر، ولقد أوتي ابن أبي طالب ثلاث لأن أكون أعطيتهن أحب إليّ من حمر النعم. فذكر هذه الثلاث.
وقد روى أحمد، والترمذي، من حديث عبد الله بن محمد بن عقيل، عن جابر أن رسول الله ﷺ قال لعلي: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى غير أنه لا نبي بعدي؟ ».
ورواه أحمد من حديث عطية، عن أبي سعيد، عن النبي ﷺ قال: « أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ».
ورواه الطبراني من طريق عبد العزيز بن حكيم، عن ابن عمر مرفوعا.
ورواه سلمة بن كهيل، عن عامر بن سعد، عن أبيه، عن أم سلمة أن رسول الله قال لعلي: « أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ». قال سلمة: وسمعت مولى لبني موهب يقول: سمعت ابن عباس يقول: قال النبي ﷺ مثله.