كتاب الأم/كتاب اختلاف مالك والشافعي رضي الله عنهما/باب الحجامة للمحرم
سألت الشافعي عن الحجامة للمحرم فقال: يحتجم ولا يحلق شعرا ويحتجم من غير ضرورة فقلت: وما الحجة؟ فقال: أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار: (أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم يومئذ بلحي جمل).
[قال الشافعي]: أخبرنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عطاء وطاوس أحدهما أو كلاهما عن ابن عباس: (أن النبي ﷺ احتجم وهو محرم)، فقلت للشافعي: فإنا نقول: لا يحتجم المحرم إلا من ضرورة.
[قال الشافعي] رحمه الله تعالى: أخبرنا مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يقول: لا يحتجم المحرم إلا أن يضطر إليه مما لا بد منه وقال: مالك مثل ذلك [قال الشافعي]: ما روى مالك عن النبي ﷺ أنه لم يذكر في حجامة النبي ﷺ هو ولا غيره ضرورة أولى بنا من الذي رواه عن ابن عمر ولعل ابن عمر كره ذلك ولم يحرمه ولعل ابن عمر أن لا يكون سمع هذا عن النبي ﷺ ولو سمعه ما خالفه إن شاء الله فقال برأيه فكيف إذا سمعت هذا عن النبي ﷺ؟ قلت بخلاف ما سمعت عنه لقول ابن عمر وأنتم لم تثبتوا أن ابن عمر كرهه للناس قد يتوقى المرء في نفسه ما لا يكره لغيره وأنتم تتركون قول ابن عمر لرأي أنفسكم أفرأيتم إن كرهتم الحجامة إلا من ضرورة أتعدو الحجامة من أن تكون مباحة له كما يباح له الاغتسال والأكل والشرب فلا يبالي كيف احتجم إذا لم يقطع الشعر أو تكون محظورة عليه كحلاق الشعر وغيره؟ فالذي لا يجوز له إلا لضرورة فهو إذا فعله بحلق الشعر أو فعل ذلك من ضرورة افتدى فينبغي أن تقولوا: إذا احتجم من ضرورة أن يفتدي وإلا فأنتم تخالفون ما جاء عن النبي ﷺ وتقولون في الحجامة قولا متناقضا.