البداية والنهاية/الجزء السابع/فصل قتال علي رضي الله عنه لأهل النهروان سنة ثمان وثلاثين
وقد صحح ابن جرير أن قتال علي لأهل النهروان كان في هذه السنة، وكذلك خروج الحريث بن راشد الناجي كان في هذه السنة أيضا.
وكان مع الحريث ثلاثمائة رجل من قومه بني ناجية - وكان مع علي بالكوفة - فجاء إلى علي فقام بين يديه وقال: والله يا علي لا أطيع أمرك ولا أصلي خلفك، إني لك غدا لمفارق.
فقال له علي: ثكلتك أمك إذا تعصي ربك وتنقض عهدك ولا تضر إلا نفسك، ولم تفعل ذلك؟
قال: لأنك حكمت في الكتاب وضعفت عن قيام الحق إذ جد الجد، وركنت إلى القوم الظالمين، فأنا عليك زاري وعليك ناقم، وإنا لكم جميعا مباينون.
ثم رجع إلى أصحابه فسار بهم نحو بلاد البصرة فبعث إليهم معقل بن قيس ثم أردفه بخالد بن معدان الطائي - وكان من أهل الصلاح والدين والبأس والنجدة - وأمره أن يسمع له ويطيع.
فلما اجتمعوا صاروا جيشا واحدا، ثم خرجوا في آثار الحريث وأصحابه فلحقوهم - وقد أخذوا في جبال رامهرمز -.
قال: فصففنا لهم ثم أقبلنا إليهم فجعل معقل على ميمنته يزيد بن معقل، وعلى ميسرته منجاب بن راشد الضبي، ووقف الحريث فيمن معه من العرب فكانوا ميمنة، وجعل من اتبعه من الأكراد والعلوج ميسرة.
قال: وسار فينا معقل بن قيس فقال: عباد الله! لا تبدؤا القوم وغضوا أبصاركم، وأقلوا الكلام، ووطنوا أنفسكم على الطعن والضرب، وأبشروا في قتالكم بالأجرة إنما تقاتلون مارقة مرقت من الدين، وعلوجا كسروا الخراج، ولصوصا وأكرادا، فإذا حملت فشدوا شدة رجل واحد.
ثم تقدم فحرك دابته تحريكتين ثم حمل عليهم في الثالثة وحملنا معه جميعنا، فوالله ما صبروا لنا ساعة واحدة حتى ولوا منهزمين، وقتلنا من العلوج والأكراد نحوا من ثلثمائة، وفر الحريث منهزما حتى لحق بأساف - وبها جماعة من قومه كثيرة - فاتبعوه فقتلوه مع جماعة من أصحابه بسيف البحر، قتله النعمان بن صهبان، وقتل معه في المعركة مائة وسبعون رجلا.
ثم ذكر ابن جرير وقعات كثيرة كانت بين أصحاب علي والخوارج فيها أيضا.
ثم قال: حدثني عمر بن شيبة ثنا أبو الحسن - يعني: المدائني - علي بن محمد بن علي بن مجاهد قال:
قال الشعبي: لما قتل علي أهل النهر خالفه قوم كثير، وانتقضت أطرافه وخالفه بنو ناجية، وقدم ابن الحضرمي إلى البصرة، وانتقض أهل الجبال، وطمع أهل الخراج في كسره وأخرجوا سهل بن حُنيف من فارس - وكان عاملا عليها - فأشار عليه ابن عباس بزياد بن أبيه أن يوليه إياها فولاه إياها فسار إليها في السنة الآتية في جمع كثير، فوطئهم حتى أدوا الخراج.
قال ابن جرير وغيره: وحج بالناس في هذه السنة قثم بن العباس، نائب علي على مكة، وأخوه عبيد الله بن عباس نائب اليمن، وأخوهما عبد الله نائب البصرة، وأخوهم تمام بن عباس نائب المدينة، وعلى خراسان خالد بن قرة اليربوعي.
وقيل: ابن أبزي، وأما مصر فقد استقرت بيد معاوية فاستناب عليها عمرو بن العاص.